story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
دين |

حمودي: إمارة المؤمنين تجنبت الاصطدام مع المجتمع بشأن مدوّنة الأسرة

ص ص

س: في ضوء قرار عدم ذبح أضاحي العيد هذه السنة، كيف ترى انعكاس ذلك على دور إمارة المؤمنين في ضبط العلاقة بين التدين الشعبي والاعتبارات الاقتصادية والسياسية الطارئة؟

ج: تاريخيا، توظف إمارة المؤمنين في حقول مختلفة، سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى عسكرية. فهي بمثابة مصدر قوة احتياطي للملك رئيس الدولة، يوظفها حين تصبح موارد القوة الأخرى غير فعالة أو غير كافية. لقد استخدمت، مثلا، في الصراع السياسي بين الملك الحسن الثاني وقيادة الاتحاد الاشتراكي سنة 1981، بعدما أصبحت الموارد الأخرى لدى الملك غير فعالة. كما استُخدمت بكثافة في بداية حكم الملك محمد السادس من أجل إحداث مؤسسات استشارية في الدولة، بدل القيام بإصلاح دستوري. أو من أجل إصلاح تشريعي متقدم لقضايا المرأة والأسرة. لكن بخصوص الامتناع عن ذبح الأضحية في العيد، يُلاحظ أن المؤسسة نفسها تدخلت لإعادة التوازن المختل إلى العلاقة بين المواطن والرأسمال، إذ انحازت للطرف الأضعف في علاقة هيمنة بات فيها رأسمال يُسيطر على السوق، ويُسخر كل القواعد لخدمة مصلحته. إلا أنه تدخل احتياطي، حصل حين فقدت بعض مؤسسات الدولة، الحكومة تحديدا، الإرادة ثم القدرة على ضبط السوق ومراقبته، فلجأت إلى إمارة المؤمنين من أجل التدارك لتفادي صدام محتمل بين الدولة والمواطن، ومن أجل إعادة التوازن إلى السوق. ولعل تدخل إمارة المؤمنين في هذه الحالة إيجابي، لكنه يسائل مؤسسات الدولة الأخرى حين تصبح تحت سيطرة قوى انتهازية نافذة.

س: أعادت أزمة الزاوية البوتشيشية الأخيرة إلى الواجهة سؤال موقع الزوايا داخل الحقل الديني الرسمي. كيف تنظرون إلى مسؤولية إمارة المؤمنين في تأطير هذه الفضاءات الصوفية، وضمان ألا تتحول إلى مصدر توتر ديني أو اجتماعي؟

ج: تعتبر الزوايا قاعدة دينية واجتماعية لإمارة المؤمنين، وإحدى موارد القوة لديها في مواجهة القوى المنافسة لها من داخل الحقل الديني نفسه، مثل الحركات الإسلامية التي تطالب بالإصلاح الجذري. علما أن التصوف يعد إحدى مرتكزات العقيدة الدينية للدولة المغربية، إلى جانب العقيدة الأشعرية والمذهب المالكي في الفقه. وهي عقيدة تبلورت عبر التاريخ، لكنها حظيت بإعادة تأسيس في عهد الملك الحسن الثاني، وباتت إحدى مرتكزات السياسة الدينية في عهد الملك محمد السادس.

طالما شكلت الزوايا، باعتبارها حاضنة للتدين الشعبي، رافدا مؤسساتيا قويا للتدين الرسمي كما باتت تمثله إمارة المؤمنين، سواء في امتدادها الداخلي أو الإقليمي. مع تمتعها باستقلاليتها في تدبير شؤونها الداخلية، وحماية تقاليدها المتوارثة. لكن يلاحظ أنه مع إعادة مأسسة إمارة المؤمنين خلال العقدين الماضيين، باتت هذه الأخيرة تعتبر الزوايا امتدادا مؤسساتيا وشعبيا لها، فتوفر لها الدعم والغطاء السياسي، لكنها لا تتردد في التدخل في شؤونها بذريعة حمايتها من تأثير القوى المنافسة.

ما يجعل الزوايا، التي طالما كانت مؤسسة للمجتمع، زوايا للدولة. وهي سياسة رعاها ونفذها وزير الأوقاف الحالي، أحمد التوفيق، ومن نتائجها الصدامات التي وقعت بين إمارة المؤمنين وبعض الزوايا في السنوات الأخيرة. ولعل آخر تلك الصدامات، ما يقع اليوم بين الدولة والزاوية البودشيشية، إذ في الوقت الذي تتشبث الزاوية باستقلاليتها في اختيار شيخها وفقا للتقاليد المتبعة داخلها، ترى الدولة أن المصلحة تقتضي التدخل في ذلك الاختيار نفسه، بذريعة حماية الزاوية من انزلاقات محتملة، تقدر أنها قد تعود بالسلب على إمارة المؤمنين. فالهدف كما هو مبيّن في رسالة الوزير التوفيق إلى منير القادري البودشيشي هو “حماية الطريق” من أي انزلاقات لا ترغب فيها إمارة المؤمنين، سواء تعلق الأمر باختراق أجنبي محتمل أو تأثير حزبي داخلي.

س: رغم كثرة الدعوات الحقوقية والسياسية لإصلاح مدونة الأسرة، ما زال الملف عالقا هل يمكن القول إن تردّد إمارة المؤمنين في الحسم يعكس صعوبة إيجاد توازن بين الشرعية الدينية ومتطلبات الدولة المدنية الحديثة؟

ج: ما يثير الانتباه في قضية تعديل مدونة الأسرة، أنه على خلاف سنة 2004، لم يحل الملك أمير المؤمنين مشروع التعديلات التي أعدتها ورفعتها إليه الهيئة المكلفة بالمراجعة، مباشرة على البرلمان. والملاحظ هذه المرة وجود حذر ملكي من الاصطدام بالمجتمع، إذ حين رفعت الهيئة عملها إلى الملك، أحال بعض مقترحاتها التي لها صلة بالنصوص الدينية على المجلس العلمي الأعلى قصد إبداء الرأي الشرعي فيها. ثم حين قدمت مخرجات عمل الهيئة أمام الملك أمير المؤمنين في جلسة عمل ليوم 23 دجنبر 2024، أعاد الملك الملف برمته إلى الحكومة من أجل التواصل مع الرأي العام، وإحاطته علما بمستجدات هذه المراجعة، قبل صياغتها في مبادرة تشريعية تحال على البرلمان.

باستحضار هذه المعطيات، يمكن القول إن إمارة المؤمنين تصرفت بحذر شديد. وبالطبع، لا يمكن إغفال ردود الفعل المجتمعية الرافضة لبعض المقترحات مباشرة بعد الإعلان عنها، ليس من قبل بعض الفاعلين، بل من قبل فنانين وإعلاميين ومؤثرين ومن الناس العاديين في الشارع، بحيث يمكن الحديث عن أول رفض شعبي صريح لمقترحات تحظى برعاية ملكية. ويلاحظ أن الحكومة بدورها تجنبت المواجهة مع الشارع، إذ حين أعاد الملك إليها مقترحات الهيئة، فضلت تجميد المسار، وانتزعت الإشراف من وزارة العدل، ثم شكلت لجنة تقنية على صعيد الأمانة العامة للحكومة من أجل الصياغة. ما يمكن قوله أن إمارة المؤمنين تجنبت الاصطدام مع المجتمع، بالنظر إلى دقة الموقف ومن تم صعوبة الحسم في أي من الاتجاهين، في انتظار حكومة جديدة في الغالب.

*هذا الحوار، هو جزء من ملف العدد 76 لمجلة “لسان المغرب”، لقراءة الملف كاملا، يرجى الضغط على الرابط