story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
مجتمع |

خبير: أزمة الماء لم تعد ظرفاً بيئياً بل قضية وجودية تهدد الأمن المعيشي للمغاربة

ص ص

تشهد بلادنا هذه السنة تأخراً مقلقاً في هطول الأمطار، وهو الأمر الذي قد يعمق من حجم الأزمة المائية التي باتت تتفاقم عاماً بعد آخر بفعل توالي موجات الجفاف من جهة وسوء تدبير الموارد المائية السطحية والجوفية من جهة أخرى، بحيث يرى عدد من الخبراء أن هذه الأزمة “لم تعد مجرّد ظاهرة طبيعية موسمية، بل تحوّلت إلى تحدٍ وطني يهدّد الأمن المائي والاقتصادي والاجتماعي للمغاربة”.

وفي هذا الصدد، قال مصطفى بنرامل، الخبير المائي ورئيس جمعية المنارات الإيكولوجية من أجل التنمية والمناخ، إن الوضعية المائية الراهنة غير مسبوقة، “إذ باتت تمسّ بشكل مباشر مختلف جوانب الحياة اليومية للمواطنين”، سواء من حيث القدرة على التزوّد بالماء الصالح للشرب، أو من خلال تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المتراكمة.

وأوضح بنرامل، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن القطاع الفلاحي كان أول المتضررين من ندرة المياه، ما انعكس سلباً على المردودية والإنتاج المحلي، وتسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية، خاصة الخضر والفواكه والحبوب.

وأشار المتحدث كذلك، إلى المعاناة التي يعانيها مربو الماشية بسبب نقص المراعي وغلاء الأعلاف، “وهو ما أدى إلى تراجع حاد في أنشطتهم وخلق اختلالاً في التوازن بين العرض والطلب في الأسواق”، مبرزا أن “إلغاء شعيرة عيد الأضحى هذه السنة كان من أبرز مظاهر هذا التأثير”.

وأضاف الخبير المائي أن الجانب الاجتماعي والنفسي بدوره لم يسلم من تداعيات الأزمة، إذ بدأت ملامح قلق جماعي تظهر لدى المواطنين الذين يعيشون تحت وطأة انعدام اليقين بشأن المستقبل المائي، في ظل توقعات بسنوات أكثر جفافاً قادمة، معتبرا أن “ندرة الماء تحوّلت من قضية بيئية إلى قضية وجودية وتنموية تمس الأمن المعيشي والاجتماعي للمغاربة”.

وتابع أن تراجع منسوب السدود وتدهور الفرشات المائية وانكماش الغطاء النباتي أصبحت مؤشرات مقلقة للغاية، تستدعي تسريع وتيرة التدابير الاستراتيجية، خاصة في مجالات تحلية مياه البحر، وإعادة استعمال المياه العادمة، وتشجيع الزراعات المستدامة، إلى جانب نشر ثقافة الاقتصاد في الماء عبر التربية والتحسيس.

وأكد بنرامل أن أزمة الماء ليست معطى ظرفياً أو موسمياً، بل جرس إنذار حقيقي يفرض على الدولة والمجتمع المدني والمواطنين إعادة التفكير في نموذج تدبير بيئي جديد يقوم على الاستدامة والعدالة المائية، حمايةً للحياة وضماناً لمستقبل الأجيال القادمة.

وخلص المتحدث إلى أن “الوضع أصبح معقداً في العديد من المناطق، حيث بات الحصول على مياه الشرب أو استعمالها في الضروريات اليومية تحدياً حقيقياً”، مما يدفع المواطنين إلى التكيف مع انقطاعات متكررة في التزويد بالماء، وتبنّي سلوكيات جديدة تروم الاقتصاد في الاستهلاك، رغم ما يرافق ذلك من صعوبات معيشية وضغوط نفسية متزايدة، خصوصاً لدى الأسر القروية والجبلية التي تعتمد كلياً على الأمطار والعيون الطبيعية.

وكان المعهد المغربي لتحليل السياسات قد أفاد في تقرير له، شهر مارس الماضي، بأن “المغرب يواجه تحديات بيئية متزايدة، يأتي على رأسها ندرة المياه، التي تفاقمت بفعل تغير المناخ والاستغلال المفرط للموارد المائية”، موردا أن “المناطق التي تعتمد على أنظمة الري التقليدية، مثل الخطارات، تواجه انخفاضًا حادًا في إمدادات المياه، وهو ما يهدد الزراعة وسبل عيش السكان”.

وأشار التقرير إلى أن تغير المناخ يلعب دورًا رئيسيًا في تفاقم أزمة المياه بالمغرب، حيث يؤدي إلى فترات جفاف أكثر تواترًا وشدة، إلى جانب ارتفاع درجات الحرارة والتغيرات غير المنتظمة في أنماط الطقس، ما يزيد الضغط على الموارد المائية، خاصة في المناطق الريفية.

كما حذّرت الوثيقة ذاتها من أن تدهور الأراضي يشكل تهديدًا إضافيًا، إذ تسهم الممارسات الزراعية غير المستدامة والرعي الجائر في تفاقم تآكل التربة وفقدان الغطاء النباتي، مما يسرّع وتيرة التصحر، لا سيما في المناطق الجبلية والواحات.

وتابع المصدر ذاته أن التلوث، خاصة تلوث المياه وسوء إدارة النفايات، يشكل تحديًا كبيرًا في المغرب، مشيرا إلى أن نقص الجهود الحكومية في معالجة هذه القضايا، خاصة في المناطق الحضرية، يزيد من تفاقم هذه المشكلة التي تؤثر سلبًا على صحة السكان والبيئة.

وأوضح التقرير أن هذه المشكلات تعكس اختلالات في الحوكمة البيئية، مبرزا أن “الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة تعاني من صعوبات في التنفيذ، أبرزها ضعف التنسيق بين الوكالات الحكومية وعدم إشراك أصحاب المصلحة المحليين، مما يؤدي إلى سياسات غير فعالة لا تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل منطقة”.