حماة المستهلك يحذرون من تسويق منتجات طبية مشبوهة دون رقابة

أعرب المرصد المغربي لحماية المستهلك عن قلقه البالغ إزاء تنامي ظاهرة تسويق منتجات طبية وعشبية مشبوهة، تدّعي علاج مشاكل صحية حساسة مثل “الضعف الجنسي” و”اضطرابات البروستاتا”، عبر منصات التواصل الاجتماعي ومن خلال تعاونيات وهمية، دون احترام لشروط السلامة الصحية أو الخضوع لأي مراقبة قانونية.
وفي ظل “غياب التأطير الرسمي وضعف الوعي الاستهلاكي”، حذر المرصد في بلاغ استنكاري توصلت به صحيفة “صوت المغرب”، من المخاطر الصحية الجسيمة التي قد تترتب عن استعمال هذه المواد، مطالبًا بتدخل قانوني عاجل وتنفيذ إجراءات صارمة لحماية صحة المواطنين وضمان الحد الأدنى من الشفافية والانضباط في تسويق المنتجات الطبية.
وتشير معطيات ميدانية، بحسب المرصد، إلى تمركز هذه الحملات الترويجية في أحياء شعبية وهشة بمدن كبرى مثل الدار البيضاء، فاس، مراكش، وطنجة، حيث يتم استغلال ضعف الوعي الصحي، وغياب الرقابة الرسمية، لترويج منتجات مشبوهة وغير خاضعة لأي فحص مخبري أو ترخيص من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.
وأكد البلاغ أن هذه المنتجات إما تُهرب من الخارج بشكل غير قانوني، أو يتم خلطها محليًا بمركبات مغشوشة، دون احترام لأي معايير علمية أو صحية.
وحذر المصدر ذاته من كون هذه المنتجات تحتوي غالبًا على مواد غير مرخصة، بعضها قد يُسبب مضاعفات خطيرة على الجهاز العصبي أو التناسلي، كما أن بعض التركيبات تؤدي إلى ارتفاع حاد في الضغط الدموي، مما يشكل خطرًا مباشرًا على حياة المستهلكين.
ودعا المرصد إلى تفعيل المتابعة القانونية في حق المروجين لهذه المواد، استنادًا إلى، الفصل 1 و2 و7 من القانون 31.08 المتعلق بحماية المستهلك، والفصل 72 من قانون الصحافة والنشر بشأن الإعلانات الكاذبة، والفصل 1 و6 من القانون الجنائي بخصوص تعريض حياة المواطنين للخطر.
استغلال لصفة “التعاونية”
وفي السياق، حذر رئيس المرصد المغربي لحماية المستهلك، حسن أيت علي، من تنامي ظاهرة استغلال بعض الأشخاص لصفة “التعاونية” لترويج منتجات عشبية مغشوشة ومركبة بشكل غير قانوني، موضحا أن القانون المغربي يُلزم ببيع الأعشاب بشكل منفصل، إلا أن هذه التعاونيات الوهمية تقوم بخلط مكونات عشبية متعددة دون ترخيص، مما يتسبب في أضرار صحية جسيمة.
وأشار أيت علي في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” إلى أن خطورة هذه الظاهرة لا تقتصر فقط على طبيعة المنتجات، بل تتجاوز ذلك إلى نظام التوصيل غير المراقب، إذ يصعب تحديد مصدر هذه المواد أو معرفة هوية المروجين لها.
وأكد المتحدث أن المرصد، إلى جانب مجموعة من المتتبعين والمتضررين، يعمل على توثيق هذه التجاوزات، من خلال جمع أرقام هواتف، وحسابات فايسبوك، وبريد إلكتروني، ومواقع إلكترونية لتلك الصفحات النشطة، مؤكدا أن هذه الوضعية تستدعي تدخلاً قانونيًا عاجلاً وتنفيذ إجراءات صارمة لضبط هذا القطاع المتفلت من الرقابة.
فجوة في الوعي
وفي سياق متصل، أوضح رئيس المرصد أن جزءًا كبيرًا من ظاهرة بيع الأدوية والمنتجات الطبية عبر قنوات غير مرخصة، مثل صفحات التواصل الاجتماعي أو الصيدليات الافتراضية، يعود إلى ضعف الوعي الاستهلاكي لدى فئة واسعة من المغاربة.
وأضاف أن العديد من المواطنين يقعون ضحية لإعلانات مضللة، ويشترون مكملات وأدوية مجهولة المصدر دون استشارة طبية، وهو ما يعرّضهم لمخاطر صحية جسيمة.
وعلى الرغم من أن القانون المغربي، من خلال مدونة الأدوية (القانون 17.04)، يمنع بيع الأدوية خارج الصيدليات، إلا أن رقابة المنصات الافتراضية ما تزال ضعيفة، رغم الجهود المبذولة لتشديد المراقبة على هذه الظاهرة.
بدائل أرخص
ومن جانب آخر، أشار أيت علي إلى أن ارتفاع أسعار الأدوية الرسمية بنسبة تصل أحيانًا إلى 3 أو 5 أضعاف مقارنة بدول أخرى، يدفع المستهلك إلى البحث عن بدائل أرخص، حتى وإن كانت مجهولة المصدر. كما أن ضعف اعتماد الأدوية الجنيسة في المغرب (40% فقط) مقارنة مع فرنسا وألمانيا (أكثر من 70%)، يُعمّق الاعتماد على السوق السوداء.
وأكد أن هذه الوضعية ليست فقط قانونية أو اقتصادية، بل هي أيضًا ثقافية، موضحًا أن غياب التوعية يجعل المستهلكين غير قادرين على التمييز بين المنتجات القانونية والمزيفة.
وقدّم المتحدث نفسه مجموعة من المعايير التي يمكن أن تساعد المواطن العادي على التمييز بين الدواء القانوني والمزيف، من بينها، مكان البيع إذ أن الدواء القانوني لا يُباع إلا في الصيدليات المرخصة، ورقم التسجيل الوطني (AMM)، بحيث أن كل دواء قانوني يتوفر على رقم ترخيص من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية.
وأشار إلى أن التغليف المحكم للأدوية، والطباعة الواضحة، واسم الشركة المصنّعة من علامات الأصالة، مبرزا ضرورة وجود النشرة الداخلية التي تحتوي على معلومات علمية دقيقة، مع ضرورة التوصية الطبية من طرف طبيب أو صيدلي.
تهدد ثقة المواطن
غضافة إلى ذلك، أبرز أيت علي أن انتشار سوق موازية للأدوية عبر الإنترنت والمتاجر الإلكترونية يشكل تهديدًا حقيقيًا للثقة في المؤسسات الصحية والصيدليات الرسمية، معتبرا أن هذه السوق تخلق نوعًا من التشويش على دور الصيدلاني المهني، وتضعه في منافسة غير متكافئة مع باعة غير مؤهلين يروجون لمنتجات غير مراقبة.
كما تُثير هذه السوق حسب المتحدث شكوكًا كبيرة لدى المستهلك حول مصداقية الأسعار الرسمية، وتخلق انطباعًا بعدم جدية مؤسسات الرقابة الصحية، خاصة في ظل استمرار هذه التجاوزات دون تدخل حازم.
وحذر أيت علي من أن استخدام دواء مزيف قد يؤدي إلى تجارب شخصية مؤلمة، تجعل المستهلك يُعمّم انعدام الثقة في المنظومة الصحية ككل، رغم أن الخلل الحقيقي يكمن في السوق الموازية.
وأوصى المصدر ذاته، بضرورة تعزيز المراقبة الإلكترونية للأسواق الافتراضية وملاحقة المروجين، وتسريع إصلاح منظومة التسعير والتواصل الصحي لاستعادة ثقة المواطن، وإطلاق حملات وطنية للتوعية بمخاطر السوق السوداء، وإشراك المجتمع المدني في التبليغ ونشر الوعي، وتشجيع استعمال الدواء الجنيس الآمن وذي السعر المناسب.
وخلص حسن أيت علي إلى التأكيد على أن السوق السوداء لا تقتصر على بيع منتجات مشبوهة، بل تُقوّض ثقة المواطن في النظام الصحي وتُعرّض حياته للخطر مقابل أرباح سريعة، وقال: “نحن بحاجة إلى وعي جماعي، ورقابة قانونية صارمة، ودعم مؤسساتي شفاف لمحاربة هذه الظاهرة المتفاقمة”.