خبراء: المشروع الانفصالي يلفظ أنفاسه ومصير النزاع يقترب من الحسم

لم تمضِ سوى أيام قليلة على إعلان الملك محمد السادس، عن قرار إعادة فتح السفارة المغربية في العاصمة السورية دمشق بعد إغلاق دام لأكثر من 13 عاماً، حتى بادرت السلطات السورية، وبحضور ممثلين عن وزارة الخارجية المغربية، إلى إغلاق المقرات التي كانت تستغلها جبهة “البوليساريو” الانفصالية في دمشق.
ويأتي هذا التطور اللافت بعد إعلان مشترك، صدر أول أمس الاثنين، بين المغرب وكينيا، عبّرت فيه الأخيرة رغم كونها من الدول القليلة التي ما زالت تحتفظ باعترافها بما يسمى “جمهورية البوليساريو” عن دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل وحيد واقعي ومستدام لقضية الصحراء.
وتعليقا على الموضوع، أكد مصطفى الخلفي، الوزير السابق والباحث المتخصص في قضايا الصحراء، أن الموقف السوري الأخير بإغلاق مقرات جبهة “البوليساريو”، يُعد خطوة دبلوماسية نوعية تعكس تحوّلًا عميقًا في التعاطي العربي مع ملف الصحراء المغربية، وتؤشر على أن المشروع الانفصالي يلفظ أنفاسه الأخيرة في الساحة العربية.
واعتبر الخلفي، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن هذا الموقف يُعد تصحيحًا لمسار سياسي سابق لم يكن منسجمًا مع شعارات الوحدة والقومية العربية التي طالما رفعها النظام السوري، مشددًا على أن احتضان كيان انفصالي كـ”البوليساريو” كان يشكل تناقضًا جوهريًا مع المبادئ التي تتبناها الدولة السورية.
وأوضح المتحدث أن هذا التحول في الموقف السوري يندرج ضمن سلسلة من التراجعات التي يشهدها المشروع الانفصالي في العالم العربي، بعد أن كان هناك من يسعى لفرض وجود “البوليساريو” داخل المنظومة العربية الرسمية.
وذكّر الوزير السابق بأن المغرب ظل، منذ بداية الأزمة السورية، مناصرًا لوحدة سوريا الترابية، ورافضًا لأي مسار انفصالي داخل أراضيها، وهو موقف ثابت يعكس انسجام المغرب مع مبادئه السيادية ورفضه لأي تدخل في شؤون الدول العربية الداخلية.
وأكد على أن المؤشرات المتزايدة التي تشهدها المنطقة العربية تُبشّر بنهاية وشيكة لمشاريع التقسيم والانفصال، ليس فقط في ملف الصحراء المغربية، بل على مستوى مجمل القضايا ذات الطابع الانفصالي في المنطقة.
مساران مختلفان
وفي تزامن هذه التطورات مع ما أعلن عنه المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة للصحراء، ستيفان دي ميستورا، في إحاطته أمام مجلس الأمن التي اعتبر فيها خلال أبريل الماضي أن الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون حاسمة في مصير قضية الصحراء المغربية، أكد المتحدث ضرورة التمييز بين مسارين مختلفين في هذا الملف المعقّد.
وأوضح الخلفي أن المسار الأول يتعلق بجهود الأمم المتحدة ومبعوثها الشخصي من أجل إيجاد تسوية سياسية نهائية، وهو مسار لا تزال مؤشرات التقدم فيه غائبة، رغم المحاولات المستمرة.
واعتبر أن المؤشر الحقيقي لجدية هذا المسار يتمثل في انطلاق مفاوضات مباشرة بمشاركة الجزائر، أو صدور قرار أممي واضح يدعم مقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، “وهو ما لم يتحقق إلى الآن”.
وأضاف أن دي ميستورا يحاول حاليًا الاستفادة من الزخم السياسي الذي خلقته مواقف داعمة للمغرب، خاصة من جانب الولايات المتحدة، كما يسعى لتجاوز فشل سابق لمقترحات كانت تتضمن خيار التقسيم، والتي قوبلت برفض قاطع.
وفي المقابل، شدد الخلفي على وجود مسار موازٍ وأكثر فاعلية، يتمثل في التحركات الدبلوماسية المغربية التي أثمرت نتائج ملموسة على أرض الواقع، من خلال تعزيز الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، وتوسيع دائرة الدول الرافضة للطرح الانفصالي.
وأشار إلى أن هذه النجاحات تُجسَّد في المواقف المعلنة، في الفترة الأخيرة، من دول مثل كينيا والسلفادور وسوريا، والتي تشكل تحولات استراتيجية تؤكد تقلص الدعم الدولي لـ”البوليساريو”، وتراجع عدد الدول التي كانت تؤيد طرح هذا الكيان في المحافل الدولية.
وفي السياق، كشفت جمهورية السلفادور عن دراستها لإمكانية فتح قنصلية في مدينة العيون، مجددة دعمها للوحدة الترابية للمملكة المغربية، فيما أعلنت نيروبي، إحدى أبرز العواصم الاقتصادية والسياسية في شرق إفريقيا، دعم مبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل نهائي وواقعي لقضية الصحراء المغربية.
وتبعا لذلك، ذكّر الخلفي بأن أكثر من ثلثي الدول الإفريقية كانت في ثمانينيات القرن الماضي تصطف إلى جانب الطرح الانفصالي، بينما تراجع هذا الرقم اليوم ليصل إلى أقل من 20%، بل إن أكثر من 40 دولة، بينها عدد وازن من الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، باتت لا تعترف بكيان “البوليساريو”.
وأكد أن الموقف الكيني الأخير، والذي عدّل من سياساته السابقة، يُعد مثالًا واضحًا على فعالية الاستراتيجية المغربية، وهو ما يعكس النتائج الإيجابية لعودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي، التي ساهمت في تصحيح خطأ تاريخي ارتُكب سنة 1984، حين تم قبول “البوليساريو” في المنظمة القارية.
وختم الخلفي بالقول إن هذه المكاسب الدبلوماسية تهيئ الأرضية الموضوعية لإعادة النظر في عضوية هذا الكيان داخل الاتحاد الإفريقي، وتمهّد لطرده في إطار تحوّلات جيوسياسية متسارعة تُعزز موقف المغرب وتُضعف المشروع الانفصالي.
شطّ النهاية
ومن جهته، قال أستاذ التاريخ بجامعة محمد الخامس والمتخصص في تاريخ المغرب، نور الدين بلحداد، إن المشهد الأخوي الذي شهدته العاصمة السورية دمشق مؤخرًا، عقب عودة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وسوريا، يمثل درسًا بليغًا في التصالح العربي.
وأوضح بلحداد، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن السوريين اليوم يستحضرون مواقف المغرب التاريخية، وعلى رأسها إرسال الملك الراحل الحسن الثاني قوات مغربية للمشاركة في حرب الجولان، دفاعًا عن الأراضي السورية، مؤكدًا أن هذا البُعد التاريخي يعكس عمق الروابط بين الشعبين.
وأكد الأستاذ الجامعي أن هذه الخطوة تندرج ضمن تحولات إقليمية متسارعة بشأن النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية، مشيرًا إلى تصريحات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، والسفير المغربي لدى الأمم المتحدة عمر هلال، واللذَين أكدا أن الأشهر القليلة المقبلة ستكون حاسمة في هذا الملف.
وأضاف المتحدث أننا “نعيش اليوم بدايات هذا التحول التاريخي، فالقضية التي عمّرت نصف قرن، تقترب فعليًا من شطّ النهاية، بعد مسار طويل من الصبر والتؤدة الذي اختاره المغرب، والذي بدأ يعطي ثماره اليوم، رغم طول الأمد”.
وعن تطور المواقف الإفريقية، اعتبر بلحداد أن المغرب استطاع أن “يكسر أقفالًا دبلوماسية ظلت مغلقة لسنوات”، مستدلًا بالتحول اللافت في موقف كينيا، التي كانت حتى وقت قريب من أبرز الداعمين للطرح الانفصالي، بل وكانت سببًا مباشرًا في تمرير ملف “البوليساريو” إلى أروقة الاتحاد الإفريقي.
ولم يستبعد بلحداد أن تلتحق دول أخرى بهذا المسار، قائلًا: “بعد نيجيريا وكينيا، نترقّب جنوب إفريقيا، فالعلاقات التاريخية بين الرباط وبريتوريا أعمق مما يبدو، والمصالحة ستتحقق حين تعي جنوب إفريقيا أن المغرب كان إلى جانب قادتها في أحلك الفترات، وعلى رأسهم نيلسون مانديلا، الذي استفاد من الدعم المغربي، ماديًا وعسكريًا”.
وأشار إلى أن الدعم الدولي لمغربية الصحراء لم يعد حكرًا على القارة الإفريقية، فدول من أمريكا اللاتينية، وعلى رأسها السلفادور، انضمت مؤخرًا إلى ركب الداعمين لمقترح الحكم الذاتي المغربي، معتبرة إياه الحل الواقعي والوحيد لهذا النزاع.
وخلص المتحدث إلى التشديد على أن المشهد الدولي يشهد تقلّصًا متسارعًا في عدد الدول التي تساند الطرح الانفصالي، في مقابل توسع رقعة المؤيدين للمبادرة المغربية، مضيفًا: “من تبقى من الحالمين بالوهم، بدأوا اليوم يتهاوون الواحد تلو الآخر”.