دامت 12 يوما.. محللون يشخّصون تداعيات الحرب بين إسرائيل وإيران

دخل وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل يومه الثاني، منذ إعلان الجانبين الموافقة عليه بوساطة قطرية، عقب إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عنه في الساعات الأولى من صباح الثلاثاء 24 يونيو 2025.
ومع استمرار حالة الحذر والترقّب بشأن صمود وقف إطلاق النار، يتناول المحللون نتائج حرب الأيام الـ12 بين إسرائيل وإيران على الطرفين.
وفي هذا السياق، يرى الصحافي المغربي مصطفى ابن الرضي أن الوقت لا يزال مبكراً لقراءة تداعيات الحرب ومع ذلك يتوقف عند مجموعة من النقاط الآنية، في حين تعدّد الباحثة الإيرانية فاطمة الصياحي ما تعتبره مكاسب حققتها طهران، مقابل عجز إسرائيلي عن تحقيق أهداف تل أبيب.
وأعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان انتهاء الحرب مع إسرائيل بـ”نصر عظيم” للأمة الإيرانية، مع فتح المجال للذهاب إلى مفاوضات مع واشنطن وحل الخلافات معها وفق الأطر الدولية، في الوقت الذي قال فيه رئيس الأركان الإسرائيلي إيال زامير إن “الحملة على إيران لم تنته بعد” رغم سريان وقف إطلاق النار.
دوافع إنهاء الحرب
في هذا الصدد، يقول الصحافي مصطفى ابن الرضي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”: “لربما يجب أن ننتظر المفاوضات الأمريكية الإيرانية لتقرير موازين القوة الجديدة”، مشيراً إلى أن الحرب “بدأت خاطفة ومفاجئة، وانتهت بطريقة درامية”. كما أن كل طرف أنهى الحرب وفق تقديره الخاص لحدود الربح والخسارة.
بالنسبة إلى إيران، يرى ابن الرضي أنه “كان لزاماً وقف الحرب لأن استمرارها قد ينتهي بخسارة، ولأن طهران عانت صعوبات في كسر التفوّق الجوي لإسرائيل”، إلى جانب “الضربة الخاطفة التي وجهها الجيش الأمريكي لمنشآتها النووية، وما سمعته من حدود تدخل لدى حلفائها المفترضين، خاصة في أنقرة وموسكو”.
وتعد الحرب الأخيرة، أول حرب كبيرة تخوضها إيران على أراضيها منذ الحرب الإيرانية العراقية، وكما لم تختر توقيتها “بل فرضت عليها، بعدما خسرت مواقعها في الإقليم ضمن استراتيجيتها للدفاع المتقدّم”.
واعتبر الكاتب والصحافي المغربي أن توقّف الحرب بالنسبة إلى طهران هو “وقفٌ لنزيفٍ في بنيتها العسكرية والنووية، ولمواردها البشرية، في الجيش وعلماء النووي”.
ومع ذلك، لم يتبيّن بعد حجم الضرر الذي تعرّض له المشروع النووي الإيراني، الهدف الأساسي من كل هذه المواجهة، بحسب المتحدث الذي يشير إلى احتمال أن تكون إيران “قد تتعمد إضفاء نوع من ‘الغموض’ حول نتائج القصف الأمريكي”.
كما افترض أن يكون قبول إيران لاتفاق وقف الحرب راجعاً إلى الأضرار العسكرية التي تعرّضت لها، أو “لتأمينها الأجزاء الأهم في مشروعها النووي، وحماية جهود عقود غير قابلة للهدر”.
وينتظر بعد هذه الحرب، وفقاً ابن الرضي، أن تعود إيران إلى كرسي التفاوض الذي لم تُغادره، وتحاول ألا يكون لنتائج الحرب تأثير على وضعها التفاوضي، بينما ستكون واشنطن حريصة على تحويل لحظة التفاوض هذه إلى امتداد للحرب.
أما بالنسبة إلى إسرائيل، فإن الحرب قد توقفت بعد حصولها من ترامب على ما كانت تريده، وفق تقديراتها، “أي ‘تدمير’ البرنامج النووي الإيراني، خاصة مع جزمه بأن ‘إسرائيل في أمان بعد زوال الخطر’. لذلك سارعت تل أبيب إلى إيصال رسالة، عبر أطراف وسيطة لوقف الحرب”، يضيف ابن الرضي، كما أنها “تخشى التورّط في مواجهة استنزاف، مادامت ضرباتها لن تنشئ واقعاً جديداً في طهران منفردةً، أكثر ممّا فعلت واشنطن”.
وينضاف إلى كل ذلك، تمكن إيران من إلحاق أضرار كبيرة بإسرائيل طيلة 12 يوماً، وهو ما أشعر الإسرائيليين لأول مرة منذ 7 أكتوبر 2023، وفقاً للصحافي المغربي “أن الحرب قريبة منهم جداً، فضلاً عن أن إيران نجحت في ضرب عدد من المواقع الحساسة والاستراتيجية بدقة، بما فاجأ جيش الاحتلال، وأظهر قصوراً في الدفاعات الجوية الإسرائيلية”.
فرصة لإيران وانكسار لإسرائيل
من جانبها، ترى الباحثة الإيرانية في العلاقات الدولية فاطمة الصياحي أن الحرب توقفت في ظل قدرة إيران على تنفيذ عمليات أوسع وأكثر عمقاً، مشيرة إلى أنها “لم تُدخل بعدُ كامل قوتها في الميدان خلال هذين الأسبوعين”، بحيث أن هجماتها “كانت متناسبة مع اعتداءات الكيان الصهيوني، كما لم تُظهر أيضاً تفوقها في الضربات الدقيقة للصواريخ، ولم تستخدم صواريخها الباليستية الحديثة أو الفائقة السرعة”.
وذلك مقابل بذل إسرائيل كل ما في وسعها خلال هذه الأيام الـ12، وجرّها الولايات المتحدة الأمريكية إلى الحرب، فضلاً عن استعانتها بمجموعة من الدول لصد الصواريخ الإيرانية.
وترى الصياحي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، أن هذه الحرب تحوّلت إلى فرصة ذهبية لإيران، “التي كانت تفتقر إلى تجربة الحروب الحديثة، ولم تختبر أسلحتها الصاروخية في ميدان حقيقي”، مشيرة إلى أن الهجوم الإسرائيلي مكّن إيران من اختبار مجموعة واسعة من الصواريخ والطائرات المسيرة وأنظمة الدفاع الجوي المحلية، مما سمح لها بتقييم نقاط قوتها وضعفها بشكل عملي.
“في حين، سبق لإسرائيل أن خاضت حروبا حديثة “آخرها بعد 2023، من قبيل اجتياح غزة ومواجهات مع حزب الله على الحدود الشمالية وأنصار الله في البحر الأحمر”، وترى الصياحي أن الهجوم الإسرائيلي عزز من إيمان إيران -التي لم تكن لها تجربة حرب حديثة- بقدراتها التسليحية، كما أبرز قوتها في الردع وتغيير المعادلات الميدانية.
وتتوقف الكاتبة والباحثة الإيرانية فاطمة الصياحي عند “المكاسب” التي خرجت بها إيران من هذه الحرب، والتي من بينها “حفاظها على قدراتها النووية والصاروخية، وإثباتها لإسرائيل والولايات المتحدة أنهما عاجزتان عن حرمانها من حقها في الاستخدام السلمي للطاقة النووية”.
كما سجلت الصياحي تمكن الأجهزة الاستخباراتية في إيران من كشف واعتقال مئات العملاء المتسللين للعدو، وتدمير شبكات التجسس الإسرائيلية، معتبرة ذلك “إنجازاً استخباراتياً بارزاً” في ظل الظروف الحرجة، “ساعد إيران على تنسيق ردودها بشكل أكثر فعالية”.
وأفادت وسائل إعلام إيرانية بأن السلطات ألقت القبض على 700 شخص بتهمة الارتباط بإسرائيل خلال الحرب التي استمرت 12 يوماً. كما ذكرت السلطة القضائية الإيرانية أنه جرى، يوم الأربعاء 25 يونيو 2025، إعدام ثلاثة أشخاص بعد إدانتهم بالتخابر لصالح جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد، وتهريب معدات تستخدم في الاغتيالات.
وبحسب الصياحي، لم يعد التهديد بالهجوم يُرعب إيران أو يُشعل حرباً نفسية، معتبرة أن “بلادها خاضت الحرب وخرجت منها منتصرة”، كما كسرت صورة “تل أبيب القوية”، وحولت حيفا وتل أبيب ومناطق أخرى في الأراضي المحتلة إلى دماريشبه ما حل بقطاع عزة، وهو ما عدّته “انتقاماً لمعاناة الفلسطينيين”.
كما تمكنت طهران من الاستيلاء على زمام المبادرة في ساحة المعركة، منذ أول أيام الحرب، “عندما ردت سريعاً على الهجمات الإسرائيلية الأولية”، وأظهرت قدرتها على امتصاص ضربات العدو والرد المضاد، تضيف المتحدثة ذاتها.
الموقف الأمريكي.. من المفاوض إلى الشرطي
ومثلما شخص الصحافي المغربي مصطفى ابن الرضي الوضع بالنسبة إلى كل من إيران وإسرائيل، يتوقف عند موقف الولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، مشيراً إلى أنه رغم هجومها على المنشآت النووية “يبدو أنها لم تكن معنية بتوسّع الحرب”، وذلك انسجاماً مع وعود ترامب للأميركيين بأنه لن يتورّط في حروب خارجية، ومع بروز معارضة للحرب حتى من داخل المعسكر المؤّيد له.
ويرى المتحدث أن ضرب المنشآت النووية الإيرانية حقق من المنظور الأمريكي هدف الحرب “بتعطيل أو الإضرار بالمشروع النووي”، قبل أن يأتي الرد الإيراني “المتحكّم فيه” ليؤكد أن طهران بدورها غير معنية بمواجهة مباشرة مع واشنطن.
ولفت ابن الرضي الانتباه إلى التحولات التي طرأت على أداء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال هذه الفترة، والذي تغيّر موقفه باستمرار، من مفاوض لإيران عبر الوسيط ستيف ويتكوف الذي كان يتواصل مباشرة مع وزير خارجيتها عباس عراقجي، إلى داعم للحرب الإسرائيلية، ثم انتقاله إلى وضعية الهجوم على إيران بضرب منشآتها النووية، قبل أن يتموقع كضامن للاتفاق، ثم كمانع لتجدد الحرب، من خلال الترويج لمنعه توجيه إسرائيل ضربة لمواقع إيرانية بعد دخول الاتفاق حيّز التنفيذ، وهو ما شبهه الصحافي المغربي بدور “شرطي المرور”.
بعد 12 يوماً ..
“طهران قبلت بوقف إطلاق النار لتفادي الهزيمة، ولحماية ما تبقى من مواردها العسكرية والنووية في انتظار جولة أخرى قادمة”. هكذا يرى الصحافي المغربي مصطفى ابن الرضي قرار الطرفين وقف الحرب، مشيراً إلى أنه بالمقابل طلبت إسرائيل وقفها “حتى لا تتورّط في حرب استنزاف ظهر خلالها أن إيران قادرة على الإيذاء، وفرض حصار جوي على إسرائيل، مثلما فقدت هي السيطرة على أجوائها”.
أما الكاتبة الإيرانية فاطمة الصياحي فترى أن وقف إطلاق النار الحالي جاء نتيجة “صبر الشعب، وصمود الميدان، والتكتيكات العسكرية الإيرانية، وليس تنازلاً أو استسلاماً”، مشيرة إلى أن طهران “فرضت شروطاً لقبول وقف إطلاق النار بإطلاق صواريخ باليستية في الساعات الأخيرة من الاشتباكات، منها وقف الهجمات الإسرائيلية”.
“كما أن الشعب الإيراني أظهر مستوى جديداً من الوحدة والتضامن في الأزمات”، تضيف المتحدثة ذاتها. وتقول بخصوص الملف النووي: “بعدما جرّبت أمريكا كل السبل الممكنة ولم تجد سوى التفاوض، فإنها ستواجه إيران القوية”، متوقعة موافقتها على نسبة التخصيب التي تطالب بها طهران.
ودخل اتفاق وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل يومه الثاني بعد حرب استمرت 12 يوماً، وسط دعوات دولية إلى العودة للمفاوضات والتوصل إلى تسوية دائمة تحول دون تجدد الصراع.
ويأتي ذلك في وقت أفادت فيه شبكة “إن بي سي” الأمريكية عن اطلاع أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي على تقييم استخباراتي سري أولي لهجمات واشنطن على إيران. وقالت إنه كشف أن القصف أخّر برنامج إيران النووي لأشهر لكنه لم يعطله.