حقوقيون يرصدون معاناة متضرري الزلزال ويدحضون خطاب الدولة الاجتماعية

على امتداد جبال الأطلس الكبير، حيث تعصف الرياح الباردة بالخيام البلاستيكية الهشة، لا يزال منكوبو زلزال الحوز يواجهون مصيرًا قاسيًا، في مشهد يفضح بؤس الواقع ويدحض خطابات “الدولة الاجتماعية” التي ما فتئت الحكومة ترددها، فبعد مرور ثمانية عشر شهرًا على الكارثة، لا تزال معاناة الضحايا حية، ترويها أرواح أنهكها البرد والجوع والإهمال.
لم تكن هذه المأساة مجرد لحظة عابرة في سجل النكبات، بل أضحت حسب حقوقيبن عنوانًا صارخًا “لفشل السياسات وغياب الإرادة الحقيقية لإنصاف الفئات المهمشة”، وبينما تتوالى الوعود، يقف المتضررون وجهاً لوجه مع واقع مؤلم، زادت من ألمه الاضطرابات الجوية التي تعرفها المملكة خلال هذه الأيام، الشيء أثار استياءً شعبيًا كبيرا وموجة تضامن واسعة مع المنكوبين.
“تناقض بين الشعارات والواقع”
وفي هذا السياق، انتقدت الحقوقية خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان، تعاطي الحكومة مع الأوضاع في المناطق المتضررة من زلزال الحوز، مشيرة إلى غياب “أي رؤية واضحة لمعالجة الأزمة، وهو ما يعكس انعدام الإرادة السياسية الحقيقية لدعم المنكوبين والوقوف إلى جانبهم”.
وشددت الحقوقية في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” على أن الحكومة لم تجسد أي مضمون حقيقي لمفهوم “الدولة الاجتماعية” الذي تروج له منذ بداية ولايتها، حيث كشفت الكارثة عن “التناقض الصارخ بين الشعارات المرفوعة والواقع الميداني”، موضحة أن السياسات المنتهجة “لم تنتج سوى مزيد من التفقير والتهميش”.
وأكدت المتحدثة ذاتها، أن الحكومة اختارت “نهج سياسة الإقصاء والتجاهل، إذ لم يحظَ المتضررون بأي اهتمام يُذكر، مما يعزز الانطباع بأن السلطة لا تخدم سوى فئة ضيقة تسعى وراء الإثراء غير المشروع، بينما تستمر في تهميش الفئات الفقيرة والمهمشة”.
وأبرزت أن “زلزال الحوز عرّى الواقع المأساوي الذي يعيشه سكان المناطق المنكوبة، حيث كانوا يواجهون التهميش والفقر حتى قبل الكارثة، ليزداد وضعهم سوءًا بسبب غياب التدخلات الفعالة من قبل الدولة”، مضيفة أن “الطريقة التي تعاملت بها السلطات مع الأزمة عمّقت معاناة المواطنين بدل التخفيف منها”.
وفي سياق متصل، انتقدت المتحدثة غياب الشفافية في تدبير ملف إعادة إعمار الحوز، مشيرة إلى أن “قضايا الفساد المالي طغت على هذا الملف، في ظل غموض مصير الأموال التي تم جمعها لفائدة المتضررين”، معتبرة أن “الدولة لم تُقدم أي توضيحات كافية حول كيفية صرف هذه المساعدات”.
وأشارت الرياضي إلى أن “الحكومة، بدل الاستماع إلى أصوات المحتجين والاستجابة لمطالبهم المشروعة، اختارت اللجوء إلى القمع والتضييق، حيث واجهت الحركات الاحتجاجية في المناطق المنكوبة بالقمع واعتقلت عدداً من منسقيها وأعضائها، مما يطرح تساؤلات حول التوجه الحقوقي للسلطة”.
وأضافت الحقوقية أن ما يثير القلق أكثر هو إصدار أحكام قاسية ضد المعتقلين، بحيث رُفعت العقوبات من ثلاثة أشهر إلى سنة، معتبرة أن هذه المحاكمات “الجائرة” تطرح تساؤلات جدية حول مدى استقلالية القضاء والتزام الدولة باحترام حقوق الإنسان.
واعتبرت الرياضي أن هذه الاعتقالات والمضايقات تعكس “استمرار استهداف النشطاء والحقوقيين”، وتؤكد أن الحكومة لا تتردد في استخدام الأجهزة الأمنية “لإخماد أي صوت يطالب بالحقوق، مما يُبرز حجم التراجع الذي تشهده الحريات في المغرب”.
وفي ظل هذه الأوضاع، شددت الرياضي على أن “الحديث عن الدولة الاجتماعية يصبح بلا معنى، إذ تتلاشى الشعارات أمام حجم الانتهاكات والمآسي التي يتعرض لها المتضررون”، مشيرة إلى أن “الوضع في الحوز يظل نموذجًا صارخًا للتهميش والحرمان، في وقت تتواصل فيه سياسة الصمت والتجاهل الرسمي، مقابل تصاعد الأصوات الحقوقية المطالبة بالعدالة والكرامة للمتضررين”.
الثلوج والأمطار تزيد الأوضاع سوءًا
من جانبه أكد محمد الديش، رئيس الائتلاف المدني من أجل الجبل، أن معاناة السكان المتضررين من زلزال الأطلس الكبير والحوز ما زالت مستمرة في ظل ظروف مناخية قاسية، حيث تنخفض درجات الحرارة بشكل كبير، وتتساقط الثلوج والأمطار، مما يزيد من تدهور أوضاع مساكنهم غير اللائقة.
وفي تصريح له لصحيفة “صوت المغرب”، قال الديش: “لقد عشنا مشاهد مأساوية حيث لا تزال العديد من الأسر تعيش في خيام بلاستيكية تضررت بفعل الأمطار الغزيرة، مما أدى إلى تلف ممتلكاتها القليلة التي تبقت لها بعد كارثة الزلزال”.
وأضاف أن هذه المشاهد “تكذب الادعاءات التي تفيد بأن عددًا قليلاً فقط من المتضررين ما زالوا يعيشون في الخيام، أو أنهم اختاروا البقاء فيها رغم توفرهم على مساكن بديلة”، مشددا على أن “غياب البدائل الحقيقية هو ما يجبر العديد من الأسر على البقاء في هذه الظروف القاسية”.
وأشار الديش إلى أن الوضع يزداد تعقيدًا مع حلول شهر رمضان، قائلاً: “شهر رمضان يعد من الأشهر المهمة للمغاربة الذين يحرصون على أداء شعائرهم الدينية في أجواء من الخشوع والتقاليد الاجتماعية مثل التضامن وتبادل الزيارات، ولكن السكان في هذه المناطق المحرومون من السكن اللائق يجدون أنفسهم عاجزين عن عيش هذه الأجواء كما هو الحال في باقي أنحاء البلاد، مما يثير تساؤلات حول مسؤولية الجهات المعنية في هذا التقصير”.
وفيما يخص “المعتقل الحقوقي” سعيد آيت مهدي، أكد الديش أن “الظلم وتكميم الأفواه لن يحلا مشاكل المواطنين، بل سيزيدان من تعقيدها”، مشددا على أن “المسؤولين مطالبون بفتح أبواب الحوار بدلاً من زيادة تعميق الأزمة من خلال قرارات تزيد من فقدان الثقة في نزاهة القضاء”.
وأنهى الديش تصريحه بتأكيده على ضرورة دعم المتضررين، قائلاً: “من واجب كل صاحب ضمير حي أن يقف إلى جانب هؤلاء المتضررين”، مشيرا إلى أن “هؤلاء المواطنون لم يخرجوا للاحتجاج بدافع شخصي، بل أجبرتهم الظروف القاسية على رفع أصواتهم بعدما تجاهل المسؤولون معاناتهم”.
أسر مقصية دون حلول
ومن جانبه أكد منتصر إثري، عضو التنسيقية الوطنية لضحايا زلزال الحوز، أن ما يعانيه المتضررون من الزلزال هو واقع قاسي ومؤلم يشكل انتهاكًا للكرامة الإنسانية، قائلا: إن “المتضررين يواجهون مصيرًا مجهولًا في خيام بلاستيكية متهالكة، يواجهون قسوة الطقس في الشتاء من أمطار رعدية وثلوج ورياح شديدة، وفي الصيف حرارة مفرطة”.
وأضاف إثري أن “الأسر التي استفادت من تعويضات الدولة لم تتلق المبلغ الكامل المخصص لمن فقدوا منازلهم بالكامل، حيث تم تقليصه إلى مبلغ 80 ألف درهم، بدلًا من 14 ألف درهم كما هو مقرر”، موضحا أن “هذا التحويل تسبب في تأخير كبير في عملية إعادة الإعمار، بالإضافة إلى البطء الشديد في توزيع الدفعات على المستفيدين”.
وتابع، أن “هناك أسرًا تم إخبارها بأن مناطقها غير قابلة للبناء، وتٌركوا في الخيام دون إيجاد حلول، رغم مرور عام ونصف على الكارثة”، مشيرا إلى إقصاء بعض الأسر من التعويضات، رغم أنها فقدت منازلها بالكامل، مؤكدًا في الوقت ذاته، أن “التجاهل الذي تتعرض له هذه الأسر يزيد من معاناتها”.
وأشار، في غضون ذلك، إلى أن “سياسة تكميم الأفواه والاعتقالات التي طالت المناضل سعيد أيت مهدي، رئيس التنسيقية، وأشخاص آخرين، ومحاولات قمع الأصوات المنتقدة من قبل بعض السلطات المحلية، لم تغير من الوضع المأساوي للضحايا”، معتبرا أن “هذا التجاهل والسياسات المتبعة لن تنجح في تهدئة الوضع أو تحسين الظروف القاسية التي يعيشها المتضررون”.