story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
رأي |

حين تُستهدف صورة الملك… هل الصحافة المغربية في مستوى الرد؟  

ص ص

ما نشر بالصحافة الفرنسية مؤخرًا عن الملك محمد السادس ليس الأول من نوعه، ولم يكن مجرد مادة صحفية عابرة، بل يعكس حقيقة أعمق: الإعلام حين يتحول إلى أداة في لعبة المصالح الدولية، ففي فضاء عالمي تتقاطع فيه السياسة بالاقتصاد والديبلوماسية بالإعلام، لا يكون ما يُكتب عن الملوك أو الرؤساء مجرد رأي معزول، بل في كثير من الأحيان مقدمة لرسائل سياسية أو حتى ضغوط غير مباشرة.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه بالنسبة للمغرب ليس فقط من يقف وراء هذه الحملات؟ بل الأهم، كيف نتعامل معها؟ هل تملك الصحافة المغربية القدرة على التفاعل مع مثل هذه المواقف بذكاء ومهنية، أم تظل مجرد متفرج يكتفي بالتعليق الهامشي؟

لقد لاحظنا في عديد المناسبات الرياضية مثلا، كيف استطاعت الصحافة المصرية أن تحوّل مباراة كرة قدم بين فريقين مغربي و مصري او بين المنتخب المغربي و المصري ، إلى قضية وطنية كبرى بخطاب موحَّد ومنظم، بينما بقيت الصحافة المغربية غالبًا في موقع رد الفعل أو الاكتفاء بالتحليل البارد، او الانقسام بمبرر الانتماء و الحرية و ان الامر لا يستحق، وإذا كان الأمر في الرياضة يعكس فارقًا في التنظيم الإعلامي لا غير، ففي السياسة يختلف الامر اجمالا، حيث التحدي يتجاوز الملاعب إلى ما هو أكبر، سيادة و رموز ،و عندما نتحدث عن صورة ملك البلاد، فبشكل او باخر هي صورة الدولة نفسها، و الشعب في الحالة المغربية، و ذلك لطبيعة العلاقات، وهو ما يجعل الرهان سياسيًا بامتياز، فصورة الملك ليست مجرد شأن بروتوكولي، بل عنصر جوهري في استقرار النظام السياسي وتعزيز صورة المغرب دوليًا.

إن استهداف صورة الملك أو التشكيك في رمزية المؤسسة الملكية ليس بالأمر الجديد على المغرب.

تاريخيًا، كانت فترات الانتقال أو التحولات الكبرى في النظام السياسي المغربي مجالًا خصبًا لمحاولات التأثير الخارجي عبر الإعلام، فبعد الاستقلال مباشرة، شهدت الصحافة الفرنسية والبريطانية حملات متباينة حول شرعية النظام الجديد، وفي السبعينيات، لم يخلُ المشهد الإعلامي الأوروبي من مقالات ناقدة وحادة تجاه المغرب في سياقات مرتبطة بالحرب الباردة وقضية الصحراء والحريات داخليا.

واليوم، تتكرر نفس الآلية وإن بتقنيات أكثر نعومة، وفي سياق مختلف ، مستفيدة من سرعة انتشار الخبر في الفضاء الرقمي ومن قوة الصحافة الفرنسية التي تملك تقاليد راسخة في صناعة الرأي العام الخارجي و أيضا في الصحافة السياسية.

ان هذه الحملات اليوم لم تعد تواجَه بالأسلوب التقليدي الذي اعتمد على الرقابة أو الصدام المباشر مع الأقلام الأجنبية، بل باتت تحتاج إلى مقاربة إعلامية ذكية تُظهر المغرب واثقًا من نفسه، وتُفند الادعاءات بالحجة والبرهان، دون أن تسقط في الانفعال أو الشعاراتية، وهذا ما يجعل الصحافة المغربية مطالبة اليوم بأن تتجاوز حدود التغطية المحلية، وأن تنفتح على الفضاء الدولي بلغاته وأدواته، لتكون جزءًا من صناعة الرواية، لا مجرد ناقل سلبي للروايات الخارجية.

النماذج الدولية عديدة وتقدم دروسًا في هذا المجال، فقد رأينا كيف تحركت الصحافة التركية بقوة في مواجهة الحملات الأوروبية بعد أزمات سياسية متكررة، حيث وظفت خطابًا مزدوجًا يجمع بين المرافعة السياسية والاعتزاز بالسيادة الوطنية، كما أن الصحافة الروسية كثيرًا ما تحولت إلى أداة دفاعية هجومية في آن واحد أمام الإعلام الغربي، مدعومة بخطاب متماسك يُظهر أن الرد جزء من السيادة. حتى الإعلام الأمريكي، رغم قوته، لم يتردد في الرد على حملات صحف أوروبية عندما اعتبر أن صورة الرئيس أو الجيش أو السياسات الكبرى تتعرض للتشويه.

في ضوء هذه التجارب، يبدو أن التحدي أمام الصحافة المغربية هو أن تؤسس لثقافة رد عقلاني، لا دفاع انفعالي ولا صمت سلبي.

المطلوب ليس رفع الصوت، بل إنتاج محتوى يوضح السياق، ويُفند الادعاءات بلغة مقنعة للرأي العام الدولي، وبمهنية تؤكد أن الصحافة المغربية ليست خاضعة لتوجيهات مباشرة من الدولة، بل فاعل مسؤول يعي رهانات السيادة الرمزية.

إن مواجهة الحملات الخارجية ليست ترفًا إعلاميًا، بل جزء من معركة الاستقرار والشرعية في زمن تُصنع فيه الصور والانطباعات بسرعة غير مسبوقة. وما يُكتب اليوم عن الملك ليس مجرد استهداف لشخصه، بل امتحان لصورة المغرب برمته، دولة ومجتمعًا ومؤسسات، وإذا لم تستطع الصحافة المغربية أن تقوم بهذا الدور، فستظل السرديات الأجنبية هي الصوت الأعلى في تشكيل الرأي العام الخارجي.

إن الرد المطلوب اليوم ليس شعارًا ولا انفعالًا، بل خطاب عقلاني رصين يربط الدفاع عن صورة الملك بالدفاع عن صورة المغرب، ذلك هو الامتحان الحقيقي للصحافة الوطنية: أن تثبت أنها ليست مجرد ناقل خبر داخلي، بل فاعل في معركة السيادة الرمزية للمغرب على الساحة الدولية، و من هذا المنطلق يجب ان تتشكل لدى الدولة قبل المجتمع و الصحافة قناعة، ان جسم صحفي قوي يعني جيش إضافي و قوة اكثر ضد ما يمكن ان يهدد المغرب، من الأقلام و ليس من فوهات السلاح دائما .