“دونور” ومسؤولية الجماهير
الزيارة التفقدية التي قام بها المسؤولون للمركب الرياضي محمد الخامس بالدار البيضاء أمس الأحد، للإطلاع على اللمسات الأخيرة في ورش إعادة هيكلته، استعدادا لافتتاحه في نهاية الأسبوع الجاري بمباراة الديربي البيضاوي، أعطت بعض الإشارات أننا أمام عملية تجديد غير مسبوقة في تاريخ هذه المعلمة الرياضية، عكس الكثير مما راج من إدعاءات غير صحيحة حول خضوعها ل”عملية ترقيع” أخرى، و “طلاء الصباغة” و “تغيير ألوان الكراسي”.
الصور والفيديوهات، رغم الملاحظات التي أبداها المسؤولون حول اللمسات الأخيرة، أظهرت أن مركب محمد الخامس شملته تغييرات في واجهته الخارجية، وأروقته أسفل المدرجات، ومستودعات الملابس، وولوجيات ذوي الإحتياجات الخاصة، ومنصة الصحافة، والمرافق الصحية، وفي علامات التشوير، والصوتيات وتقوية الإنارة بالتقنيات الحديثة، وكراسي الجمهور.. ومطابقة الكثير من الجوانب مع دفتر تحملات الكاف والفيفا فيما يتعلق بالملاعب الحديثة.
الكرة الآن في ملعب جمهوري الرجاء والوداد للمحافظة على معلمتهم التي تختزل كل تاريخهم وذاكرتهم، حيث شاءت نهاية أشغال إعادة الهيكلة وافتتاح الملعب، أن تتزامن مع موعد الديربي البيضاوي الذي اشتاق إلى معقله بعد أزيد من سنة من الغياب، ولاشك أن الجميع يترقب كيف ستتزين مدرجات “دونور” بجماهيره، وكيف ستعيد إليه حياته المعهودة منذ عقود.
الإصلاحات العميقة التي غيرت معظم معالم مركب محمد الخامس، تفرض أن تتغير معها الكثير من السلوكات والتدابير في كيفية ولوج الجمهور إلى المدرجات لتشجيع فريقه المفضل.. فلم يعد مقبولا ونحن القابعون الآن تحت مجهر وسائل الإعلام والأجهزة الكروية الدولية، بصفتنا مقبلون على تنظيم تظاهرات قارية وعالمية في السنوات المقبلة، أن نرى البعض يدخل إلى الملعب بدون تذكرة وأن يجلس “فين ما رشقات ليه”، وأن يصعد فوق الكرسي لتكسيره، وأن يرمي الشهب الإصطناعية في حلبة ألعاب القوى، وأن يخلع صنابير المياه في المراحيض.
أمام جمهوري الوداد والرجاء اليوم فرصة لإبلاغ رسالة حضارية إلى العالم، وهي أنهم يستحقون معلمة كروية مغربية كمركب محمد الخامس، في حلته الجديدة وأكثر، وأن ديربي فريقيهما الأفضل جماهيريا على المستوى الإفريقي، وأحد أفضل عشر ديربيات في العالم، ولن يتحقق ذلك إلا بالقطع مع كل الفوضى القديمة التي كانت تشهدها عملية الدخول إلى “دونور”، والإقتداء بجماهير الكرة في البلدان العريقة، وكيف تصنع من هذه المباريات طقسا احتفاليا ترفه بها عن نفسها، وتحافظ خلاله في نفس الوقت عن ممتلكاتها العمومية في الملاعب التي ترتادها كل أسبوع بنظام وانتظام.
أتمنى ألا تمر بضعة أسابيع على إعادة افتتاح أكثر ملاعب المغرب من حيث الرمزية التاريخية، ونكتشف أن أيدي الخراب قد عبثت به كعادتها، وألا يضطر المسؤولون مرة أخرى على إغلاقه للإصلاح قبل تسليمه للإتحاد الإفريقي لكرة القدم من أجل أن يحتضن مباريات الكان المقبل، ونجد أنفسنا من جديد أمام الإتهامات لهذه الجهة وتلك، بمحاربة الوداد والرجاء، وحرمانهما من أهم مصادر دخلهما المالي ومن أكبر عوامل تفوقهما الكروي.