story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
أمن وعدالة |

خبراء يقاربون إدماج الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة بين الفرص التشريعية والتحديات الأخلاقية

ص ص

أكد عدد من الخبراء القانونيين والأكاديميين أن الذكاء الاصطناعي بات يفرض نفسه كأحد الرهانات الكبرى التي تواجه منظومة العدالة، مما يستدعي مقاربة تشريعية ومؤسساتية جديدة قادرة على استيعاب تحولات العصر الرقمي، دون المساس بجوهر العدالة ومرتكزاتها الإنسانية.

وجاء ذلك خلال ندوة علمية نظمَتها رئاسة النيابة العامة، الاثنين 21 أبريل 2025، ضمن فعاليات المعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط، تحت شعار: “نيابة عامة مواطنة للحقوق والحريات ضامنة”، حيث ناقش متدخلون من مؤسسات قضائية وأكاديمية رهانات إدماج الذكاء الاصطناعي في مجال العدالة، وما يطرحه من فرص وتحديات على المستويات التشريعية والعملية والأخلاقية.

وشدد المتدخلون على أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يشكل رافعة مهمة لتجويد العدالة وتسريع المساطر وتعزيز الشفافية، لكنه في المقابل يطرح تحديات قانونية وأخلاقية عميقة، تستوجب التفكير في إطار قانوني متجدد، يحفظ للعدالة بعدها الإنساني ويضمن حقوق جميع الأطراف المعنية.

وعلاقة بالموضوع، أكد عز الدين الماحي، رئيس شعبة الموارد البشرية لدى رئاسة النيابة العامة، أن الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم يفرض نفسه كعنصر أساسي في مناقشة مستقبل العدالة، مشيرًا إلى أن غياب نصوص أو بنية تشريعية مؤطرة لهذا المجال “لا يشكل بالضرورة عائقًا”، ما دامت هناك إمكانية لاستثمار المقاصد الكبرى المرتبطة بالتحول الرقمي والرقمنة، من أجل الوصول إلى إطار تشريعي ملائم.

وأوضح الماحي، أن إدماج الذكاء الاصطناعي في المجال القضائي قد يساهم في تحسين الشفافية، وتسريع الإجراءات، ورفع درجة النجاعة، وهي عناصر نص عليها الدستور المغربي ضمن مرتكزات دولة القانون.

ورغم الإيجابيات المحتملة، شدد المسؤول القضائي على أن العدالة ينبغي أن تبقى بيد الإنسان، معتبرًا أن الذكاء الاصطناعي لا يمكن أن يحل محل القاضي، بل يمكن اعتماده فقط كأداة لتعزيز قدرات رجال ونساء القضاء، وتسهيل مهامهم في اتخاذ القرارات العادلة، مؤكدًا أن الحفاظ على البعد الإنساني في العملية القضائية يظل أمرًا جوهريًا لا يمكن التفريط فيه.

من جانبه قال، أبو بكر مهم، أستاذ التعليم العالي بكلية العلوم القانونية والسياسة بسطات، ومنسق ماستر القانون المدني وتقنيات التوثيق والرقمنة، إن موضوع المسؤولية المدنية وتحديات الذكاء الاصطناعي، يطرح تحديات كبرى لرجال القانون، خاصة في ما يتعلق بإشكالات المسؤولية المدنية.

وأوضح الأستاذ الجامعي أن القانون المغربي يعرف عدة أنواع من المسؤولية المدنية، من بينها المسؤولية المبنية على الخطأ (التي تتطلب إثبات الخطأ)، والمسؤولية عن فعل الأشياء، والمسؤولية عن فعل التابع، إضافة إلى المسؤولية عن المنتجات المعيبة.

وتساءل المتحدث عن مدى قدرة الأنظمة التقليدية على استيعاب التحديات الجديدة المرتبطة بالذكاء الاصطناعي، لا سيما عندما يتعلق الأمر بأنظمة ذكية تتمتع بقدر من الاستقلالية في اتخاذ القرار، وهو ما يطرح إشكالية حول مدى إمكانية مساءلتها قانونيًا.

وأشار إلى أن المسؤولية المبنية على الخطأ تتطلب، وفق الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود، أن يكون الفعل قد ارتكبه إنسان، وهو ما يجعل من الصعب تطبيق هذا النوع من المسؤولية على الذكاء الاصطناعي، الذي لا يتمتع بالشخصية القانونية.

وفي ختام مداخلته، أبرز الأستاذ الجامعي أن المسؤولية عن المنتجات المعيبة قد تشكل مدخلاً مناسبًا لمعالجة هذه الإشكالات، شريطة إدخال تعديلات على بعض مفاهيمها الأساسية، مثل تعريف المنتج، وصفة العيب، وكذلك تحديد المسؤول عن الضرر، بما يتماشى مع الطبيعة التقنية والتطور الذاتي للأنظمة الذكية.

ومن جهته، أكد عبد الرحيم الزايدي، الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بفاس، أن الذكاء الاصطناعي يمثل مرحلة متقدمة ومختلفة عن الرقمنة، مشددًا على ضرورة التمييز بين المفهومين عند مناقشة مستقبل العدالة.

وأوضح الزايدي، أن الرقمنة تعتمد على تدخل الإنسان في بداية ونهاية العملية، إذ توفر أدوات إحصائية وبيانات تحتاج إلى تحليل وتدقيق بشري، بينما يتميز الذكاء الاصطناعي بكون تدخل الإنسان يتم غالبًا في البداية فقط، فيما تظل نتائج المعالجة والقرارات لاحقًا ناتجة عن خوارزميات وأوامر الحاسوب، بشكل يقلص من التفاعل البشري المباشر.

وأبرز الزايدي أن عمل النيابة العامة يرتكز على نوعين من المخرجات، الإجراءات، التي تمثل تدابير تمهيدية تساعد على اتخاذ القرار، والقرارات القضائية نفسها، مؤكدا في هذا السياق أن الذكاء الاصطناعي يمكن استخدامه اليوم بشكل فعّال في دعم الإجراءات، باعتبارها أدوات مساعدة لاتخاذ القرار، لكن عندما يتعلق الأمر بالقرار النهائي، فإن النقاش يظل مفتوحًا حول مدى ضرورة الإبقاء على السلطة التقديرية للقاضي والجانب الإنساني في اتخاذ الأحكام.

وخلص المسؤول القضائي إلى أن الذكاء الاصطناعي يحمل إمكانات كبيرة لتجويد الأداء القضائي وتسريع وتيرة الإجراءات، مشيرًا إلى “أن نسبة الخطأ فيه تبقى منخفضة مقارنة بالتدخل البشري”، كما يساهم في توحيد الاجتهادات القضائية وتحقيق مبدأ المساواة أمام العدالة، وهو ما يعزز تخليق المرفق القضائي واستجابته لمتطلبات العصر الرقمي.