حماة المال العام: تشريعات الأغلبية تخدم مافيات الفساد

قال محمد الغلوسي رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام إن الحكومة “تحاول خنق الأصوات الحرة، ومنع النقاش العمومي حول مافيات الفساد”، مشيرة إلى أن هذه الأخيرة “متغلغة في قطاعات عدة، مستفيدة من الإفلات من العقاب والريع والرشوة، وضعف آليات المحاسبة”.
واتهم الغلوسي، في الندوة الصحافية التي نظمتها الجمعية المغربية لحماية المال العام، يوم الخميس 12 ماي 2025، هذه المافيات “باستعمال القرار العمومي للسطو على العقار، والتلاعب في رخص التعمير، والرخص الاقتصادية، وفي الصفقات العمومية، والمرافق الأساسية”، فضلاً عن الصيد البحري، والسياحة، والرياضة، والاستثمار”.
ويرى أنها استفادت “من ضعف الدولة للسيطرة على الموارد”، في الوقت الذي لا تزال هناك قرى ومدن وبوادي لا “تتوفر على مستوصفات أو مدارس أو حتى قنوات للصرف الصحي”.
“تشريع يخدم أقلية”
وقال إن هذه النخب التي وصفها بـ”المافيات” هي التي يتم اليوم التشريع لصالحها، وذلك من خلال “تكريس واقع الفساد بتمرير قوانين مثل المادة 3 و7، بعدما تم تجميد اللجنة الوطنية لمحاربة الفساد، وتعطيل مشروع الإثراء غير المشروع، وعدم مراجعة قانون التصريح الإجباري بالممتلكات”.
واعتبر الغلوسي أن التوجه السائد بعد كل هذا هو “محاولة تصفية المجتمع المدني، وعزل الجمعيات الجادة عن المجتمع، في معركة مكافحة الفساد”، التي يرى أنها مصيرية داخل المغرب.
وشدد المحامي والحقوقي على أن الفساد في المغرب “ليس حالات فردية معزولة”، مشيراً إلى أنه حالة قائمة في المغرب “تُستعمَل لإدماج النخب وترويضها ومصادرة الحقوق، وتأجيل انتقال المغرب إلى مرحلة الديمقراقية.
وقال الغلوسي إنه يتم توظيف البرلمان اليوم لتشريع قوانين “تخدم حفنة من زبائن نخبة، لا يمكنها الحصول على الأصوات” إلا من خلال الاستعانة بمن سمّاهم “مالين الشكارة”، الذي يحتاجون إلى ضامنات ويضغطون على الدولة من أجل حمايتهم، بحسب تعبيره.
وفي هذا الصدد، دعا الغلوسي مؤسسات الدولة إلى أن “تشرع لفائدة المجتمع ككل بدلاً من حماية فئة معينة”، مشيراً إلى أن التشريع يجب صياغته دائماً لتحقيق المصلحة العامة، انطلاقاً من انتظارات المجتمع، “وليس تقوية مواقع فئات ضيقة لا تمثل سوى أقلية”.
حماية رجال المال من الرقابة
وأعرب عن أسفه من كون أن التشريع الذي تقوده أحزاب الأغلبية أخيراً “يراعي مصالح فئة صغيرة، لتحصينها من المساءلة ومنحها امتيازاً فوق آخر”.
ولفت الغلوسي إلى أن أحزاب الأغلبية في حاجة إلى دعم من رجال المال للنجاح في الانتخابات، معتبراً أن هؤلاء “لا يمولون الحملات الانتخابية مجاناً”، بحيث أنهم “في حاجة أيضاً إلى مقابل على شكل تأمين سياسي وقانوني يحميهم من الرقابة والمجتمع والقضاء”.
وقال الناشط الحقوقي إنه بعد توزيع الأموال لشراء الأصوات في الانتخابات السابقة، تراهن هذه الأحزاب اليوم على الطريقة ذاتها من أجل النجاح في انتخابات 2026، وفي المقابل من يوزع هذا المال “لا شك أنه سيسعة لاسترجاعه أضعافاً عبر صفقات وتفويتات وشبكات زبونية”.
قتج تحقيق بشأن القطيع
وبخصوص إلغاء شعيرة أضحية العيد، طالب المحامي محمد الغلوسي بفتح تحقيق للكشف عن الأسباب الحقيقية وراء ترجع رؤوس القطيع. ووقف في هذا السياق على رسالة ملكية وجهت في وقت سابق، على لسان الناطق الرسمي باسم القصر الملكي، إلى أن تكون عملية تكوين القطيع ناجحة بكل مهنية وفق معايير موضوعية، مشددة على ضرورة إسناد تدبير دعم هذه العملية إلى لجان محلية تشرف عليها السلطات.
وأوضح الغلوسي أن هذه الرسالة “تفيد بأن هناك فقداناً للمسؤولية والشفافية في تدبير القطاع”، كما أن الجهات التي كانت تشرف عليه “لم تكن مؤهلة”، ولأجل ذلك تم نقل الإشراف إلى جهة أخرى، “بشكل يُفهم منه أنه كان هناك سوء تدبير واضح”.
وتساءل الغلوسي بشأن التراجع الكبير على مستوى القطيع بـ38 في المائة في ظرف 8 أشهر، في إشارة إلى تصريح وزير الفلاحة في يوليوز 2024، بأن عدد رؤوس الأغنام والماعز يتجاوز 25 مليوناً، ثم إعلان الوزير الجديد بعد أقل من سنة عن تراجع القطيع.
كما انتقد اتفاقية لوزارة الفلاحة مع الجمعية المغربية لمربي الأغنام والماعز، أعلنت فيه عن توزيع 24 ألف رأس على 2430 كساب في إقليمي الحوز وشيشاوة بكلفة 43 مليون درهم لكل المربين المتضررين، متسائلاً “هل لدينا ما يفيد بأن هذا الدعم سيصل إلى هؤلاء المواطنين؟”
واعتبر الرسالة الملكية المذكورة “سك اتهام”. وقال: “إذا كانت الرسالة واضحة حول غياب الموضوعية والمهنية، وإسناد الدعم لجهات أخرى من السلطة، هل سوف نفتح صفحة المساءلة أم سنقابل ذلك بقول ‘عفا الله عما سلف’ في اتنتظار فضيحة أخرى”.
حماة المال العام والابتزاز
ويرى رئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام أن الأغلبية الحكومية “تسعى لتهريب النقاش”، حول تجريم التبليغ عن قضايا الفساد، كونها قضية مصيرية تهم المغاربة دولة وشعباً، “إلى مجال للتنابز والتهريج والغوغائية”.
واستنكر الغلوسي اتهام جمعيات المجتمع المدني التي تحارب الفساد بـ “ممارسة الابتزاز”، مشيراً إلى أن ذلك يعد تسطيحاً للنقاش وتعبيرا عن انزلاق نخبة سياسية “لم تؤد الضريبة في ما عرفه المغرب من اتساع لهامش الحريات والحقوق”، ولأجل ذلك “لا يشكل إلغاؤها من النصوص أي حرج بالنسبة لها”.
وطالب الجهات التي تصدر هذه الاتهامات، في إشارة إلى وزير العدل عبد اللطيف وهبي وبرلمانيين، باللجوء إلى القضاء “في حال توفر إثباتات تدين هذه الجمعيات”. وقال: “إذا توفرتم على معطيات ضدنا في هذا الصدد لا تتستروا علينا، ولا تكتفوا بالكلام، قدّم ما لديك أمام القضاء لأن هذه الاتهامات يعاقب عليها القانون الجنائي”.
وقال: “نحن منفتحون على أية مساءلة قانونية، ونرحب بأية شكاية ترفع ضدنا أمام القضاء. ولا نقبل بأن يكون العمل الحقوقي مجالاً للابتزاز، ولكننا في المقابل لا نقبل أن يُستعمل الادعاء بالابتزاز لتكميم الأفواه ومحاصرة من ينتقدون الفساد”.
ودعا الغلوسي هذه الجهة إلى عدم التردد في تحريك المساطر القضائية ضد الجمعيات التي تمارس الابتزاز، وتستغل العمل الحقوقي كمجال للارتزاق، بحسب تعبيرها لتبرير التشريع الجديد على مستوى قانون المسطرة الجنائية، مثلما “تملك الجرأة لتقديم شكايات ضد صحافيين وحقوقيين”.
وأشار المتحدث، في الندوة الصحافية التي احتضنها مقر النقابة الوطنية للصحافة بالرباط، من أجل الإعلان عن وقفة احتجاجية أمام البرلمان السبت القادم، (أشار) إلى أن الجمعية المغربية لحماية المال العام تنفذ برنامجاً يمزج بين الجانب التواصلي والتوضيحي والتعبوي والاحتجاجي.
ويهدف هذا البرنامج، بحسب الندوة الصحافية إلى، توضيح موقفها من محاربة الفساد، وممارسة الضغط على المؤسسة التشريعية من أجل “العودة عن النهج الذي تتبعه في تشريع القوانين، وخصوصاً المسطرة الجنائية”، بالإضافة إلى “رفع اللغط واللبس الذي يحاول البعض أن يلبسه للجمعيات الحقوقية ومكافحة الفساد”.
ولأجل ذلك شرعت الجمعية المغربية لحماية المال العام في مراسلة جميع الأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان أغلبية ومعارضة، إضافة إلى مؤسسات الحكامة بينها وسيط المملكة والمجلس الوطني لحقوق الإنسان.
وكشف الفاعل الحقوقي عن لقاءات ستجمع الجمعية مع مؤسسات أخرى بينها مجلس المنافسة الإثنين القادم، والمجلس الاقتصادي الاجتماعي البيئي الخميس الموالي، بهدف فتح نقاش عمومي حول قضية جوهرية تهم المغاربة، والتي تتعلق بمحاربة الفساد.
وشددت الجمعية على أن الحكومة التي وصفتها بحكومة “زواج السلطة بالمال” تسعى “لتمرير مقتضيات خطيرة في مشروع قانون المسطرة الجنائية”، خصوصاً على مستوى المادتين 3 و7 اللتين “من شأنهما تكميم أفواه الجمعيات وعموم المغاربة، وتكبيل التبليغ عن جرائم المال العام”.
وتستعدد الجمعية المغربية لحماية المال العام لتنظيم وقفة احتجاجية أمام البرلمان، يوم السبت 14 يونيو 2025، احتجاجاً على المقتضيات الواردة بمشروع قانون المسطرة الجنائية، تحت شعار “لا للتضييق على المبلغين عن جرائم المال العام، لا للمس باستقلالية النيابة العامة”.
كما أعلنت عزمها خوض برنامج نضالي مكثف رداً على “محاولات إفراغ النقاش” حول مكافحة الفساد من مضمونه، وتشويه صورة الجمعيات الجادة، بحسب تعبيرها، في سياق مشروع تعديل قانون المسطرة الجنائية، لاسيما ما يتعلق بالمادتين 3 و7 منه.