story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

خالد الكاري يكتب: تمثيلية/ مسرحية الريف بالجزائر

ص ص

انشغل الرأي العام المغربي نهاية الأسبوع المنصرم بواقعة “الفنيدق” التي لم تستدع من الحكومة سوى التعبير عن الأسف “للأسف”، مما جعل بعض الأحداث تحتجب رغم أنها لا تقل خطورة عما وقع قريبا من معبر سبتة المحتلة.

ومن ذلك، المسيرة التي نظمها ما يسمى بالتيار الجمهوري الريفي “تجاوزا”، إذ يفترض في أي تيار سياسي أن يمتلك مشروعا واضحا ومنسجما، لا أن يكون ماكينة لإنتاج خطابات غير متماسكة، مع تضخم كبير لهوس الزعامة.

غير أن ضعف هذا التيار “مرحليا” على المستويات التنظيمية والتصورية والتعبوية، لا يجب أن يكون مدعاة لتجاهل إمكانات تطوره، مستفيدا من أخطاء من يدبرون فعليا ملف حراك الريف داخل الدولة المغربية، على الأقل داخل الدياسبورا الريفية بالمهاجر.

في الواجهة يبرز “يوبا الغديوي” باعتباره “قائد” ما يسمى بالحزب الوطني الريفي، الذي افتتح تمثيلية بالجزائر، وهو شخص يمتلك قدرات خطابية وازنة، تحجب ضحالته الفكرية وفقر تحليلاته السياسية، وهو ما يوقعه في أخطاء كثيرة، سواء حين يستحضر التاريخ أو السوسيولوجيا أو اللسانيات لمحاولة إثبات أن الريف لم يكن يوما جزء من المغرب.

وإلى جانبه برز مؤخرا شخص ثان، يدعى “فاروق” يقدمه الإعلام الجزائري على أنه قائد لحراك الريف، وهو شخصية غامضة، إذ لا يعرفه لا نشطاء الحراك بالداخل، ولا بالخارج، بل حتى من كانوا في مجموعة “يوبا الغديوي”، في مرحلة تأسيسهم للتيار الجمهوري الريفي، قبل أن ينفضوا من حوله.

وهذه الشخصية الغامضة، لم تظهر على مسرح الأحداث، إلا في الوقت الذي انزاح الانحراف حتى عن انحرافه الأصلي، بالارتماء في أحضان المخابرات الجزائرية.

فلم تعد الجزائر توظف هذا التيار لاستفزاز المغرب، بل توظفه كذلك في مواجهة خصومها الداخليين، إذ يهاجم هذا التيار حركة المطالبة باستقلال منطقة القبايل “الماك”، وفي الدعاية للبوليزاريو الذي دبج معه بلاغا مشتركا يوم 14 شتنبر.

لقد تحول هذا المكون إلى أداة وظيفية للدولة الجزائرية.

وبالعودة إلى لحظة انبثاق وتمدد حراك الريف أواخر 2016 إلى انطلاق موجة الاعتقالات الكارثية وغير محسوبة العواقب، نجد عند قياداته الميدانية رفضا صريحا وموثقا لأي استغلال من طرف الجزائر أو البوليساريو (يمكن العودة لفيديوهات ناصر الزفزافي)، وتعاطفا مع الحراك الشعبي بالجزائر الذي كان يطالب بالدولة المدنية، وخصوصا حراكيو منطقة القبايل.

مما يعني أن جماعة “يوبا/ فاروق” قد انقلبت انقلابا كليا على روح الحراك وأفقه.

ولقد كانت الطعنة الأولى للحراك تتجلى في محاولة عزل القادة الميدانيين المعتقلين، تمهيدا للإعلان عن قيادة بديلة، بترويج مجموعة من الإشاعات في حقهم، وفي حق عائلاتهم، وقد نالت عائلتا الزفزافي وأحمجيق النصيب الأكبر منها.

وللأسف، حينها كانت المواقع التي تحترف التشهير بالمعارضين في المغرب، تعتمد على ما ينشره هؤلاء لتشويه معتقلي الحراك وعائلاتهم، فهل كان التقاء موضوعيا أم أن وراء الأكمة ما وراءها؟.

واليوم، فإن من يقفون في وجه هذا التوجه بوضوح، هم معتقلو حراك الريف بسجن طنجة 2، الذين أدانوا مسيرة بروكسيل الأخيرة، بل شجبوا استغلال صورهم فيها لرفع شعارات انفصالية، وخدمة الأجندات الجزائرية المكشوفة.

كما يقف في وجهه بالخارج، مجموعة من النشطاء الريفيين، الذين نظموا في اليوم نفسه لمسيرة بروكسيل “الانفصالية”، ندوة في باريس ضمن فعاليات حفل الإنسانية، ضمت كذلك مجموعة من الفعاليات الحقوقية واليسارية الوطنية (الجمعية المغربية لحقوق الإنسان / فيديرالية اليسار الديموقراطي/ حزب النهج الديموقراطي العمالي)،

هذه المجموعة الأخيرة تعبر بوضوح على أن نضالهم من أجل إطلاق سراح معتقلي حراك الريف، هو جزء من النضال من أجل مغرب ديموقراطي وموحد. ولكن المفارقة أن أغلبهم مهدد بمذكرات بحث وطنية لها علاقة بمحاكمات 2017 التي لم تحترم الحدود الدنيا لقواعد المحاكمة العادلة.

الغريب أن موقعا مغربيا حاول لغايات مجهولة الربط بين هذه المجموعة، وبين مسيرة بروكسيل الانفصالية، بل ادعى كذبا مشاركة سعيد العمراني فيها ( أحد رموز القاعديين التقدميين في التسعينيات بالجامعة، وعضو سابق بالاشتراكي الموحد، وواحد من نشطاء حراك الريف بالخارج الذي يتعرض للتهجم من طرف جماعة “يوبا/فاروق” العميلة للجزائر)، مع العلم أن سعيد العمراني كان يومها بخيمة الريف في حفل الإنسانية بباريس (ولقد شرفني بتقديم مداخلتي يومها).

هل هو خطأ من “الصحافي” أم عمل مقصود لمحاولة الإيهام أن كل “الريفييين” انفصاليون؟ وهو للأسف الخطاب الذي كان يتم ترويجه صراحة أو ضمنا، بنوايا خبيثة أو بنوايا غبية سنتي 2016/2017 للتمهيد للمجازر القضائية، وجعلها مستساغة شعبيا.

إن التاريخ كما يعلمنا أن الأدوات الوظيفية (حالة جماعة “يوبا/فاروق”) يتم التخلص منها، بمجرد انتهاء الحاجة منها، فتصير إلى النبذ، يعلمنا كذلك أن اندلاع النار قد يكون بالشرارات الصغيرة.

قد يكون هناك التقاء موضوعي بين المخابرات الجزائرية في استغلال “الورقة الريفية”، مع اختيارات جناح في السلطة المغربية لا يرى أن انفراجا حقوقيا وسياسيا من مصلحته، فيعمد إلى الخلط مستفيدا من جهل عدد كبير من المغاربة بما يقع داخل صفوف نشطاء الدياسبورا الريفية مختلفي التوجهات والمطالب والتحالفات ( فمن تحالفه مع السلطات الجزائرية ليس كمن تحالفه مع القوى الديموقراطية المغربية).

وهذا الخلط لعب بالنار لا تؤمن عواقبه، وإذا كان ما يسمى بالتيار الجمهوري ذي التوجه الانفصالي حالة معزولة بالريف، فإنه قابل لكسب مساحات من التأييد داخل الدياسبورا الريفية بأوروبا (خصوصا في ألمانيا وهولاندا وبلجيكا وإسبانيا)، مستفيدا من استمرار اعتقال ناصر الزفزافي ورفاقه، ووجود مذكرات بحث في حق نشطاء الخارج، إذ تفاجأ الكثير منهم باعتقالهم بعد دخولهم التراب الوطني.

إن هذا التعامل الاستثنائي الذي للأسف طال حتى محطة العفو الأخيرة، يمنح جرعات من ” الدوباج” لخطابات انفصالية مهلهلة، تتغذى من مقولة: إنهم يكرهوننا، مما يضخم كرة الثلج الشوفينية.

الاستمرار في اعتقال ناصر ورفاقه، وغلق باب الحوار مع الإرادات الريفية المستقلة هو جزء من المشكلة وليس من الحل.

وأقصد بالإرادات الريفية المستقلة، تلك الرافضة للارتماء في أحضان المخابرات الخارجية لأي دولة (وليس الجزائر فقط)، والرافضة كذلك أن تكون بوقا لمنظومة المخزن، أو أن تبيعه وهم التمثيلية.