خبير: مركز صيانة الطائرات ببنسليمان تحوّل استراتيجي يرسّخ السيادة الدفاعية

اعتبر خبير الشؤون السياسية والعلاقات الدولية هشام معتضد أن تدشين المغرب لمركز صيانة متطور لطائرات C-130 وF-16 بمدينة بنسليمان، يشكل نقلة نوعية في مسار التمكين الصناعي والسيادي للمملكة في واحد من أكثر القطاعات حساسية في منظومات الردع الحديثة، وهو قطاع الصيانة الثقيلة والطيران القتالي.
وأوضح معتضد، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن هذا المشروع يجعل المغرب في مصاف الدول القادرة على صيانة وإطالة عمر مقاتلاتها الاستراتيجية دون اعتماد كلي على الدعم الخارجي، معتبراً أنه مكسب ميداني وسيادي بالغ الأهمية، لا يمكن اختزاله في كونه مجرد إنجاز تقني أو صناعي، بل يمثل تحولًا استراتيجيًا في فلسفة الدفاع الوطني.
وأضاف الخبير أن “في لغة الدفاع، من يمتلك قدرة الصيانة يمتلك نصف القدرة القتالية”، مبرزًا أن المشروع ليس مجرد بنية تحتية بل “بناء لعصب الصمود اللوجستي للقوات الجوية الملكية”، إذ أن التحكم في دورة حياة الطائرة، من الصيانة إلى التحديث، يمنح المغرب قدرة أكبر على الجاهزية العملياتية والاستجابة التكتيكية لأي تهديد محتمل.
وأشار المتحدث إلى أن انخراط شركات أمريكية كبرى مثل لوكهيد مارتن في هذا المشروع يعكس إدراك واشنطن لكون المغرب أصبح منصة استراتيجية موثوقة في شمال إفريقيا، مبرزًا أن هذا التوجه ينسجم مع عقيدة “التمكين الإقليمي للشركاء” التي تتبناها الولايات المتحدة منذ تراجع انتشارها الميداني المباشر، عبر دعم حلفاء مستقرين قادرين على لعب أدوار أمنية إقليمية فاعلة.
كما شدد على أن البعد الصناعي للمشروع يحمل أبعادًا جيوسياسية واضحة، إذ يدخل المغرب سباق الصناعات الدفاعية في القارة الإفريقية من بوابة الصيانة الجوية، “وهو ما يفتح أمامه الطريق نحو التجميع ثم التصنيع التدريجي، على غرار التجربتين الكورية الجنوبية والتركية”.
وأكد معتضد أن هذا المشروع يعكس أيضًا فهمًا مغربيًا دقيقًا لتوازنات القوى الإقليمية، فبينما تعتمد دول الجوار على عقود صيانة خارجية مكلفة ومقيدة بالاعتبارات السياسية، يختار المغرب نهج “التوازن السيادي” الذي يجمع بين الانفتاح على التكنولوجيا الغربية والاحتفاظ بحرية القرار الدفاعي الوطني.
وفي قراءة تقنية، أوضح أن اختيار طرازَي F-16 وC-130 لم يكن اعتباطيًا، لأنهما يشكلان العمود الفقري لأساطيل النقل والهجوم الجوي لدى الحلفاء الغربيين، مما يجعل من مركز بنسليمان مزوّدًا محتملاً للخدمات الدفاعية لدول غرب إفريقيا ومنطقة الساحل، ويعزز مكانة المغرب كـمركز محوري في خريطة الأمن الإفريقي الأطلسي.
واعتبر الخبير أن امتلاك المغرب لقدرات تحديث F-16 إلى معيار Viper يمثل رسالة ردعية واضحة في ظل سباق التسلح الإقليمي غير المعلن، مشددًا على أن “الردع المغربي لا يقوم فقط على عدد الطائرات، بل على عمق المنظومة التقنية التي تدعمها”.
واختتم معتضد بالقول إن المشروع يعكس رؤية استراتيجية متكاملة تربط الأمن القومي بالتنمية الصناعية، من خلال شراكة بين القطاعين العام والخاص تضم صندوق الإيداع والتدبير، وسابينا إنجنيرينغ، ولوكهيد مارتن، معتبرًا أن “مركز بنسليمان ليس ورشة تقنية فحسب، بل لبنة أولى نحو استقلالية استراتيجية مغربية في الجو، تجعل من المملكة شريكًا لا تابعًا في المعادلة الأمنية الإقليمية”.
وفي السياق، أطلق المغرب مشروعًا جديدًا لتعزيز سيادته الصناعية والدفاعية من خلال وضع حجر الأساس لمركز صيانة ثقيلة للطائرات العسكرية من طراز C-130 هيركوليس وF-16 بمدينة بنسليمان، في خطوة تهدف لتطوير القدرات الوطنية في مجال الصيانة الجوية.
ويُعد المشروع ثمرة شراكة بين القطاعين العام والخاص، إذ ستتولى شركة مينتنانس أيرو ماروك (Maintenance Aéro Maroc – MAM)، التابعة لمجموعة سابينا إنجنيرينغ (Sabena Engineering)، تشغيل المركز، بدعم من شركاء رئيسيين هم لوكهيد مارتن (Lockheed Martin) الأمريكية، وميدز (MEDZ) التابعة لمجموعة صندوق الإيداع والتدبير (CDG)، وماروك أيرونوتيك آسيتس (Maroc Aeronautic Assets – MAA) التي ستكون مالكة للبنية التحتية.
ويمتد المركز الجديد على مساحة تفوق 8.000 متر مربع داخل المنصة الجوية لبنسليمان، وقد صُمم وفق أعلى المعايير الدولية في مجال الصيانة الجوية، وسيُمكّن من تنفيذ عمليات الصيانة الثقيلة (PDM – Programmed Depot Maintenance) لطائرات النقل C-130 والطائرات المقاتلة F-16، مع إمكانية استقبال ثلاث طائرات C-130 في وقت واحد، بحسب ما أفادت به شركة لوكهيد مارتن.
وسيتيح المركز إنجاز ما بين زيارتين إلى أربع زيارات صيانة سنويًا، حسب حجم الأعمال المطلوبة لكل طائرة، مع استعداد البنية التحتية لاستقبال عدة طائرات F-16 عند الحاجة، كما تم تصميم المرفق لاحتضان برامج تحديث مستقبلية، منها مشروع ترقية طائرات F-16 بلوك 52 المغربية إلى المعيار فايفر (Viper)، وفق ما أكده ممثلو “لوكهيد مارتن”، الذين أوضحوا أن ذلك سيتم بالتنسيق مع السلطات الوطنية المختصة.