دروس الإنجاز الإيفواري
كرة القدم العالمية شهدت الكثير من المناسبات التي نجت فيها منتخبات بأعجوبة من الإقصاء في الدور الأول، ومرت بحسابات معقدة إلى الدور الثاني، لتتحول بعدها إلى آلة تأتي على الأخضر واليابس، ولم تتوقف حتى فازت باللقب، لكن الشيء الذي صنعه منتخب كوت ديفوار في الكأس الإفريقية الأخيرة، هو شيء مختلف عما كان يحدث، وبشكل أوضح هو نوع من الخوارق والمعجزات الكروية التي لم يسبق لها مثيل.
منتخب كان في عداد المقصيين و”اللي عطى الله عطاه” بعد هزيمة مذلة في مجموعته في الدور الأول بأربعة لصفر، واحتلاله المركز الثالث، وإقالة المدرب وبداية استعداد اللاعبين للعودة إلى أنديتهم وبطولاتهم، فقط الحسابات المعقدة لأحسن المحتلين للصف الثالث، دفعتهم إلى انتظار عطف المنتخب المغربي ليفوز على زامبيا، ويعود معه الفيلة من ثلاجة الموتى إلى المنافسات من جديد.
ما حدث بعد ذلك، ضَرب كل نظريات كرة القدم في الصفر، ورمى حساباتها و”فلسفة” خبرائها حول الإستعداد والإستقرار والتكتيك ويقينيات الأقوى على الورق، فبنفس اللاعبين الذين تعرضوا للبهدلة في الدور الأول، وبنفس الطاقم التقني الذي “طار” منه المدرب الأول وعوضه مساعده الشاب، وجدنا منتخبا آخر يلعب ضد السنغال حامل اللقب بتغييرات طفيفة على مستوى بعض المراكز، لكن بعزيمة حديدية مكنتهم من الصمود أمام أسود التيرانݣا حتى ضربات الجزاء ليرسلونهم إلى العاصمة دكار بعدما كان الجميع يعتقد أن لاعبي أليو سيسي سيلتهمون خصمهم الذي مر إلى الدور الثاني بهدية من المغرب.
مباراة الربع أمام مالي زاد الإيفواريون من خوارقهم عندما صمدوا طيلة ثمانين دقيقة بعشرة لاعبين بعد طرد مدافعهم أوديلون، وبهذا النقص العددي استطاعوا أن يسجلوا هدف التعادل في الوقت الميت، ويدخلوا إلى الأشواط الإضافية ويفاجؤوا الماليين بهدف قاتل وهم يستعدون للجوء إلى ضربات الجزاء.
وبنفس العزيمة وبنفس الروح القتالية مدعومين بجمهورهم أزاحوا الكونغو الديموقراطية في نصف النهاية، وعندما وصلت المباراة النهائية ساد اعتقاد عند جميع من يشاهد “الكان” أن الكرة ستكون ظالمة لو منحت اللقب لنيجيريا وتركت هذا المنتخب الإيفواري الأعجوبة يخرج من الدورة دون أن يكتب معجزته التاريخية في إسمه، فكان في الموعد وفاز بنفس الروح المقاوِمة واللعب القتالي المثير للإعجاب، ولم يستسلم وهو يتلقى هدف السبق في شباكه من خصم نيجيري عنيد.
الكوت ديفوار كسبت رهانين في نفس الوقت، حيث استطاعت تنظيم الدورة بنجاح، وبالمقدور عليه من الإمكانيات، وأيضا فازت بالكأس بهذا الآداء الخرافي للاعبيها، وتركت لنا الكثير من الدروس التي يجب أن نضعها “حلَقة” في آذاننا، فكأس إفريقيا لا تُربَح فقط بالنجوم وأصحاب القيمة السوقية المرتفعة، ولا إمكانيات الخمس نجوم، كأس إفريقيا تطلب قليلا من التواضع وليس “الدخلة” المليئة بالكلام الحماسي عن اللقب، وتطلب أيضا التوفر على روح قتالية ولياقة بدنية وذهنية عالية جدا للتغلب فوق ملاعب يقتلع عشبها من شدة الإلتحامات الثنائية القوية.
الكوت ديفوار فازت بالكأس، ونجحت في التنظيم، وقدمت الدروس البليغة ، وروجت عن نفسها وشعبها الجميل صورة البلد الواعد والآمن وسط غرب إفريقي يشهد الكثير من التقلبات وعدم الإستقرار.