حمودي: الموت في غزة تحول إلى عملية منظمة تُفقد الضحية كرامتها وذاكرتها
اعتبر الأنثروبولوجي المغربي عبد الله حمودي أن الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني تشكل عملية إفناء جماعي لمحو آثار الحياة والإنسانية، مبرزا أن الموت الذي يُفرض على الفلسطينيين، ليس مجرد نهاية طبيعية للحياة، بل هو عملية ممنهجة تهدف إلى محو إنسانيتهم وقضيتهم.
وقال حمودي خلال مداخلته بندوة في درس افتتاحي لمؤسسة محمد عابد الجابري حول “العلوم الاجتماعية.. معالم نظرية ومنهجية“، السبت 7 دجنبر 2024، إن الموت المفروض على الفلسطينيين اليوم ليس مرورًا منطقيًا للفناء، ولكنه إفناء جماعي بتقنيات جديدة تسعى لمحو آثار الحياة والإنسانية، معتبرا أن الموت لم يعد انتقالًا طبيعيًا كما تراه الأديان والتقاليد، بل تحول إلى عملية منظمة تُفقد الضحية كرامتها في الحياة والموت على حد سواء.
وأشار المتحدث ذاته إلى انتهاك جثث الفلسطينيين، وتقطيعها وانتهاك القبور لإعادة محو التاريخ والذاكرة، مبرزا أن “الموت، كما كان يُفهم تقليديًا كعبور من حياة إلى بقاء، يُفرغ من معناه، وتُطمس الطقوس التي تحمل الأمل وتعطي للموت بُعده الإنساني“.
واعتبر المفكر المغربي أن الموت الذي يُفرض على الفلسطينيين من الآلة الإسرائيلية لا يكتفي بقتل الأجساد، بل يسعى لمحو الإنسانية بالكامل، مسترسلا في نفس السياق “القتل الجماعي والمنهجي يضع نهاية قاسية تُنكر على الإنسان حقه الطبيعي في الموت بكرامة، محوّلًا النهاية إلى قطيعة نهائية مع كل ما يمتّ للحياة أو الأمل بصلة“.
وشدد حمودي على أن هذا الصمود الفلسطيني، بكل أشكاله، يثبت أن محاولات المحو الراديكالي والجدري تواجه عائقًا جوهريًا، يتمثل في قوة الإرادة الجماعية وحيوية الثقافة المجتمعية، في إشارة للنساء الفلسطينيات ودورهن في الاستمرار والإنجاب، وحملهن للحياة والرسالة والتحدي لكل محاولات الإبادة.
وفي نفس السياق، أشار حمودي إلى أن الصلاة على الموتى تحت القنابل ليست مجرد طقس ديني، بل هي فعل مقاومة يؤكد على استمرارية الحياة وتحدّي ماكينة الموت التي تسعى لإلغاء الوجود الفلسطيني، مبرزا “تشبثهم بالحياة وبذاكرتهم الجماعية، ومواجهتهم لهذا الموت الحديث الذي يهدف لاقتلاعهم“.
وفي غضون ذلك وضع الباحث الأنثروبولوجي “الكاريبي“ جنوب أمريكا خلال فترة الرق، مثالا للتخلص من جثث العبيد بإلقائها في البحر دون دفنها، مما يحرمهم من أثر الموت الذي يربطهم بحياتهم السابقة، مفسرا أن “هذا المحو المتعمد للأثر يهدف إلى إلغاء إنسانية الموت نفسه، مما يشير إلى محاولة نزع هوية الشعوب وهمومها“.
وخلص حمودي إلى أن الأنثروبولوجيا يجب أن تتجاوز النظريات المجردة لتصبح أداة حية تتفاعل مع الواقع الاجتماعي والثقافي للمجتمعات المدروسة، بدلاً من الاكتفاء بالتحليل الأكاديمي، مطالبا العلماء بإعادة تعريف المفاهيم والمناهج باستمرار لتلبية احتياجات الإنسانية، والتعامل مع التحديات الحقيقية التي تواجه الشعوب.