story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
تكنولوجيا |

خورخي بيلدا.. الإسباني الغامض

ص ص

كأس العالم للسيدات سنة 2023 بأستراليا ونيوزيلندا، كانت محطة زاهية في مسيرة المدرب الاسباني خورخي بيلدا، حيث توج باللقب رفقة منتخب بلاده بعد عروض مبهرة قدمتها لاعباته في جميع المباريات، وأثبت ذلك وجود عمل طويل وشاق قام به خورخي معهن منذ أن تدرجن معه في جميع الفئات السنية للمنتخبات الإسبانية.

في نفس المونديال كان يشارك أيضا المنتخب المغربي تحت قيادة المدرب الفرنسي رينالد بيدروس، حيث لم تمنع المشاركة الأولى للبؤات الأطلس في الحدث الكبير، من تقديم مفاجأة مدوية بمروره إلى الدور الثاني في مجموعة عرفت إقصاء المانشافت الألماني العريق.

خورخي بيلدا بطل العالم مع المنتخب الإسباني، لم يفرح بإنجازه طويلا في بلاده، فأيام قليلة بعد العودة من كأس العالم، تفجرت قضية القبلة التي تورط فيها رئيس الجامعة الإسبانية لكرة القدم السابق لويس روبياليس مع لاعبة المنتخب جيني إيرموسو، فوجد بيلدا نفسه هو الآخر في قلب العاصفة بعد اتهامه بالوقوف في صف رئيسه، مما جر عليه غضب الرأي العام الإسباني ووسائل الإعلام، وتكاثرت عليه الضغوط من كل الجهات، فكانت سببا مباشرا في تخليه عن منصبه في تدريب “لاروخا” النسوي.

أسابيع قليلة بعد اختفائه عن الأنظار، ظهر فجأة في ندوة صحافية بمركز محمد السادس بالمعمورة بجوار فوزي لقجع، والسبب كان تعيينه مدربا للمنتخب المغربي خلفا لرينالد بيدروس.. في محاولة للإستفادة من قيمته كبطل للعالم لإعطاء الإضافة للبؤات الأطلس، والسعي معهن لحصد أول لقب قاري في إفريقيا، حيث الجميع على موعد مع “كان” السيدات بالمغربي الذي سيكون المحك الحقيقي لمعرفة ثمار العمل العميق الذي قام به خورخي بيلدا منذ توليه قيادة زميلات العميدة غزلان الشباك.

خورخي بيلدا الذي كان دائما رجلا غامضا وكتوما بالنسبة لوسائل الإعلام الإسبانية، وُلد في العاصمة مدريد سنة 1981، وكانت حياته المهنية دومًا مرتبطة بحياة والده، رجل كرة القدم الذي شغل منصب المعدّ البدني في أندية برشلونة وأتلتيك بلباو وأتلتيكو مدريد وريال مدريد.

ورغم أن مسيرته كلاعب كرة قدم كانت قصيرة، إلا أنه لعب إلى جانب تشافي هيرنانديز في صغار لاماسيا، ومع إيكر كاسياس في الفئات السنية لريال مدريد، حتى أبعدته الإصابة عن الملاعب وقربته من مقاعد التدريب.

يقول فيلدا في مقابلة مع وكالة “إفي”: “تشافي يكبرني بعام واحد فقط، وكان هو القدوة لنا جميعًا”. ويتابع: “كنت في فريق الناشئين A، وهو في فريق B. حتى في تلك السن كان يلفت الأنظار بطريقة لعبه التي لم تكن مألوفة آنذاك. والآن، أنا أُدرّسه مادة التكتيك في دورة الرخصة الاحترافية (UEFA Pro)، وندخل في نقاشات كروية رائعة. ربما ما يجمع بيننا هو شغفنا المشترك بكرة القدم”.

في أوائل التسعينات، لم يحظَ كثيرون بفرصة عيش تجربة فريق يوهان كرويف من مواقع مميزة مثل خورخي بيلدا، إذ كان جامع كرات خلال تلك الحقبة التي لا تُنسى في ذاكرة مشجعي برشلونة.

يقول: “كان ذلك هو الفريق الذي فاز بأربع بطولات دوري، وبلقب دوري الأبطال الأول، لقب ويمبلي”، قبل أن يتوقف لتقدير إرث المدرب الهولندي ويضيف: “شخصيته وطريقة لعب ذلك الفريق تترك أثرًا لا يُمحى”.

كما تركت فيه أثرًا تجربتاه في رايو فاييكانو وريال مدريد، قبل أن تُجبره إصابة في الركبة على إنهاء مسيرته كلاعب. ومن ثم عاد فيلدا إلى طريق جديد بدراسة علوم الرياضة (INEF) وتأهل كمدرب حتى وصل إلى العمل في الاتحاد الإسباني لكرة القدم.

يقول: “فترة التدريب العملي قضيتها في أتلتيكو مدريد، وكنت قريبًا من لويس أراغونيس وخيسوس باريذيس. وفي الاتحاد، كنت قريبًا من فيسنتي ديل بوسكي. لقد حالفني الحظ أن أكون بقرب مدربين كبار، وتستفيد من كل واحد منهم (…) ثم تصنع أنت سلطتك الخاصة”.

لكن “القدوة” الحقيقية، كما يقول، هو والده: “هو شخص الذي قدّم لي الكثير طوال حياتي، وآمل أن أستمر في مشاركة لحظات كروية وعائلية كثيرة معه”.

ويضيف: “نحاول اليوم أن نتحدث عن كرة القدم بدرجة أقل. خلال سنوات كثيرة، وبما أننا كنا نعمل معًا، كانت كل أحاديثنا عن كرة القدم، وفقدنا كثيرًا من الأشياء. اليوم بدأنا نتحدث عن أمور مختلفة، رغم أننا في النهاية نعود للحديث عن الكرة. عن المنتخب، في الحقيقة، لا نتحدث كثيرًا”.

اشتغل معدًّا بدنيًا للفريق الأول في نادي كانيّاس، ومدربًا لفريق الشباب، ومعدًّا بدنيًا لفريق البراعم الذي كان يدربه حينها فرناندو إيريرو، رئيس النادي، والذي يعرفه جيدًا. يقول إيريرو لموقع Relevo: “خورخي عانى كثيرًا واشتغل طويلا لكي يصل إلى ما وصل إليه”.

منذ صغره، عاش أجواء كرة القدم الاحترافية عن قرب. فوالده، أنخيل فيلدا، كان المعدّ البدني لفريق برشلونة بقيادة يوهان كرويف طيلة سنوات “فريق الأحلام”، كما عمل مع أتلتيكو مدريد بقيادة لويس أراغونيس، وريال مدريد وأتلتيك بلباو مع يوب هاينكس. وبعدها التحق بالاتحاد الإسباني لكرة القدم، حيث درّب منتخب السيدات تحت 19 عامًا. آنذاك، انتهز خورخي الفرصة ليتبع خطى والده وينتقل من نادي كانيّاس إلى مدينة كرة القدم. بدأ كمساعد لوالده، ثم تولى مسؤولية منتخب تحت 17 عامًا.

يقول رئيس كانيّاس: “كلاعب، التقى بسطويتشكوف في الفئات السنية لبرشلونة، وعندما انتقل الأخير إلى سيلطا، تلقى عرضًا للانضمام إليه كمدرب، لكنه لم يُتمّ الصفقة في النهاية”.

ويضيف فرناندو إيريرو، رئيس نادي كانيّاس، بفخر: “في النهاية، انتقل إلى فئات السيدات في الاتحاد الإسباني برفقة والده، تمامًا كما فعل بيدرو لوبيز، الذي يدرب الآن منتخب المكسيك للسيدات. ذهبا معًا. بالنسبة لنا، إنه مصدر فخر. لقد تخرج من نادينا مدربين كبيرين”.

قبل أن يتولى منصب مدرب المنتخب الأول للسيدات بعد رحيل إغناسيو كيريدا في 2015، خلف خورخي والده في تدريب منتخب تحت 19 عامًا، حيث مكث لبضعة أشهر فقط. وكان قد فاز سابقًا بلقبين في بطولة أوروبا، وبرونزية في كأس العالم، وبرونزية أوروبية، ووصافة في كأس العالم مع منتخب تحت 17 عامًا. وكان قد خسر النهائي ضد اليابان.

في مهنته يحب خورخي أن يكون كل شيء تحت مراقبته، ويحرص على الحفاظ على مسافة دائمة بينه وبين لاعباته، وهو ما يطلبه أيضًا من طاقمه المساعد. يقول عنه سيرخيو غوميز الصحافي في موقع ريفيلو: “رغم أنه كان يشارك في التدريبات مع اللاعبات في بداياته مع منتخب تحت 17 عامًا، فإنه نادرًا ما يبدي انشراحه خلال الحصص التدريبية التي كان يقودها مع المنتخب الأول”.

ويضيف غوميز: “إنه منضبط جدًا ومستقيم. ولا يتمتع بعلاقة قريبة مع اللاعبات. في الميدان، هو رجل جاد ومركّز على عمله”.

مع المنتخب الإسباني كان لا يحب الحديث كثيرًا، ويحب أن يشرف بنفسه على كل شيء. وربما يكون هذا أحد أسباب التباعد الذي كان حاصلا له مع اللاعبات، اللواتي شعرن أن هذا التحكم الزائد كان سلطويا. كان يهتم كثيرًا بالصورة التي يظهر بها الفريق، ويحلل كل الصور والمنشورات التي كانت تنشرها الصحافة عن المنتخب.

خورخي فيلدا أب لطفلين، ودائما ما كان يحاول الحفاظ على التوازن بين عمله كمدرب، وبين حياته العائلية. سنة 2021، لعب المنتخب الإسباني مباراة ودية ضد أستراليا في 25 يونيو على ملعب نويفو كولومبينو استعدادًا لليورو. وصادف ذلك موعد عملية جراحية لابنه بسبب التهاب اللوزتين. ورغم أنه بدا مركزًا أثناء المباراة، عاد سريعًا إلى مدريد لمتابعة حالة ابنه. يقول إيريرو: “هو شخص عائلي جدًا، لكنني أتخيل الآن، ومع كثرة السفر والغياب عن المنزل، أنه من الصعب التوفيق بين الأمرين، خاصة مع طفلين صغيرين”.

صحيفة ماركا سألت رفيق دربه فرناندو إيريرو إن كان خورخي بيلدا قد حلم يومًا بما يعيشه حاليًا، فأجاب: “لا أعلم إن كان يطمح لأن يصبح مدربًا وطنيًا. لكنني أعتقد أنه حين درس التربية البدنية واختار طريق كرة القدم، كان واضحًا أنه يريد أن يعمل في هذا المجال. أعتقد أنه عرف كيف يُحيط نفسه بأشخاص أكفاء حتى يصل إلى ما هو عليه اليوم”.

عاش خورخي بيلدا مع المنتخب الإسباني ظروفا مختلفة حتى التناقض. فرغم أنه قاده إلى الفوز على مدار ثماني سنوات، إلى ثلاث بطولات كبرى: بطولة أمم أوروبا 2017، ثم كأس العالم 2019، وأخيرًا الإنجاز الأكبر في تاريخه، كأس العالم 2023.

إلا أن ذلك المجد لم يكن خاليًا من العواصف. ففي عام 2022، فجّرت خمس عشرة من لاعباته أزمة مدوّية، حين رفضن الانضمام إلى المنتخب بسبب ما وصفنه ببيئة عمل “غير صحية” واختلافات مع الناخب الوطني. وهي الأزمة التي كشفت عن تصدعات عميقة داخل الفريق، وألقت بظلالها على شرعية فيلدا كقائد، غير أن الاتحاد الإسباني قرر الوقوف إلى جانبه وتجديد الثقة فيه. وهكذا أعاد فيلدا بناء المجموعة، ونجح في قيادة فريق شاب نحو القمة في ظرف وجيز.