story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

حكومة الرضا

ص ص

لم أجد خلال يومي نهاية الأسبوع الماضي غير ترديد عبارة “الله أكبر”، وأنا أصطدم بعناوين الأخبار، مسموعة ومرئية ومكتوبة، تحتفي بمؤشر رضا “فاض” على الحكومة فجأة ومنحها رقما قياسيا من الرضا لا يقل عن 77 في المائة، نظير تدبيرها لتداعيات كارثة زلزال الأطلس الكبير.
هل تتعلق المعلومة ببلد غير الذي نعيش فيه أم تراها الحكومة أمدّت المغاربة بتدابير “مستورة” كما هو دأب المتصدقين مع صدقتهم؟
قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به تلك العناوين الاحتفالية، كانت حناجر بعض من ضحايا الزلزال تصرخ أمام البرلمان احتجاجا على الحكومة نفسها.. هل يعقل أن المحتجين من 23 في المائة غير الراضية على أداء الحكومة؟
يتعلق الأمر بنتائج أولية لدراسة أنجزها المعهد المغربي لتحليل السياسات، وهي المؤسسة البحثية المحترمة والمرموقة، ليس لأنني تشرفت بالانضمام إلى فريقها لفترة معينة، بل لمعرفتي الشخصية بالأصدقاء الثلاثة الذي مهروا هذه النتائج بتوقيعاتهم، وكلهم ممن يقام له ويِقعد في مجال البحث والتحليل والاستنباط.
تخبرنا النتائج الأولية لهذه الدراسة أن 77 بالمائة من المغاربة عبروا عن رضاهم على تعاطي الحكومة مع أزمة الزلزال الذي ضرب المغرب في 8 شتنبر 2023، فيما عبرت 22 بالمائة عن عدم رضاها بالتدبير (هناك 1 في المائة ناقصة هنا لكن لا بأس فهي لا تغير النتيجة كثيرا).
ويبذل الأصدقاء في المعهد جهدا لتحقيق بعض التوازن في الفقرة الخاصة بتحليل هذا المعطى، بتنبيههم إلى أهمية النسبة غير الراضية من المواطنين وضرورة معرفة أسباب عدم رضاها من أجل تحسين استراتيجيات صانعي السياسات… وهذا جهد مقدّر، لكن معذرة، أمن الطبيعي القول إن “الحكومة” نالت رضا 77 في المئة من المغاربة عن تدبيرها للزلزال؟
دون أن يراودنا أدنى شك في مصداقية وكفاءة القائمين على الدراسة، تعالوا نقترب منها أكثر لنحاول فهم هذا المعطى ومن ثم الخروج بنتيجة حول السبيل إلى توظيفه.
رغم أن التقرير الخاص بهذه النتائج الأولية لا يطلعنا على السؤال الذي طُرح على العينة المشاركة في الاستطلاع، والذي أفرز لنا هذه النتيجة الغريبة، فإن الأمر يتعلق بمحاولة استخراج رأي عموم المغاربة، وليس المغاربة الذين شملهم الزلزال. وهنا تبدأ الأسئلة النقدية: ما معنى رضا مواطن عن تدبير الحكومة لأزمة لم تمسّه بشكل مباشر؟ ألن يكون مجرد الوجود في مكان آمن وبعيد عن الكارثة سببا للرضا سواء عن الحكومة أو عن الطبيعة أو عن الصفائح التكتونية؟
ثم تعالوا ندقق أكثر: من بين الألفي شخص الذين تم استطلاعهم في هذه الدراسة، وجد الأصدقاء في المعهد المغربي لتحليل السياسات، أن 12 في المائة فقط تآثروا بشكل مباشر بالزلزال.
وبالتالي إن كان هناك من جدوى أو فائدة من قياس الرضا عن أداء الحكومة، فإن الأمر ينبغي أن يشمل أساسا هؤلاء ال12 في المائة، لأنهم في نقطة تماس مع تأثير الزلزال من جهة وتدخل الحكومة من جهة أخرى.
لا شك أن المعطيات المستخرجة من الدراسة تسمح بمعرفة مستوى الرضا عند هذه الفئة من المغاربة التي تأثرت بالزلزال، وهو ما سننتظر إعلانه في النتائج النهائية. وفي انتظار ذلك، يخبرنا التقرير أنه وداخل ال12 في المائة من المغاربة الذين تأثروا بالزلزال مباشرة، 11 في المائة فقط (11٪ من ال12٪) قالوا أنهم تلقوا مساعدة من الحكومة، في مقابل 33٪ قالوا إنهم تلقوا المساعدة من المجتمع المدني.
وجوابا عن سؤال تقييم مستوى المساعدة التي قدمتها الحكومة، وهو سؤال لا يعقل أن يجيب عنه إلا من تلقى هذه المساعدة، فإن 44 في المائة (أي 44٪ من ال11٪ التي تلقت المساعدة أصلا من بين ال12٪ من المغاربة الذين تأثروا بالزلزال)، قالوا إنهم غير راضين عن الدعم الحكومي واعتبروه غير كاف.
فمن يمكنه التعقيب عليهم ومجادلتهم في تقييم التعاطي الحكومي؟
وبالمنطق فقط، بمعنييه العلمي والحسي، كيف سيكون مستوى الرضا عند مواطنين تلقوا من الجمعيات والهيئات الخيرية ثلاثة أضعاف ما تلقوه من الحكومة من دعم ومساعدة؟ وكيف سيكون مستوى هذا الرضا في وقت تتناقل فيه وسائل الإعلام الدولية بشكل شبه يومي أخبار الاحتجاجات والوقفات التي ينظمها ضحايا الزلزال؟
وأنا أذكر من جديد بمصداقية وكفاءة القائمين على الدراسة، بفعل معرفة شخصية كافية ودقيقة، أعتقد جازما، أن الأمر يتعلق بعيب منهجي-مفاهيمي اعترى هذه النسخة الأولية من نتائج الدراسة، يرتبط بكلمة واحدة هي “الحكومة”،
الدراسة تبدو من خلال ما أتيح من معطيات حول منهجيتها، وقد احتكمت إلى مفهوم نظري ومجرد للحكومة، ينطلق من بيئة علمية غربية حسمت دلالة مثل هذه المفاهيم، حيث الحكومة هي جهة واحدة، أي تلك التي تتولى السلطة التنفيذية وتخضع للمنطق الديمقراطي في الصعود والنزول. بينما مفهوم “الحكومة” مختلف في المغرب، بل مرن إن لم يكن مزدوجا.
لقد أغفلت الدراسة تمييزا أساسيا بين الحكومة والملك، وهو تمييز ضروري، ليس بمنطق علم السياسة فقط، بل بنص الدستور الذي يتضمن هذا التمييز بوضوح ويخصص للملك جزءا مستقلا ومتميزا ومتعاليا عن الحكومة.
والواقع أن الحكومة بمعناها المغربي لم تقدم ولم تؤخر في موضوع الزلزال، وجميع القرائن متوفرة عن كونها كانت الغائب الأكبر عن تدبيره، فلم نشاهدها أو نسمعها إلا بعد توالي اجتماعات وبلاغات الديوان الملكي، قبل أن يقوم رئيسها وبعض وزرائه بتلك الخرجات الفلكلورية في بعض المناطق المنكوبة.
وإذا كان هذا الغياب يبرئ الحكومة من أية اختلالات يمكن أن تسجل في الشق الذي لم تتولى تدبيره من الكارثة، فإنه لا يسمح أيضا بإهدائها رقما تلقفته آلة الدعاية كما يتلقف الجائع “سفنجة بالعسل”، وتنجح بالتالي “فورفي”، في امتحان لم تجتزه أصلا.