story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
سياسة |

خالد البكاري يكتب: ملكية محمد السادس.. من الحسم إلى التردد

ص ص

إن أي محاولة للاقتراب من حقل الملكية، كلما اقترب الموعد السنوي لذكرى الجلوس على العرش، تستدعي بشكل لا واع إقامة مقارنات بين الأمس واليوم.

لقد بدأ الحسن الثاني مثلا عهده بالحسم في مسألة الاستفراد بالسلطة والقرار، مستبقا أي إمكانات للانقلاب عليه، أو لاقتسام الحكم معه وفق هندسة للسلطات تقوم على توزيعها على أكثر من قوة، لكن عهده انتهى بفتح هوامش لإمكان انتقال ديموقراطي هادئ ولو ببطء، عبر معبر التوافقات والتسويات الممكنة لملفات الماضي المؤلمة.

وبخلاف ذلك، انطلق عهد سلفه واعدا بتسريع وتيرة هذا الانتقال التوافقي (والمتحكم فيه)، لكننا نشهد اليوم ما يشبه الانقلاب على تلك الوعود الصريحة والضمنية، إذ تتمدد مساحات السلطوية الخشنة، على حساب هوامش الحريات المسموح بها، وغير المؤمن استمرارها في الآن نفسه.

هل يتعلق الأمر بعودة إلى النسق الأصلي للسلطة المخزنية أم بتغير السياقات الدولية؟

هاته السياقات المطبوعة حاليا بصعود الشعبويات واليمينيات والفاشية، في الأطراف كما في المراكز.

انطلق عهد محمد السادس بانحياز (وإن غير مكتمل) إلى الأصوات التي كانت تدعو للحداثة (الحقوقيون، اليسار الإصلاحي، الحركة النسائية، الحركة الأمازيغية)، دون قطع شعرة معاوية مع التيارات المحافظة، لكنه انتهى إلى العودة لمنطقة “الارتياح” المحافظة، إذ المحافظة السياسية حين تقرن بادعاء الدفاع عن الخصوصية، عادة ما تجعل قضايا الديموقراطية والحقوق والحريات تتوارى إلى الخلف.

لقد أصبحت الملكية أكثر محافظة سواء على مستوى القرارات والشكليات والرمزيات.

وهي محافظة سياسية وثقافية تحت ستار الهوية الوطنية الجامعة، أقرب إلى اليمينية القومية منها إلى المحافظة الدينية.
فهل يتعلق الأمر بالسياق العالمي الدافع لهذه الموجة أم بإقرار غير معلن بفشل المراهنة على “الحداثيين” لافتقارهم لأي امتداد مجتمعي يمكن أن يتجاوب إيجابا مع صدمات “التحديث”؟

السيد عزيمان قال في تصريح للموند، ما معناه أن ثمة هوة بين قناعات الملك الحداثية وبين انشداد المجتمع إلى “الأصلانية”.

ويكفي مقارنة الاختراقات التي تمت بالانتقال من مدونة الأحوال الشخصية إلى مدونة الأسرة في 2003، مع مخرجات عمل اللجنة المكلفة باقتراح تعديلات على مدونة الأسرة مؤخرا، بحيث تم اللجوء إلى رقابة المجلس العلمي الأعلى. ورغم ذلك فإن التعبيرات المحافظة (المنظمة وتلك التي تمثل حالة مجتمعية سائدة) هي من ظلت “تهاجم” هذه التعديلات المترددة.

وفي مستوى آخر، إذا كان الملك في بدايات عهده كثير الحضور، فهو اليوم نادر التجلي، أو لنقل إن سلطته تتجلى في الحضور المكثف لشخصيات أخرى تقود مؤسسات سيادية أو أجهزة أمنية حساسة.

ويعود الأمر إلى إكراهات الحالة الصحية للجالس على العرش، التي لا يخفيها القصر، كما يقع في حالات أخرى بمحيطنا الإقليمي، وهو الأمر الذي ينتج عنه نوع من التعاطف الشعبي، لدرجة أن هذا النسق الثقافي المغربي الذي ينظر للملك كأب، لا يعتبر هذا الأمر مشكلا سياسيا، كما في المجال التداولي الغربي (الذي قتل الأب)، بل ينتج هذا النسق انتظارات أخرى: انتظار تحسن صحة الملك ليعاقب من استغلوا هذا الوضع لخدمة مصالحهم الخاصة.

وإذا كانت هذه هي ماهية تفاعل “الأغلبية الصامتة” مع مرض الملك (شافاه الله)، فإن المؤسف أن النخبة، بما فيها المعارضة، تتحدث همسا، وفي الأماكن المغلقة عن ممكنات واحتمالات الانتقال على مستوى العرش، مع أنهم في جلساتهم الخاصة يفسرون كثيرا مما يقع اليوم في حروب “المناصب” و”الإعلام” و”التصفية الرمزية” بسيناريوهات تهيئة الانتقال.
وهذا الوضع، ربما يفسر الكثير من عناصر التردد.

هذا التردد الذي يزيد من مخاطره وجود نخب سياسية أدمنت الانتظارية السلبية.

  • هذا المقال هو جزء من ملف العدد 75 من مجلة “لسان المغرب”، لقراءة الملف كاملا يرجى الضغط على الرابط