story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

خيرونا الظاهرة

ص ص

قبل حوالي عشر سنوات من اليوم اجتمع مجموعة من المستثمرين الإسبان المنتمين لمدينة خيرونا برئاسة رجل الأعمال رامون فيلارو وقرروا شراء 72 في المائة من أسهم النادي المحلي لكرة القدم الذي كان يعيش منذ تأسيسه سنة1921 في الأقسام السفلى بين الصعود من دوري الهواة إلى القسمين الثالث و الثاني ثم النزول مجددا، حتى كاد في فترات كثيرة أن يختفي نهائيا من خريطة الأندية الإسبانية بفعل الأزمات المالية التي كانت تصيبه.

المالكون الجدد أحدثوا قطيعة مع طريقة تسييره القديمة و خططوا لثورة في مستقبل النادي هدفت إلى وضعه ضمن أندية الصفوة في دوري لاليغا و منافسة عمالقة إسبانيا على الألقاب و الأضواء و الانتشار الإعلامي.

انطلق المشروع ببناء مركز حديث للتداريب بضواحي المدينة و تأسيس أكاديمية للفئات الصغرى وإعادة هيكلة النادي إداريا وتقنيا وتوسيع قاعدة المساهمين في ماليته وإعادة بناء ملعب مونتيليفي لتصل طاقته الاستيعابية إلى 13 ألف مقعد.

سنوات قليلة كانت كافية لتظهر فيها نتائج التخطيط لمستقبل النادي، حيث تمكن في موسم2016-2017 من الصعود لأول مرة في تاريخه إلى قسم الكبار في دوري لاليغا بعد أن بيعت 47 في المائة من أسهمه لنادي مانشستر سيتي الانجليزي، ورغم أنه لم يقض به سوى موسم واحد حيث نزل سريعا إلى القسم الثاني إلا أنه عاد إلى الصعود مجددا في الموسم الماضي بفضل عمل تقني كبير لمدرب مغمور إسمه ميغيل ميتشيل الذي استطاع بتشكيلة متجانسة هذا الموسم مقارعة الأندية التقليدية العريقة في إسبانيا وقيادة ترتيب البطولة على مقربة من نهاية مرحلة الذهاب.

خيرونا مدينة صغيرة إذا ما قورنت بجارتها برشلونة أو ڤالينسيا .. لكنها عاصمة إقليم شاسع وغني بالموارد والصناعة والفلاحة والنشاط السياحي من خلال ساحله الشهير كوسطابرافا.

ملعب المدينة صغير جدا يتسع لقرابة 13 ألف متفرج، أضيفت إليها 1000 مقعد بعد صعود النادي للقسم الأول.. الملعب محاط بالمؤسسات الجامعية والمعاهد العليا وبعض الإدارات الكبرى للإقليم، إضافة إلى الكثير من المناطق الخضراء والحدائق ومسالك التنزه.. غالبية جمهور النادي يأتون إلى الملعب راجلين.. رجال ونساء وأطفال وأسر كاملة تفضل ترك سيارتها والمشي قليلا من وسط المدينة إلى المونتيليڤي القريب.

شاهدت الكثير من مباريات خيرونا ودائما ما ألاحظ التنظيم المحكم الذي يحوّل منطقة جامعية إلى فضاء لاستقبال آلاف مشجعي كرة القدم.. عملية قطع الطرق المحيطة بالملعب وضمان سلاسة تدفق الجمهور دون ازدحام وتأمين الدخول إلى المدرجات عبر أجهزة الكشف الإلكتروني، إجراءات تعود عليها مسؤولو المدينة منذ سنوات.. جمهور خيرونا ربما هو “أنظف” ما شاهدته من جماهير الأندية الأخرى.. دائما يشجعون حتى في أحلك الفترات العصيبة التي يمر منها فريقهم.

في المونتيليڤي يستحيل أن تسمع أحدا يسب لاعبا أو مدربا أو حكما أو يتهجم على الفريق المنافس. وعندما ينهزمون “يجمعون الوقفة” صامتين ويتوجهون إلى بيوتهم وحياتهم.. قد تمر في الصباح الموالي لليلة المباراة في المنطقة الجامعية ويمكنك ألا تُصدّق أنه هناك جرت مباراة في كرة القدم تابعها الآلاف في المدرجات والملايين عبر الشاشات.. محيط الملعب نظيف وهدوء مثير لا يكسره سوى صوت الطلبة العابرين نحو كلياتهم و معاهدهم القريبة.

نادي خيرونا يصنع التاريخ حاليا بوجوده في صدارة ترتيب لاليغا مع عمالقة إسبانيا التقليديين ريال مدريد وأتليتيكو مدريد وبرشلونة و أتليتيك بلباو. هي مغامرة قد تنتهي قريبا لأن الأندية الصغيرة ليس لها النفس الطويل لإنهاء الموسم بنفس تألق البداية.. لكن الثابث أن الفريق الكطلاني المغمور قد أصبح اليوم كبيرا من لاشيء وصار مضرب مثل في التخطيط والعمل الاحترافي المنتج الذي ساهم في رواج اقتصادي مبهر لاقليم بكامله.