story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
الصوت الواضح |

حزب “بريفي” ومال سائب

ص ص

تمنحنا بعض الوقائع والوثائق فرصة الحصول على صورة شاملة ومعبرة، كما هو الحال مع التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات، والمتعلق بتدقيق حسابات الأحزاب السياسية وفحص نفقاتها في علاقة بالدعم العمومي لسنة 2022.
إذا نظرنا إلى الحقل الحزبي كسوق، سنجد أن رقم معاملاته يفوق ال 15 مليار سنتيم، هو مجموع الموارد المالية للأحزاب، لكنها سوق تعاني الاحتكار والتركيز الاقتصاديين، حيث يستحوذ حزبان سياسيان، هما التجمع الوطني للأحرار والأصالة والمعاصرة، على 59 في المئة من “رقم المعاملات”، وتستأثر ثمانية أحزاب فقط بـ93 في المائة من الموارد المالية.
الخلاصة التي ينتهي إليها المطّلع على هذه الوثيقة التي تضم قرابة 180 صفحة، هي استحالة تحقيق أي من الأحلام الوردية التي تراودنا بين النوم واليقظة، بالديمقراطية ودولة المؤسسات، بل تكاد الوثيقة تبرر كل ما يقوم به “المخزن” في حق الأحزاب وما يرتبط بها.
في الجزء المخصص لتدقيق حسابات كل حزب سياسي على حدة، توجد فقرة تكشف قيمة موارده ونفقاته المالية، والمثير هو أن الحزب الذي يقود الحكومة الحالية، يشكل استثناء فريدا، من خلال حصوله على القسم الأكبر من تمويله من مصادر غير عمومية.
لقد جمع حزب الحمامة ما يفوق 50 مليون درهم خلال 2022، أكثر من نصفها عبارة عن “هبات وتبرعات”، أي مال خاص محض، بما يناهز 26 مليون ونصف مليون درهم. وإذا أضفنا إلى ذلك قرابة خمسة ملايين درهم هي مجموع واجبات الانخراط والمساهمات، يصبح أكثر من 60 في المائة من تمويل هذا الحزب من أموال خاصة، الله والمجلس الأعلى للحسابات أعلم بمصادرها.
وإذا علمنا أن هذا الحزب أرجع للدولة أكثر من 12 مليون درهم، لم يستعملها بعدما تلقاها كمساهمات من الدولة في الحملات الانتخابية المختلفة التي جرت في 2021، سنجد أننا أمام استثمار خاص في سوق السياسة، يدفع إلى التساؤل عن الـbusiness plan الذي يعتمده هذا الرأسمال الخاص، والغايات والأهداف التي يرمي إليها، بما أنه يأتي من جيوب وحسابات خواص لا دليل لدينا حتى الآن على أنهم أنبياء أو ملائكة.
تعالوا الآن إلى الموضوع المستجد في تمويل الأحزاب السياسية من المال العام. وتذكروا أن الملك جاء إلى البرلمان في أكتوبر 2018، وأمر في خطاب افتتاح السنة التشريعية بتخصيص دعم مالي جديد للأحزاب، من أجل تعزيز قدراتها في مجال البحث والدراسات، وقامت الحكومة بتفعيل هذا القرار عبر مرسوم صدر في 2022 وبدأ تنفيذه في السنة نفسها.
يخبرنا تقرير المجلس الأعلى للحسابات أن سبعة أحزاب تقدمت للحصول على هذا الدعم، ونالت ما مجموعه 20 مليون درهم. هل تريدون معرف ماذا فعلت الأحزاب بالملياري سنتيم؟ اتبعوني..
حصل حزب التجمع الوطني للأحرار على أكثر من خمسة ملايين ونصف مليون درهم، ووزعها بين ثلاث شركات (مكاتب دراسات)، وآلت حصة الأسد لمكتب اسمه SOUTHBRIDGE، بما يناهز ثلاثة ملايين ونصف مليون درهم.
هذا المكتب ليس سوى شركة العضو والقيادي السابق في الحزب، حسن بلخياط، والذي حصل، للصدفة، على ميزانيات الدراسات في كل من مجلسي جهتي سوس ماسة وكلميم واد نون، أي الجهات التي يتولى حزب التجمع الوطني للأحرار رئاستها.
لاحظ المجلس الأعلى للحسابات نفسه كيف أن التسبيقات المالية التي صرفت لهذه المكاتب المحظوظة صرفت خارج الأجل القانوني، ودون تقديم ما يثبت إنجاز أية خدمة في مقابلها. كما لاحظ المجلس غياب أي مؤشر عن تفعيل مبدأ المنافسة في منح هذه الصفقات. أما نتائج هذه الدراسات فاعتبرها حزب الحمامة في رده على المجلس “ملكية فكرية خاصة” لا يمكنه مشاركتها، وبالتالي لا سبيل للتحقق مما إن كان هذا المال العام قد أنتج شيئا من الأصل.
ننتقل إلى الحزب الثاني في الحكومة، الأصالة والمعاصرة. هذا الأخير لم يحمّل نفسه عناء توزيع الأربعة ملايين و360 إلف درهم على أكثر من “مستفيد”، وحوّلها بالكامل إلى مركز يحمل اسم “الحـوار العمومي والدراسات المعاصرة”، والذي تأسس سنة 2020، ويشرف على تسييره مكتب تنفيذي يرأسه الأستاذ سعيد ناشيد.
قسّم حزب الجرار ال 436 مليون سنتيم (بما يرضي الله) بين 8 دراسات يفترض أن المركز مكلف بإنجازها، تتعلق بمدونة الأسرة والحريات الفردية والقانون الجنائي والمرأة البامية… ولاحظ قضاة المجلس الأعلى للحسابات من جديد غياب أي مؤشر للتنافس حول هذه الصفقات، ولا مبرر تحويل تسبيق بقيمة مليون درهم، ولا وجود دراسات فعلية تبرر التصرف في هذا المال العام، حيث امتنع الحزب عن إمداد المجلس بأية دراسة بمبرر كونها “داخلية”…
اتبعوني إلى حالة حزب الاتحاد الاشتراكي، هنا نجد أن السيد إدريس لشكر نجح في تجنب مشكلة وقعت فيها جل الأحزاب، وهي صرف هذا الدعم خارج الأجل القانوني، لكونه صرف لها في نهاية 2022 بينما ينص القانون على ضرورة صرفه في السنة نفسها.
الحل الذي اهتدت إليه الوردة، هو تحويل مبلغ الدعم بالكامل، وهو 185 مليون سنتيم، إلى شركة للدراسات والاستشارة، في غياب أية مسطرة للمنافسة أو عقد يتضمن تفاصيل الخدمة، ولا تقديم أي مقابل ملموس قبل التوصل بالمال…
بعدما تمكن المجلس من الحصول على 21 دراسة من أصل 23 دراسة التي قال الاتحاد الاشتراكي إنه كلف مكتب الدراسات بها، اكتشف القضاة أن الأمر يتعلق ب”عروض أو مذكرات موجزة تتضمن معلومات واقتراحات عامة متوفرة للعموم”، وذلك مقابل 185 مليون، إيه نعاماس.
وفيما “اجتهد” حزب الاستقلال في توزيع الأربعة ملايين درهم التي حصل عليها بين خمسة مكاتب دراسات، دون أن يقنع المجلس الأعلى للحسابات باعتماد قواعد المنافسة في الانتقاء ولا إمداده بالدراسات المنجزة، نختم مع حزب العدالة والتنمية، الذي توصل بمليون درهم “وشي صريّف” كدعم تكميلي خاص بالبحث والدراسات.
منح عبد الاله بنكيران 30 مليون سنتيم لشبيبة الحزب لإنجاز دراسة حول السياسات العمومية الموجهة للشباب، و30 أخرى لشركة خاصة لإعداد دراسة حول تطوير رقمنة الوظائف الحزبية، و16 مليونا لمكتب استشاري خاص، و10 ملايين لمركز استشاري يسيره نائب الأمين العام السابق، سليمان العمراني، بينما آل مبلغ 14 ألف و400 درهم للقيادي في صفوف الحزب، مصطفى الخلفي، لطبع دراسة حول مدونة الأسرة.
هل لاحظتم كيف يتوزع الحقل الحزبي المغربي بين “استثمار خاص” في السياسة، و”بزنس خاص” من أموال السياسة؟
إيوا تعض ولا نعض؟