حمزة الأنفاسي: من يطمئن الشعب؟
تتواصل حملة الاعتقالات التي تشنها النيابة العامة المغربية ضد سياسيين وشخصيات عمومية أخرى بتهم تتصل أغلبها بالفساد المركب (تبديد أموال عمومية، تزوير وثائق ومحاضر رسمية، الاختلاس، وتهم أخرى تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات).
أسالت هذه الحملة الكثير من الحبر وأثارت الكثير من التساؤلات حول مداها، هدفها، ووتيرتها. فلا مجال للجدل حول أهمية الأسماء التي تمت متابعتها ومكانتها الاعتبارية، السياسية، أو المالية في المجتمع. والكثير من المواطنين لم يكونوا يتصورون أن تسقط هذه الأسماء تباعا وبهذه السرعة والبساطة. لذلك فالعديد منهم يتساءلون ما خلفية الرفع من وتيرة المتابعات، وهل هذه حملة ستتلاشى بعد حين، أم هو واقع جديد (لطالما حلموا به) ووجب أن يتعايشوا معه؟
لا يمكن إلا تثمين هذه الخطوات من جانب النيابة العامة، خاصة في ظل إقبال المغرب على مشاريع هيكلية تشمل موارد مالية ضخمة لا يمكن تنزيلها في ظل تواجد هذا العدد الكبير من مبددي المال العام في مراكز القيادة. لكن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا هو كيف تمكن هؤلاء المتهمون من الاستمرار في مناصبهم كل هذه السنين؟ وألا يجب مساءلة مؤسسات الرقابة والاستعلامات على عدم المبادرة وترك المجال للمتهمين للاغتناء طيلة هذه السنوات؟
للأسف، لا أحد يريد تحمل مسؤولية سيطرة الفساد على المجال والمال العمومي، أو انقلاب رجال الأعمال على مؤسسات الدولة كما وصفها المفكر حسن أوريد، والكل يكتفي بالعودة بالتحقيقات إلى الخلف والنبش وراء من تثبت في حقهم تهم الفساد، بالرغم من صعوبة استرجاع جزء مهم من الأموال المختلسة.
في دولة الحق وإنفاذ القانون، كنا سنرى استقالات في صفوف مؤسسات الرقابة والاستعلامات كنتيجة لتقصيرهم في ترصد هؤلاء المتهمين بالفساد، كما كانت ستفتح تحقيقات لبحث المسؤولية ورصد الدروس المستخلصة كي لا يتكرر مثل هذا الخطأ الذي تسبب في تبديد أموال الشعب وضياع فرص تنموية ثمينة.
في مثل هذه الظروف، كان حريا بنا أن نرى النيابة العامة تتواصل مع المواطنين بشكل مكثف من أجل تحيينهم بشأن كل مستجدات الملفات الكبيرة المعروضة على القضاء. فإذا كان المواطنون المغاربة هم المصدر الذي تأتي منه كل الشرعية والسيادة كما ينص على ذلك الدستور، وإذا كان جميع المسؤولين في الدولة موظفين عند الشعب صاحب السيادة، فهذا الشعب هو أول من يجب أن يحصل على المعلومات المتعلقة بهذه المحاكمات.
بدل ذلك، خرجت النيابة العامة ببلاغ يتوعد كل من ثبت في حقه التشهير والنبش في الحياة الخاصة للمتهمين فيما أصبح يعرف بقضية “اسكوبار الصحراء”.
أولا، وبالتأكيد لا يمكن أن يدافع أحد عن التشهير بأي مواطن مغربي، لكن هذا يجب أن ينطبق على كل المغاربة، لا أن نرى صفحات ومنصات وأشخاصا احترفوا التشهير بكل من يغرد خارج السرب دون حسيب ولا رقيب، في حين أن السلطات تترصد آخرين عند أول هفوة. هنا يمكن للمرء الفهم أن هناك كيل بمكيالين.
ثانيا، وهذا أكثر أهمية، فبلاغ النيابة العامة كان له وقع سلبي على حق أهم وأسمى من أي شيء آخر، ألا وهو حرية المواطنين في التعبير في ملف تفاجؤوا لقوة وأهمية ومكانة المتورطين فيه.
أما وقد قامت النيابة العامة بالتأثير سلبا على قدرة المغاربة على التداول في موضوع يهمهم ويهم مؤسساتهم ومواردهم بإصدارها ذلك البلاغ، فهي ملزمة أكثر من أي وقت مضى بالتواصل بشكل دوري مع المغاربة لإبلاغهم بجميع مستجدات هذه الملفات.
هذا التواصل هو حق للمغاربة وليس فضلا أو امتيازا ستمن به النيابة العامة على المواطنين، وسيكون فرصة لقطع الطريق على كل من يدس أخبارا زائفة أو ينخرط في التشهير أو المس بالحياة الخاصة أو قرينة البراءة للمتهمين.