story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

حقائق بنيس عن الصحراء

ص ص

في هذا اليوم الذي نحيي فيه الذكرى 49 لتنظيم المسيرة الخضراء (6 نونبر 2024)، ونصبح بالتالي على بعد سنة واحدة من مرور نصف قرن كامل على تلك اللحظة التي اعتقدنا فيها أنها ستكون نهاية للاستعمار في أراضينا الصحراوية؛ يجدر بنا الالتفات إلى هذا الجيل الجديد من الباحثين الذين يوظفون خطاب الحجة والمنطق والعلم، بدل هواية ترديد العبارات الجوفاء التي استطابها الجيل السابق.
في هذا السياق تأتي وثيقة الكاتب والباحث والدبلوماسي سمير بنيس، وهي عبارة عن كتاب “وهم تقرير المصير: كيف اختطف الأكاديميون والصحفيون الناشطون قضية الصحراء الغربية”، لتفكك سرديات الصراع وتدحض ما تروج له وسائل الإعلام والنخب الفكرية الغربية من مغالطات حول قضية الصحراء.
اعتمادًا على أرشيفات الأمم المتحدة ومراجع تاريخية دقيقة، سعى بنيس في هذه الوثيقة إلى تصحيح المسار وتقديم رؤية متماسكة تُعيد الاعتبار لتاريخ الصحراء وارتباطها التاريخي والقانوني والاجتماعي بالمغرب.
بدأ بنيس بتسليط الضوء على دور الجزائر في تغذية النزاع ودعم جبهة البوليساريو، ليس من منطلق المبدئية أو التحرر، وإنما كجزء من استراتيجية جيوسياسية ترمي إلى فرض النفوذ الجزائري وتعزيز الهيمنة على حساب استقرار المنطقة.
ويكشف بنيس، عن وثائق استخباراتية أمريكية بالخصوص، كيف أن الجزائر عملت على إقامة كيان تابع لها في الصحراء يدين لها بالولاء، لتقويض سيادة المغرب وتعزيز موقع الجزائر في المنطقة المغاربية والشمال الإفريقي.
يشرح الكاتب كيف أن هذا الموقف لم يكن مجرد دعم لحق تقرير المصير، بل هو أداة للحفاظ على نفوذ الجزائر الجيوسياسي، وفرض هيمنة استراتيجية تمنع المغرب من لعب دور ريادي في إفريقيا، واستعادة مكانته التاريخية في المنطقة.
وفي الوقت الذي صدر فيه قرار محكمة العدل الأوربية الأخير حول شمل الصحراء باتفاقيات تجارية مع الاتحاد الأوربي، مستندا إلى فكرة “شعب الصحراء”، تتناول الوثيقة هذا المفهوم معتبرة إياه “أسطورة”.
يشير بنيس أن هذا المفهوم لم يكن ابنا شرعيا للتاريخ، بل هو صناعة سياسية تهدف إلى دعم سرديات الانفصال. ويوضح أن معظم سكان مخيمات تندوف، على سبيل المثال، ليسوا من الصحراويين الأصليين، بل ينحدرون من دول مجاورة مثل الجزائر ومالي.
ويسعى بنيس هنا إلى التأكيد على أن الحديث عن “شعب صحراوية” هو خطاب ملفق، يتم تضخيمه لتصوير النزاع كصراع بين شعب محلي وقوة احتلال، بينما يتجاهل هذا الخطاب ارتباط سكان المنطقة التاريخي بالقبائل المغربية.
يربط الكاتب هذا الطرح بالتحيز الإعلامي الغربي، لا سيما الصحافة الفرنسية، التي اختارت في كثير من الأحيان تبني الرواية الجزائرية، مقدمين المغرب كقوة احتلال، ومتجاهلين السياق التاريخي العميق الذي يؤكد صلة الصحراء بالمغرب.
هنا، يأتي يوجّ]ه بنيس النقد الأكثر وضوحا للصحافة الفرنسية، حيث يشير إلى أن وسائل الإعلام الغربية لم تكتفِ بنقل الرواية الجزائرية، بل ساهمت في تكريس فكرة “الاحتلال المغربي” والتشكيك في المواقف السيادية للمغرب، ما يعكس تأثير النخب السياسية الفرنسية التي لطالما واجهت نجاحات المغرب بمواقف متحفظة أو معادية، وذلك بسبب إرثها الاستعماري.
وتعرّج الوثيقة، التي صدرت قبل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمغاب وإعلانه الاعتراف بمغربية الصحراء؛ على التحول الجيوسياسي الأبرز في نزاع الصحراء، حين اعترفت الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء، وهو ما اعتبره بنيس نقلة نوعية زادت من وزن المغرب الدبلوماسي.
كما يشير الكاتب إلى التحول الإسباني الملحوظ في دعم خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب، ويوضح كيف ساهم هذا التحول في دفع الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة موقفه، خشية أن يُترك خارج التحالفات الاستراتيجية الجديدة التي ترسمها الرباط مع دول العالم الكبرى.
علاوة على ذلك، يشرح بنيس كيف يسعى المغرب لتوظيف الصحراء كنقطة انطلاق نحو تعزيز دوره الأفريقي، عبر مشاريع تنموية كبرى، مثل ميناء الداخلة الأطلسي، الذي يمثل بوابة للتواصل مع دول القارة، ويعزز من مكانة المغرب الإقليمية.
ويؤكد بنيس أن هذا التحول ليس مجرد محاولة لحل النزاع داخليا، بل هو جزء من رؤية مغربية شاملة تستهدف تعزيز التكامل الإقليمي والدولي.
ويستعرض بنيس كيف تتعامل المؤسسات الأوروبية مع النزاع من خلال مواقف ضبابية. فرغم توقيع الاتحاد الأوروبي على اتفاقيات صيد وزراعة تتضمن منطقة الصحراء، ظل الاتحاد يتجنب الاعتراف الصريح بسيادة المغرب عليها، وهو ما يصفه بنيس بازدواجية الموقف الأوروبي.
ويُحلل الكاتب هذا التناقض على أنه انعكاس لممارسة واقعية يفرضها السياق القانوني الدولي، الذي يعترف ضمنيا بسيادة المغرب رغم التحفظات المعلنة.
ولا يقتصر بنيس في تحليله على السياسة وحسب، بل يتناول الأبعاد الاجتماعية والنفسية للنزاع، مشيرا إلى أن العلاقات الجزائرية المغربية تعكس صراعا نفسيا قبل أن يكون جيوسياسيًا.
ويعرض الكاتب كيف استغل الخطاب الجزائري أحداثًا مثل المسيرة الخضراء واغتيال الرئيس الجزائري محمد بوضياف لتغذية العداء الشعبي ضد المغرب، متناسيًا دعوات المغرب المتكررة للحوار وتطبيع العلاقات. ليتضح كيف تستخدم الجزائر وسائل غير تقليدية، حتى في الرياضة، لتمرير رسائل سياسية تعزز من موقفها تجاه النزاع.
كتاب سمير بنيس دعوة ملحّة لإعادة قراءة النزاع من منظور أكثر توازنًا، يحترم الحقائق التاريخية ويدعو إلى معالجة النزاع بعيدًا عن التلاعب الإعلامي والسرديات الأيديولوجية. وهو دعوة موجهة للمجتمع الدولي كي يتبنى رؤية موضوعية تأخذ في الاعتبار الحقائق التاريخية والجغرافية التي تؤكد حق المغرب في الصحراء، مع التركيز على الوصول إلى حل سياسي دائم يحترم مصالح جميع الأطراف، بما فيها المغرب وسكان الصحراء.
قراءة ممتعة..