خبير: ضعف الوعي الرقمي يفتح الباب أمام برمجيات التجسس في المغرب

حذّر تقرير سيبراني أصدرته شركة “Cleafy” المتخصصة في استخبارات التهديدات على الإنترنت، من أن “المغرب أصبح أكبر بؤرة للاختراقات في إفريقيا ضمن حملة قرصنة واسعة تستهدف الأجهزة العاملة بنظام أندرويد”، وهو ما يتعزز بشكل أكبر في ظل ضعف الوعي الرقمي، حسبما يرى خبراء.
وأوضح التقرير أن “الحملة، التي يقودها أشخاص ناطقون بالصينية، باستخدام برنامج للتجسس يُعرف باسم ‘PlayPraetor’ والتي بدأت قبل أشهر، نجحت في إصابة أكثر من 11 ألف جهاز أندرويد في أقل من ثلاثة أشهر، عبر انتحال صفحات شرعية على متجر’غوغل بلاي’ لخداع المستخدمين وتنزيل تطبيقات خبيثة”.
ووفق معطيات التقرير، تمثل أوروبا الوجهة الرئيسية للهجوم بنسبة 58 بالمائة من إجمالي الإصابات، لكن القارة الإفريقية لم تكن بمنأى عن الاستهداف، حيث تشكل نسبة 22 بالمائة من الضحايا العالميين، مع بروز المغرب كـ”النقطة الأكثر تضررا” في القارة.
وأشار التقرير إلى أن “توزيع الإصابات في إفريقيا يبدو متفرقا جغرافيا، غير أن المغرب يُعد استثناء واضحا، إذ تُظهر بيانات عناوين “IP” أنه يمثل البؤرة الأكثر نشاطًا للحملة في المنطقة، مقارنة بدول إفريقية أخرى لم تسجل سوى نشاط محدود”.
وفي تعليقه حول معطيات التقرير، قال الأستاذ الجامعي والخبير في البرمجيات بالمدرسة الوطنية للعلوم التطبيقية بمراكش، أنس أبو الكلام، إن “هذا الوضع يرجع إلى مجموعة من العوامل، أبرزها الانتشار الواسع للهواتف الذكية، وارتفاع الاعتماد على الخدمات المصرفية الرقمية، وتزايد استخدام المحافظ الإلكترونية وتطبيقات الدفع عبر الهاتف”.
لكن السبب الأعمق وفق أبو الكلام، “ليس فقط في وجود هذه التقنيات، بل في غياب ثقافة رقمية راسخة لدى جزء مهم من المستخدمين، إذ أن كثيرا من المواطنين المغاربة يحمّلون تطبيقات دون التحقق من مصدرها، أو يمنحون صلاحيات واسعة لبرامج لا يعرفون وظيفتها الحقيقية، كما أن الثقة المفرطة في المتاجر و المنصات الإلكترونية تجعلهم أكثر عرضة للوقوع في الفخ”.
وأضاف الخبير أن “بعض المستخدمين يعطّلون أحياناً خصائص الأمان في هواتفهم لتحميل تطبيقات غير آمنة، أو يلجؤون إلى تثبيت برامج خارج المتجر الرسمي لـ “غوغل بلاي”، مشيراً كذلك إلى “انتشار تطبيقات غير موثوقة لمشاهدة الأفلام والمباريات، والتي غالباً ما تنتهك حقوق النشر”.
ولفت أبو الكلام إلى “وجود خوادم غير مؤمنة في المغرب، إلى جانب الاستخدام المكثف لمواقع التواصل الاجتماعي دون الالتزام بضوابط التصفح والتحميل الآمن”، مبرزاً أن “المقرصنين، مهما كان مستواهم التقني، يجدون بيئة سهلة لانتشار البرمجيات الضارة، في وقت باتت فيه فئة من المهاجمين أكثر احترافية في تقليد واجهات التطبيقات الشهيرة”.
وتابع أن “هؤلاء يعتمدون أحياناً على تقنيات الذكاء الاصطناعي في الترجمة الدقيقة لواجهات البرامج أو التكيّف مع بيئة الجهاز المستهدف، ما يجعل البرمجية الخبيثة قادرة على التمويه وتجاوز برامج الحماية”.
وأكد الخبير أن “هذه القدرات التقنية تمثل خطراً إضافياً، لكنها لا تشكّل جوهر المشكلة بقدر ما تعكس هشاشة الوعي الأمني لدى المستخدم”، مشيراً إلى أن “برمجية ‘PlayPraetor’ قادرة على تنفيذ عمليات احتيال مباشرة من داخل الجهاز، تستهدف أكثر من 200 تطبيق مصرفي ومحافظ عملات رقمية حول العالم، بما في ذلك التطبيقات المنتشرة على نطاق واسع في المغرب”.
وفي غضون ذلك، حذّر أبو الكلام من أن “استمرار ضعف الثقافة الرقمية في البلاد، مع تسجيل أكثر من 2000 إصابة جديدة أسبوعياً على المستوى العالمي، قد يضاعف الخسائر المالية والأضرار المعنوية للمواطنين والمؤسسات”.
ودعا إلى إطلاق حملات وطنية شاملة لتعزيز الوعي الرقمي، تشمل تدريب المستخدمين على ممارسات الأمن السيبراني السليمة، بدءاً من اختيار كلمات مرور قوية، مروراً بالتحقق من هوية التطبيقات قبل تنزيلها، وصولاً إلى فهم أهمية التحديثات الأمنية.
وشدّد أبو الكلام على ضرورة أن تستثمر المؤسسات المالية والشركات العاملة في المجال الرقمي في أنظمة حماية متطورة، وتطوير آليات لكشف محاولات الاحتيال حتى عندما تتم من داخل الجهاز نفسه، مضيفاً أنه يتعين على الدولة إنشاء منصات رسمية لرصد البرمجيات الخبيثة وتوجيه تنبيهات آنية للمستخدمين، وتعزيز التعاون الدولي مع المراكز المتخصصة في الاستجابة للحوادث السيبرانية.