story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

دفاعا عن مي ايزة

ص ص

في الوقت الذي ننتظر من الأعمال الفنية أن ترتقي إلى مستوى تناول مواضيع السياسة والتاريخ والاقتصاد، وتطرح قضايا المصيرية والحيوية التي تهم عيشنا المشترك فوق هذه الرقعة من العالم، نخرج تباعا لإضافة طابوهات جديدة: المحامون وسائقو سيارات الأجرة والشيخات والآن أساتذة التعليم ويعلم الله ما هي الطابوهات الجديدة القادمة.
إنتاجاتنا الفنية، الدرامية والفكاهية، سواء منها الرمضانية أو “الشعبانية”، تعاني أصلا فقرا في الابداع، وقصورا في الجرأة وتكرار للمواضيع، ونأيا عن الإشكالات والقضايا الحساسة والخطيرة، فإذا بالمجتمع يتحرك لتضييق الضيّق.
مناسبة هذا الكلام هو الضجة الجديدة، المؤسفة والمفتعلة، حول السلسلة الترفيهية “أولاد مي ايزة”، بدعوى إساءتها لموظفي التعليم والأساتذة. ومسارعة عشرات الهيئات المهنية والنقابية إلى اصدار البلاغات المنددة والرسائل المحرضة الموجّهة إلى الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري. وهو ما يحمل على الحزن والأسف الشديدين، بل والخوف مما تعبر عنه مثل هذه الأحداث لمستقبل الحرية والتعايش والاختلاف في هذه البلاد.
كما كان الحال في كل مرة تثير فيها هذه الأعمال الرمضانية زوابع اجتماعية، قمت “على سعدي ووعدي” بالبحث عن تسجيل الحلقة الأولى من هذه السلسلة، لأن العاصفة انطلقت في اليوم الأول لرمضان، وأنفقت ربع ساعة تقريبا لمشاهدة ما لا يستهويني ولا يعجبني أصلا كمحتوى ترفيهي، فوجدتني مضطرا لإعادة المشاهدة، بل وانتظار الحلقتين الثانية والثالثة لعلي أفهم أكثر، فلم أجد ما يمكن أن يبرر غضب الأساتذة ولا التجار ولا الحرفيين.
سلسلة عادية جدا، بل فيها بعض الاجتهاد في الكتابة والتصوير، وتحكي مواقف يفترض أنها مضحكة (شخصيا لا تضحكني) تدور في بيت “مي ايزة” التي تعيش مع ابنها الوحيد، والذي سيتزوج ب”بنت الدوار” كمدخل لانخراط شخصية جديدة، ثم سيلتحق به أخ عاش في كنف عمة بعيدة، كمطية لظهور شخصية مختلفة عن “ابن الدوار”، رفقة زوجته القادمة من أوربا… والعقدة التي فجرت غضب بعض الهيئات المهنية والنقابية، هي أن البطل أستاذ.
هل أساءت السلسلة لموظفي التعليم؟ الحقيقة أنني لم أجد ما يمكن أن يحمل على الشعور بالإساءة. مهنة ووظيفة التعليم غائبة أصلا وبشكل شبه كلي عن أحداث ومشاهد السلسلة. لا حضور للعملية التعليمية ولا القسم ولا المدرسة ولا التلاميذ… وكل ما في الأمر هو أن الشخصية ذات الملامح والهندام والسلوك الذي يحيل على قالب نمطي يحمل على التندر والسخرية، لها مهنة اسمها التعليم.
طيب هل كان على مخرج العمل وكتّابه أن يختاروا لهذه الشخصية مهنة أخرى؟ ولماذا؟ هل من مهنة أو وظيفة أو انتماء قبلي أو عرقي أو جهوي، يحرّم تجسيدها؟ وهل يعقل أن نطالب المبدعين والفنانين بتغييب كل ما هو قدحي ومشين في الواقع، وتصويرنا كمجتمع من الملائكة؟ ثم هل نحن عاجزون إلى هذا الحد عن التمييز بين الأخبار وأعمال الخيال؟
لنفترض أن شخصية الأستاذ في هذه السلسلة شريرة أو فاسدة، بينما هي في الواقع غريبة الأطوار لا غير، هل يعقل أن في مجتمع الأساتذة لا يوجد سوى الأبطال والأتقياء؟ ما دور الفن إن لم يكن استحضار أعطاب ومشاكل المجتمع وفتح الأعين عليها بطريقة فنية؟ وما العمل مع مظاهر الفساد والانحراف التي تخترق مجتمع التعليم كما في جميع الأطياف والفئات؟ ألم نصادف الأساتذة في مسارنا التعليمي ووجدنا بينهم المجتهد والمناضل والمكافح والكريم والنزيه، لكن أيضا المرتشي والمبتزّ والغشاش والمتحرش…
شخصيا لن أجد في أي عمل فني يستحضر الجانب الفاسد في الصحافيين أية إساءة أو تحقير. لأن بين محترفي هذه المهنة شرفاء ونزهاء كثر، لكن هناك أيضا صحافيون فاسدون، ومرتشون، وطفيليون، ومتطفلون. والتناول الفني يمكن أن يتطرق إلى هذا الجانب أو ذاك، دون أن يعني ذلك التعميم على بضعة آلاف من المنتسبين لمهنة الصحافة، فبالأحرى مجتمع كبير ومتنوع مكوّن من مئات الآلاف من الأساتذة وموظفي التعليم.
فرفقا بالبلاد والعباد.