story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

دخول حاسم

ص ص

انتهت العطلة الصيفية واستأنفت الآلة الإدارية دورانها وعرضت الحكومة جدول أعمال أول مجالسها الحكومية، إيذانا بدخول سياسي حاسم.
دخول هذه السنة مختلف عن سابقيه، لما تنطوي عليه أجندة مؤسسات الدولة من ملفات حارقة وأوراش تنتظر الحسم. على رأس تلك الملفات يوجد الإعلان الملكي عن الإصلاحات التي ستهمّ مدوّنة الأسرة، مع احتمال الإفراج عن تعديل حكومي طال انتظاره، وإجراء إحصاء عام للسكان والسكنى، هو الثالث في عهد الملك محمد السادس، وشروع الحكومة أخيرا في الاقتراب من لغم صناديق التقاعد وقوانين الإضراب والنقابات…
دخول يتزامن مع سياق دولي يتّسم شهر نونبر المقبل بانتخابات رئاسية في أمريكا، وحرب إبادة مخزية في فلسطين، وتسخين سياسي وعسكري لمحيطنا الإفريقي القريب… علاوة على اضطرابات مناخية تعرّي اختيارات تدبيرية ليس القائمون على الحكومة الحالية بأقل مسؤولية عنها من سابقيهم.
من بين أبرز الملفات التي ينتظر أن تدشّن الدخول السياسي الحالي، يوجد إصلاح مدونة الأسرة، والذي يحتمل أن يعلن الملك عن خلاصاته في خطابه الخاص بافتتاح السنة التشريعية.
إعلان ينتظر منه أن يحمل جوابا عن سؤال كبير يتعلّق بسبب نزول هذا الورش، ودواعي فتحه وما إن كان سيشكل نقلة نوعية في التشريعات المتعلقة بالأسرة، خاصة ما يتعلق بتعزيز حقوق المرأة وتحقيق المساواة… أم إنه سيتقيّد بالحدود التقنية التي تسدّ الفجوات المسطرية.
الطريقة التي أسست لها الرسالة الملكية الموجهة إلى رئيس الحكومة لتشكيل لجنة كانت قضائية ثم أصبحت موسّعة، تشكّل اختبارا جديدا للممارسة الدستورية في حقل يتسم بحساسية اجتماعية وثقافية كبيرة، بعدما جعل دستور 2011 التشريع للأسرة اختصاصا حصريا للبرلمان.
إصلاح كبير آخر ينتظر فتحه بداية هذه “السنة السياسية” الجديدة، يتعلّق بإصلاح أنظمة التقاعد، والذي يندرج ضمن الإصلاحات الهيكلية العالقة، ويشكل أحد أكبر التحديات المالية والاجتماعية.
العجز المتفاقم في صناديق التقاعد يهدد استدامتها المالية ويهدد بإفلاسها، ويستدعي إصلاحات جذرية لتأمين هذه الأنظمة على المدى الطويل. الحكومة مطالبة بتقديم حلول مبتكرة وبعيدة عن منطق شراء صمت أو تواطؤ النقابات، وتضمن الحفاظ على الحقوق الاجتماعية وفي الوقت نفسه تحقق الاستدامة المالية لهذه الصناديق.
أما احتمال إجراء تعديل حكومي، فلا يرتبط فقط بتقييم أداء بعض الوزراء، بل يمتد إلى البحث عن الوضع السياسي الذي سيعبّر عن اختيارات ملكية بالخصوص، استعدادًا للمرحلة الانتخابية المرتقبة في 2026.
استحقاق يرجّح أن يبدأ الإعداد له ابتداء من 2025، مع احتمال فتح ورش تحيين القوانين الانتخابية، في تكريس لتقليد مغربي غير حميد، لما يفرزه من قواعد غير محايدة ومفصّلة على المقاس.
قد يكون هذا التعديل الحكومي خطوة لإعادة توزيع الأوراق السياسية وتقديم وجوه جديدة قادرة على إضفاء دينامية جديدة على المشهد السياسي، أو على الأقل تصريف أعمال ما تبقى من عمر هذه الحكومة بعيدا عن التجاذبات السياسية. لكن يبقى السؤال مطروحا حول قدرة هذا التعديل على تحقيق التوازن المطلوب بين مختلف مكونات المشهد الحزبي.
المذكرة التوجيهية لمشروع قانون المالية لعام 2025، التي أصدرها رئيس الحكومة مؤخرًا، حددت معالم التوجهات المالية للدولة في ظل تحديات اقتصادية ضاغطة. وتركز هذه المذكرة على تعزيز الاستثمار وتحفيز النمو مع الحفاظ على التوازنات المالية الكبرى والتوفيق بين زيادة الاستثمارات وضبط الإنفاق الحكومي، وتجنب إجراءات تقشفية قد تثير الاستياء الشعبي…
لكن تظل المعضلة في كيفية تحقيق هذه الأهداف في ظل معدلات تضخم مرتفعة وتباطؤ النمو الاقتصادي، ما يجعل تحقيق الاستقرار المالي دون المساس بالبرامج الاجتماعية تحديًا كبيرًا.
وفي خضم كل هذه التحديات الداخلية، تبرز أزمة ندرة المياه كتهديد وجودي للمغرب، حيث تؤثر على الفلاحة والأمن الغذائي والأنشطة الاقتصادية في القرى والمدن، وحتى على المعيش اليومي للتجمعات السكانية. وتتطلّب هذه الأزمة استجابة سريعة واستراتيجيات مستدامة، بما في ذلك الاستثمار في تحلية المياه وإعادة تدويرها، وتحسين كفاءة استخدام الماء في كافة القطاعات.
كما أن الحلول الآنية والترقيعية لم تعد كافية، والمطلوب هو تبني نهج شامل ومستدام لإدارة الموارد المائية، يراعي التغيرات المناخية ويسعى إلى تقليل الفجوة المائية. كما تفرض أزمة الماء الآخذة في التفاقم فتح حوار وطني شفاف حول الاختيارات الفلاحية التي جاء بها مخطط المغرب الأخضر ومساءلتها عن الوضع الكارثي الذي آلت إليه مخزونات المغرب من الذهب الأزرق.
على الصعيد الدولي، تتجه الأنظار في هذا الدخول السياسي نحو الانتخابات الأمريكية المقبلة، والتي تؤثر نتائجها حتما على السياسة الخارجية للمغرب، خاصة ما يتعلق بقضية الصحراء والعلاقات مع إسرائيل، إلى جانب الشراكات الاقتصادية والأمنية.
قدرة المغرب على التكيف مع هذه التحولات، وحفظ التوازن في علاقاته مع القوى الكبرى، ستكون عاملًا حاسمًا في الحفاظ على استقراره الإقليمي والدولي. فهو مطالب بالاستمرار في سياسة خارجية متوازنة تتيح له المناورة في مواجهة التغيرات الدولية، وتضمن مصالحه الاستراتيجية في منطقة مضطربة.
وفي ظل هذه التحديات، لا تزال الفرصة قائمة لتحويل الأزمات إلى فرص للنمو والتحول الإيجابي. ويتطلب ذلك القدرة على اتخاذ قرارات جريئة، ومشاركة واسعة من المواطنين في صياغة مستقبلهم وإشارات واضحة تعيد الثقة وتبدّد المخاوف.
الدخول السياسي لهذا العام ليس مجرد محطة جديدة، بل لحظة مفصلية قد تحدد وجهة المغرب لسنوات قادمة، ويشكل فرصة لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمجتمع، وتأسيس عقد اجتماعي جديد يضمن الكرامة والعدالة والتنمية للجميع.
نحن على أعتاب مرحلة تتطلب رؤى استراتيجية واستشرافية قادرة على مواجهة التحديات، وتحويل بعضها إلى فرص، وبناء أفق يقنع الجميع بالتطلّع إليه عوض الارتماء في مياه البحرين، المتوسط والأطلسي، بحثا عن آفاق بديلة.