story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

دور أول للتاريخ

ص ص

تعيش الكوت ديفوار هذه الأيام دورة عجيبة وغير مسبوقة لكأس إفريقيا للأمم على جميع المستويات، لا من حيث المتابعة الإعلامية لتفاصيلها، وما يحدث فيها من جدل، وأيضا من حيث التغيرات العميقة التي بدأت فعليا تشهدها الخريطة الكروية الإفريقية، وطريقة لعب منتخباتها، وأيضا التشويق والإثارة التي تشهدها مباريات الدول الأول، وبداية خروج منتخبات جاءت لحمل الكأس، فإذا بها أول الصاعدين إلى طائرة العودة.

قبل الثالث عشر من يناير الحالي، كان أغلب المتابعين يجتهدون فقط في لعبة الترشيحات والرهان على هذا المنتخب أو ذاك، للذهاب بعيدا في هذ المنافسة، بناءً على تاريخه وخبرته في إفريقيا وتوفره على اللاعبين ذوي القيمة السوقية المرتفعة، ولم ننتبه جميعا إلى قوى كروية صاعدة في القارة السمراء، ومنتخبات لازلنا نعتقد أنها فقط تصلح للأدوار التمهيدية في إطار إقصائيات كأس العالم، ستقول كلمتها بعد انطلاق المباريات، وستضرب كل الحسابات والتكهنات والإنتظارت في الصفر.

شاهدنا في المجموعة الأولى كيف خرج منتخب غينيا الإستوائية ” من الجنب”، وتأهل للدور الثاني متصدرا، و وضع منتخب البلد المنظم الكوت ديفوار في وضع محرج لا يفصله عن الخروج من المنافسة إلا شعرة مباريات المجموعة السادسة، وهو المنتخب الذي كان الحديث عن وصوله على الأقل إلى نصف النهاية في هذه الدورة أمر مفروغ منه.

في المجموعة الثانية، أبدعت قروش جزر الرأس الأخضر في التهام أسياد القارة الإفريقية التاريخيين مصر وغانا، وأكدوا أنهم لم يعودوا منتخبا لإكمال العدد، وأنهم بعد هذا الحضور المتوالي في دورات “الكان”، أصبحوا قوة كروية ضاربة بتشكيلة فسيفسائية تضم خليطا من لاعبين يمارسون في مختلف البلدان والبطولات.

تابعنا أيضا كيف أن منتخب موريطانيا الذي بالكاد ظهر في الساحة الكروية الإفريقية مؤخرا، قلب الطاولة في المجموعة الرابعة على منتخب الجزائر الذي كان كثيرون يضعونه مع خانة المنتخبات التي “ستقول كلمتها” في هذه الكان، المرابطون سجلوا هدفا ورابطوا أمام مرماهم بشكل بطولي وأرسلوا جمال بلماضي ولاعبيه في النهاية إلى خارج البطولة، وتأهلوا إلى الدور الثاني لأول مرة في تاريخهم.

طريقة تأهيل أربع منتخبات من أفضل المحتلين الستة للرتبة الثالثة في المجموعات، كانت فكرة جيدة من الإتحاد الإفريقي، حيث أعطت ملحا جميلا للبطولة، وصنعت سيناريوهات غاية في التشويق والإثارة والغرابة أيضا، وجعلت من الدور الأول الذي كان يعتبر في البطولات السابقة دورا يغلب عليه الملل والإيقاعات البطيئة في المباريات، إلى دور يشهد مواجهات نارية تتغير معها معطيات المجموعات حتى الثواني الأخيرة من الوقت بدل الضائع .

هذه البطولة الحالية العجيبة، أفرزت لنا متغيرا تقنيا غاية في الأهمية، وهو نهاية عصر النجوم في القارة الإفريقية، وسقوط نظرية الأسماء الفردية التي تصنع الفارق لوحدها لصالح منتخباتها، إذ شاهدنا كيف كانت الغلبة لروح الفريق على حساب النجوم الشهيرة “موالين الشرويطة” الذين لم يعد حضورهم يجدي شيئا أمام منتخبات منسجمة وتلعب بانضباط تام لتعليمات المدربين.

أيضا تسجل دورة الكوت ديفوار لحد الآن بداية نهاية الطابع “الإحتفالي” الشهير في اللعب الإفريقي الذي كان يصل إلى حد السذاجة، وكل واحد يلعب بالطريقة التي تحلو له .. حيث أصبحنا نشاهد مباريات تطبعها جدية أكبر وتنظيما تكتيكيا غاية في الصرامة، وانضباطا مثاليا للخطط التي يضعها المدربون.

بطولة كأس إفريقيا للأمم الحالية ستدخل التاريخ بكل هذا الذي يحصل فيها من متعة وإثارة وتشويق ، ولازلنا بالكاد نصل اليوم إلى نهاية دورها الأول العجيب، حيث الجميع صار ينتظر الآن بشغف كيف ستنتهي الأمور في المراحل المتقدمة من النهائيات، والراجح أنها لم تخبئ في مبارياتها أعاجيبا ليست غريبة عن قارة العجائب.