حقوقي: الحكومة تتنصل من التزامها لمحاربة الفساد
تعيش الساحة السياسة في المغرب على إيقاع حملة اعتقالات ومتابعات في حق عدد من المسؤولين والسياسيين، على خلفية ضلوعهم في قضايا فساد وهدر المال العام وتهم أخرى.
نواب برلمانيون وسياسيون ورؤساء جماعات منهم من جرد من صفته ومسؤوليته، ومنهم من تم الزج به في السجن ومنهم من لا يزال يتابع في حالة سراح، استغلال المنصب واختلاس الأموال وهدر المال العام، أبرز التهم التي يشترك فيها هؤلاء المتهمون أو المتابعون.
قوانين لا تسعف
وتأتي حملة الاعتقالات هاته في ظل ترسانة قانونية تبدو أنها عاجزة عن وصول عدد من الأشخاص الذين تحوم حولهم شبهات الفساد، إلى موقع القرار وتولي مسؤولية تدبير الشأن العام.
وفي هذا الإطار يقول نائب الكاتب العام لجمعية ترانسبرانسي أحمد البرنوصي، “إن الحكومة الحالية وعدت في تصريحها الحكومي، أنها ستجعل من محاربة الفساد أولوية، لكن لحد الساعة لا شيء يذكر، وهو ما دفعنا كجمعية إلى مراسلة رئيس الحكومة واستفساره عن مراجعة أو تحيين الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد وهل هناك استراتيجية جديدة في هذا الاتجاه وهل هناك برنامج عمل”.
وأردف المتحدث، أن دستور 2011 تضمن عددا من القوانين المتعلقة بمحاربة الفساد، وفي مقدمتها قانون تقنين تضارب المصالح وقانون تجريم الإثراء غير المشروع، “الذي نوقش لمدة ست سنوات في الولاية التشريعية السابقة وسحبته الحكومة الحالية من البرلمان”.
وكان وزير العدل عبد اللطيف وهبي قد صرح قبل سنة أنه “ليس من حق المجتمع المدني أن يتابع المتهمين، ووزير الداخلية هو الوحيد الذي يحق له ذلك، في الوقت الذي نجد أن الدستور يتضمن مشاركة المواطنين في تهيئة السياسات العامة وفي مراقبتها”، يقول الحقوقي أحمد البرنوصي.
مؤشر مقلق
وتمثل هذه المتابعات فصلا جديدا، يُعلق عليه رهان تنقية الساحة من رموز الفساد وقطع جذوره التي امتدت مع توالي السنوات في عمق التربة السياسية في المغرب.
“هذه المحاكمات التي نعيش على إيقاعها هي بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، بحيث أن هناك 29 برلمانيا متابعين في قضايا الفساد يمثلون 5 بالمائة من عدد أعضاء الغرفتين، وهو ما يعتبر مؤشرا جد مقلق نظرا لمهام البرلمان التشريعية ومراقبة السلطة التنفيذية”.
وأوضح المتحدث، أن أمر هذه المتابعات “يرجع إلى عدة عوامل، وهو أن الحكومة ما قبل السابقة كانت قد هيأت الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد التي صودق عليه في نهاية 2015، ولكنها لم تفعل وظلت مجمدة، ولا نستغرب بالتالي لهذه الوضعية”، مضيفا في نفس السياق أن لجنة تتبع الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، “لم تجتمع إلا في مناسبتين منذ عدة سنوات”.
تواصل مسلسل المتابعات
وفي آخر التطورات المرتبطة بمتابعة المتهمين في قضايا الفساد، قضت غرفة جرائم الأموال بمحكمة الاستئناف بمدينة فاس اليوم بإدانة البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية محمد أبرشان بخمس سنوات وغرامة مالية قدرها 10 ملايين سنتيم.
فضلا عن ذلك، اعتقلت الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في اليومين الأخيرين كلا من محمد كريمين، رئيس بلدية بوزنيقة المعزول والنائب البرلماني السابق عن حزب الاستقلال، الملقب بـ”إمبراطور بوزنيقة”، وعزيز البدراوي الرئيس السابق لفريق الرجاء البيضاوي، على خلفية شكاية قدمها حزب العدالة والتنمية، بشبهة اختلالات في صفقة للتدبير المفوض لنفايات المدينة الشاطئية، كان طرفاها كريمين وبدراوي، وقد تجر آخرين.
“نحن لا نستغرب لهذه المتابعات، ونطالب بسن قوانين مضبوطة تحارب الفساد”، علما أننا “نومن بقرينة البراءة حتى إدانة المتهمين، ولكن هذه المتابعات تدل على أن الفساد متجذر مع الأسف”، يقول أحمد البرنوصي.
20 سنة من الفساد
وفي السياق ذاته، أصدرت جمعية ترانسبرانسي بلاغا أوضحت من خلاله أن “المغرب مستمر في مستنقع الفساد منذ ما يزيد عن عقدين من الزمن”، والذي تؤكده مجموعة من المؤشرات المتعلقة بالشفافية وحسن تدبير الشأن العام.
وأضاف البلاغ أنه “كان هناك مجهود سنة 2018 حيث احتل المغرب الرتبة 73 في مؤشر إدراك الرشوة، ضمن 180 دولة، وحصل على نقطة 43 على مائة ارتباطا بإصدار قانون الحق في الوصول للمعلومة وانخراط المغرب في شراكة الحكومة المفتوحة”.
غير أنه ما لبث أن “رجع لمسار الانحدار، بعدما تراجع ب 5 نقاط حيث حصل المغرب سنة 2023على نقطة 38 واحتل الرتبة 97، أي بتراجع 5 نقط و24 رتبة في ظرف خمس سنوات بمعدل نقطة وخمسة مراتب كل سنة.
وطالبت “ترانسبرانسي” في ذات البلاغ بالتعجيل بتحيين وتفعيل الاستراتيجية الوطنية لمحاربة الفساد، والتعجيل بإصدار المنظومة القانونية ضد الفساد التي تضمنها دستور 2011، خاصة قانون تقنين تضارب المصالح، وقانون تجريم الإثراء غير المشروع، فضلا عن تطوير القوانين ذات الصلة ومن ضمنها قانون الحق في الوصول للمعلومة وقانون التصريح بالممتلكات وقانون حماية المبلغين عن الفساد.