خبير: أعطاب نور 3 مسؤولية مشتركة.. وأكبر محطة في العالم بتقنية مماثلة ستغلق – حوار

كشفت الشركة السعودية “أكوا باور”، المطوّرة لمشروع نور 3، مؤخرا عن بلوغ خسائرها، الناجمة عن توقف المحطة لمدة تقارب السنة، إلى أكثر من 51 مليون دولار، وذلك بعد التوقف المطول الذي عرفته المحطة الشمسية نتيجة حدوث تسرب في “خزان الأملاح المنصهرة الساخنة” منذ مارس من العام الماضي.
ونتيجة لهذا التسرب اضطرت الشركة إلى مباشرة أعمال صيانة التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، في وقت كانت قد حددت سابقًا موعد استئناف التشغيل في نونبر الماضي، قبل أن تمدد التاريخ إلى نهاية الربع الأول من السنة الجارية.
وينضاف هذا الانقطاع إلى انقطاعات أخرى عرفتها محطات نور ورزازات وهو ما طرح تسائلات عديدة حول تداعيات هذا التوقف، وكذا سبب الإصرار على اعتماد تقنية الطاقة الشمسية المركزة (CSP)، والتي أثبتت عدم نجاعتها في أكثر من مناسبة بسبب الأعطال المتكررة والباهضة، خاصة في في ظل وجود بدائل أخرى أكثر استقرارًا وأقل تكلفة.
صحيفة “صوت المغرب” نقلت هذه التساؤلات إلى سعيد كمرة، الخبير المستشار في تدبير الطاقة، والذي نفى أن يكون لهذا التوقف أي تداعيات على المنظومة الطاقية في المغرب، مبرزا في المقابل قصور تقنية الطاقة الشمسية المركزة (CSP) خاصة أن محطة “إيفانباه” الأمريكية، أكبر محطة تعتمد هذه التقنية في العالم، سيتم إغلاقها في عام 2026 بسبب ضعف الجدوى الاقتصادية وتكرار الأعطال.
وفي الآتي نص الحوار كاملا:
- بداية، ما هي تداعيات هذا التوقف الطويل لمحطة نور 3 على الشبكة الكهربائية الوطنية؟
خلال الأسابيع الأخيرة، ظهرت العديد من الادعاءات السلبية بشأن هذا الموضوع، والتي تدعي أن توقف محطة نور 3 يعد كارثة، وله تداعيات سلبية على مستوى الاستثمار في الطاقات المتجددة، بل وحتى على مشاريع الهيدروجين. ولكن في الحقيقة الأرقام تتحدث عن نفسها، فمحطة نور 3 تمتلك قدرة إنتاجية تبلغ 150 ميغاواط، في حين أن القدرة الإجمالية المركبة على المستوى الوطني تبلغ حوالي 12,000 ميغاواط، أي ما يمثل 1.25% فقط، وهو رقم ضئيل مقارنة بالقدرة الإجمالية لمنظومتنا الكهربائية.
عند انقطاع الغاز الجزائري، فقدنا إنتاج الكهرباء من محطتين تعملان بالغاز، واللتين كانتا تمثلان في ذلك الوقت أكثر من 800 ميغاواط، أي حوالي 11.5% من القدرة المركبة حينها. ومع ذلك، نعلم أن تزويد البلاد بالكهرباء استمر دون أي صعوبة، بفضل المرونة العالية لشبكتنا الكهربائية والكفاءة الكبيرة التي أظهرها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب.
لقد واجهنا أزمات أصعب من هذه، وبالتالي فإن توقف محطة نور 3 ليس له أي تأثير على الشبكة الوطنية، ولا على مشاريع الهيدروجين، خاصة أن هذه الأخيرة تعتمد على مصادرها الخاصة من الطاقات المتجددة.
وبالتالي فهذا التوقف لا يؤثر بأي شكل من الأشكال على الانتقال الطاقي في بلادنا، والأرقام واضحة في ذلك.
- هل سيؤدي هذا الخلل إلى زيادة استهلاك مصادر طاقة أخرى، مثل الفحم أو الغاز الطبيعي، لتعويض العجز في الإنتاج؟
كان من الممكن أن يزداد استهلاك الفحم أو الغاز الطبيعي، لولا أن سنة 2024 شهدت تشغيل مشاريع الرياح في “جبل الحديد” بقدرة 270 ميغاواط، و”الكودية البيضاء” بقدرة 100 ميغاواط. وبالتالي، شهدنا زيادة قدرها 370 ميغاواط مع عامل تحميل ممتاز، مقابل توقف 150 ميغاواط (الخاصة بنور 3) بعامل تحميل متوسط.
عامل تحميل: مقياس مدى كفاءة تشغيل محطة توليد الكهرباء مقارنة بقدرتها القصوى.
والنتيجة هي أنه أصبح لدينا فائض في الطاقات المتجددة. ففي عام 2024، تشير بعض الأرقام إلى انخفاض استهلاك الفحم من 64% إلى 60%، فيما انتقلت نسبة الطاقات المتجددة في مزيجنا الكهربائي من 21.7% إلى 24%، وهو تقدم بنسبة 2.3% لم يكن يتحقق بسهولة في الماضي.
مرة أخرى، يتضح أن استهلاكنا للفحم لم يزد، بل على العكس، وأن مزيجنا الكهربائي لم يتأثر. وهذا يثبت أن الشائعات حول خطورة توقف محطة نور 3 لا أساس لها من الصحة.
- بالنظر إلى الحوادث المتكررة، كيف يمكن تقييم تكنولوجيا الطاقة الشمسية المركزة (CSP)؟ وما هو مستقبلها في المزيج الطاقي الوطني؟
يمكن تحليل مسألة الطاقة الشمسية المركزة (CSP) من زوايا متعددة. في عام 2010، حدد المغرب هدفًا بإنشاء 2000 ميغاواط من الطاقة الشمسية، و2000 ميغاواط من طاقة الرياح، و2000 ميغاواط من الطاقة الكهرومائية بحلول عام 2020. كان هناك نوع من الالتزام في إطار الخطة الشمسية لتحقيق هذا الهدف البالغ 2000 ميغاواط من الطاقة الشمسية.
في ذلك الوقت، كانت تكلفة إنتاج الطاقة الشمسية تبلغ 3.78 درهم/كيلواط.ساعة، بينما كانت تكلفة التركيب تصل إلى 40,730 درهم/كيلواط. وكما هو معلوم، فقد كانت تكلفة إنتاج كيلو واط واحد من الكهرباء في الساعة في محطة نور 1 تصل إلى حوالي 1.62 درهما، في حين أن المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب (ONEE) لم يكن يستطيع تحمل تكلفة تتجاوز 0.85 درهم/ك.و.س، مما استوجب تقديم دعم مالي بقيمة 0.77 درهم/ك.و.س، وهو دعم كان أقل بالنسبة للمحطات الثلاث الأخرى، ولكنه مع ذلك بلغ 800 مليون درهم سنويًا وفقًا لتقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي (CESE).
في المقابل، كانت تكلفة إنشاء مشاريع طاقة الرياح في ذلك الوقت تتراوح بين 1.4 و1.6 مليون دولار لكل ميغاواط. ولو تم اختيار طاقة الرياح بدلًا من مشروع نور بالكامل، فإن 2.4 مليار دولار التي كلفها المشروع كانت ستسمح بإنتاج 6.3 تيراواط/ساعة من الطاقات المتجددة عبر الرياح، مقارنة بـ 2.15 تيراواط/ساعة فقط عبر الطاقة الشمسية المركزة (CSP)، أي ثلاثة أضعاف، بفارق 4.15 تيراواط/ساعة سنويًا.
إذا أخذنا في الاعتبار أن التكلفة المتوسطة للطاقة تبلغ 1 درهم لكل كيلواط ساعة، فإن هذا الفارق يمثل 4.15 مليار درهم سنويًا، كقيمة إضافية كان يمكن تحقيقها بين الخيارين. في رأيي، كان الخطأ في الإصرار على تنفيذ الخطة الشمسية بأي ثمن، بينما كان من الممكن اختيار خيار أكثر ربحية بشكل واضح، وهو طاقة الرياح.
لو تم اعتماد طاقة الرياح بدلًا من الطاقة الشمسية المركزة، لكان إنتاج المغرب من الطاقات المتجددة قد بلغ 13 تيراواط/ساعة بدلًا من 9 تيراواط/ساعة المسجلة في عام 2023، أي بزيادة قدرها 44%.
لذلك، لا أعتقد أن مستقبل الطاقة الشمسية المركزة سيكون واعدًا في المغرب، والدليل على ذلك أن أكبر محطة للطاقة الشمسية المركزة في العالم، وهي محطة “إيفانباه” (Ivanpah) الأمريكية، سيتم إغلاقها في عام 2026 بسبب ضعف الجدوى الاقتصادية وتكرار الأعطال.
وبالنظر إلى آفاق 2050، يجب على المغرب أن يعتمد على التقنيات التي أثبتت فعاليتها، وخاصة الطاقة الشمسية الكهروضوئية وطاقة الرياح، إلى جانب الغاز الطبيعي الذي يُعتبر مصدر طاقة انتقالي، لكنه يظل غير مستقر من حيث التكلفة.
- من يتحمل المسؤولية في اختيار هذه التكنولوجيا المعتمدة بمحطة نور 3؟
لا أعتقد أنه يمكن تعيين شخص واحد باعتباره المسؤول عن مشاكل هذا المشروع، فالمسؤولية موزعة بين الحكومة في ذلك الوقت، والجهات المانحة التي نظريًا لا تمول إلا المشاريع الجيدة والمربحة، لكنهم خرجوا عن القاعدة هذه المرة.
الخطأ الكبير للحكومة في ذلك الوقت كان قبول مشروع شديد المخاطرة من الناحية التكنولوجية، وقد أثبتت الأعطال المتكررة ذلك. الحكومة آنذاك قبلت تحمل العجز المالي للمحطة، في حين كان من الممكن اللجوء إلى طاقة الرياح، ولم يكن هناك أي حاجة للالتزام بتنفيذ برنامج شمسي يعاني من عجز كبير.
ومن باب الإنصاف، لا يمكن تحميل الوكالة المغربية للطاقة المستدامة (Masen) المسؤولية، فقد كانت في ذلك الوقت مجرد وكالة تنفيذ، حيث أن تقنية الطاقة الشمسية المركزة (CSP) كانت قيد الإعداد قبل ذلك بوقت طويل، من خلال المحطة الصغيرة التي تستخدم ذات التقنية CSP بسعة 20 ميغاواط في عين بني مطهر، والتي كانت بمثابة مقدمة لمشروع أكبر بكثير.
بالإضافة إلى هذا فالبنك الدولي “أثبت” جدوى مشروع CSP وفقًا لمعاييره الخاصة، وكان يعمل، حسب المصدر ذاته، مع مازن على مشروع أكبر بكثير بقدرة 500 ميغاواط في ورزازات.
بوضوح، المسؤولية عن هذا المشروع موزعة بين عدة جهات معروفة.
- ما هي، برأيكم، التقنيات التي ينبغي على المغرب الاستثمار فيها بشكل أولوي لتسريع الانتقال الطاقي، خاصة في مواجهة الانتقادات الأخيرة الموجهة في هذا الصدد؟
لا أعتقد أن المغرب يمكنه تبني تقنية الطاقة الشمسية المركزة (CSP) مرة أخرى ضمن مزيجه الكهربائي. كما أنه ليس من دور المغرب الاستثمار في تحسين تكنولوجيا ليس هو من طورها. الأمر أشبه بأن تشتري سيارة بالتقسيط بها عيب في التصنيع، ثم تجد نفسك غير قادر على إعادتها أو بيعها، وبالتالي عليك التعامل معها حتى نهاية العقد.
يجب أيضًا الابتعاد عن مشاريع إنتاج الكهرباء المتجددة التي تكون مبتكرة جدًا وتنطوي على مخاطر عالية، مثل طاقة الرياح التي يتم تركيبها بحرية، حيث إن تكلفة الاستثمار فيها تتجاوز الضعف مقارنة بطاقة الرياح البرية. في المقابل، لدينا مواقع ممتازة ومربحة جدًا لطاقة الرياح والطاقة الشمسية الفوتوفولطية، وهو ما يبرر مشاريع الهيدروجين التي يخطط لها المغرب.
الانتقال الكهربائي هو منظومة متكاملة تجمع بين معدات إنتاج موثوقة، تخزين الطاقة، والربط الكهربائي مع الدول المجاورة.
وفقًا لرؤية الحياد الكربوني بحلول 2050، حين ستتراوح الحاجة الكهربائية للمغرب بين 100 و120 تيراواط/ساعة سنويًا، لا يمكن أن تتجاوز الطاقات المتجددة المتقطعة (الشمس والرياح) 50%، مع خيار 10 إلى 15% للإنتاج الذاتي (للأفراد أو الشركات)، وهو ما يعرف بـ “نظرية السقف الزجاجي”. أما الباقي فيجب أن يتكون من طاقات متجددة ومنخفضة الكربون وغير متقطعة، مثل الطاقة النووية، الهيدروجين، والكتلة الحيوية.
يجب أن تتكون هذه المنظومة من تقنيات أثبتت فعاليتها، مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية الفوتوفولطية، واللتين يمكنهما تشكيل 50% من حصة الطاقات المتجددة المتقطعة.
ولا أتفق مع الخيار الذي يدعو إلى الاعتماد على 80% أو 90% من الطاقات المتجددة المتقطعة مع التخزين في البطاريات، لأن ذلك ينطوي على مخاطر كبيرة بسبب التكلفة العالية للبطاريات ومدى قدرتها على التخزين. فنحن هنا، لا نتحدث عن تزويد منزل واحد بالكهرباء عبر البطاريات، بل عن توفير الكهرباء لدولة بأكملها، خصوصا أن هذه الأخيرة في طور تطوير قطاعاتها المختلفة: الصناعة، السياحة، المدن الجديدة، ولذلك لا بد من مصدر كهرباء أساسي خالٍ من الكربون.