story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

درس باريسي في ميونيخ

ص ص

الطموح الباريسي بالفوز بلقب كأس رابطة الأوربية، تحقق أخيرا بعد سنوات طويلة من الفشل المتكرر والخيبات والخروج من الأدوار المبكرة وأحيانا المتقدمة، رغم صرف اموال طائلة في جلب أشهر نجوم العالم الكروي من اللاعبين والمدربين.

الأجمل في تتويج نادي باري سان جيرمان، هو أن أحد صانعي حصته العريضة التي تغلب بها على العريق الإيطالي إنتر ميلانو، هو لاعبنا وعميد منتخبنا أشرف حكيمي الذي ختم موسما رائعا بوأه مرتبة أفضل مدافع أيمن في العالم بشهادة جميع التصنيفات المتخصصة، وجعله من الآن حائزا على جائزة الكرة الذهبية الإفريقية لهذه السنة، إلا إذا فاجأتنا قارتنا العجيبة بهبال جديد مثلما فعلت العام الماضي.

اللقب الأول ل “البي إس جي” رغم أن الجميع داخل النادي ساهم فيه بقسطه، إلا أن الواقع يقول أن شخصان كانا بمثابة عصبٍ لهذا الإنجاز التاريخي، وكان لهما التأثير الكبير في ذلك، أولهما رئيس ومالك باري سان جيرمان ناصر الخليفي.. فالثري القطري آمن بالمشروع الذي وضعه في بداية استحواذه على أسهم النادي، وكان دائما في تدبيره المالي وأهدافه الإقتصادية، شخصا يعرف جيدا “آش كيدير” ، رغم ما كان يبدو من بذخ في تعاقدات كبيرة غير مجدية كرويا، إلا أنه كان للنادي أرباح ضخمة من حملهم لقميص الفريق، فيما يتعلق بعائدات الإشهار والنقل التلفزيوني وبيع منتوجات النادي، والدليل أن باري سان جيرمان منذ سنوات وهو يحطم كل الارقام القياسية في الإيرادات المالية السنوية حتى وصلت ل806 مليون أورو محتلا بذلك المرتبة الثالثة بين الاندية الاوربية.

كان جمهور الكرة يرى في “البي إس جي” ناديا فاشلا على صعيد المسابقات الاوربية، ولا يمتلك شخصية البطل، وأن “الاموال القطرية” لا يمكنها أن تصنع فريقا قويا يحرز الألقاب في أوربا.. فيما كان ناصر الخليفي بذكاء التاجر الشاطر يؤمن أن التجريب وإعادة التجريب والصبر على النتائج، لابد وأن ينتهي بالنجاح يوما ما، فكان له ذلك أخيرا في ليلة السبت بملعب أليانز أرينا بميونيخ.

ثاني الأشخاص الذين شكلوا عصب الإنجاز الباريسي هو المدرب الإسباني لويس إنريكي، المعروف بصرامته وقوة شخصيته، ورغبته الدائمة في السيطرة على مستودع الملابس التي يفرض بها مشروعه وتصوراته التقنية وخططه أثناء المباريات، فبدأ “بغربلة” التشكيلة من النجوم التي تلعب لنفسها ولا تقدم شيئا للفريق، وأبعد كل من لا ينصاع لتعليماته وخططه التكتيكية (تسريب طريقة حديثه المنفرد الصارم مع كيليان مبابي)، واحتفظ بلاعبين عاديين لا ينتمون إلى نجوم الصف الأول، واشتغل معهم على طريقة لعب فعالة فيها الكثير من ملامح الكرة الشاملة التي يساهم فيها الجميع في الدفاع كما الهجوم.

وظهرت ثمار تركيزه على الإنسجام وروح المجموعة، ومقاومة اللحظات الضاغطة في المباريات الحارقة، وهكذا أصبح الفريق الباريسي يتوفر على طريقة لعب معروفة، وصار مستواه يتطور من مباراة لأخرى حتى أصبح يُضرَب له ألف حساب من طرف الجميع، وما شاهدناه في النهائي وهو يلتهم إنتر ميلانو بخماسية نظيفة، لم يكن سوى تحصيل حاصل، وعصارة تغيير عميق في المنظومة التقنية لباري سان جيرمان، ولخيار مختلف في فلسفة تدبير الفريق، كانت نتيجته كل ذلك الإبهار التاريخي الذي شاهدناه.

مسار باري سان جيرمان خلال 15 سنة الماضية، هو قصة ملهمة لمن يريد النجاح في كرة القدم الحديثة تدبيريا وتقنيا.. فالإستثمار فيها يتطلب الكثير من التخطيط والعمل وتجريب أنواع وصفات النجاح، والصبر على الألقاب لأطول فترة ممكنة.. أما من ينتظر النجاحات السريعة بمجرد ضخ الأموال في خزينة ناديه بدون مشروع أو خارطة طريق واضحة، فالأكيد أنه سيبقى في الأخير مثلما يقول المثل المغربي البليغ “لا حمار لا سبعة فرنك”.