حرب “بوحمرون” متواصلة.. حقوقيون: حملة متأخرة وتفشي الداء سببه تقصير وطني
فتك داء الحصبة (بوحمرون)، حتى الآن، بأزيد من 20 شخصاً معظمهم من الأطفال بكل من إقليم شيشاوة وإقليم تنغير، حسب ما صرحت به مصادر صحية وحقوقية لـصحيفة “صوت المغرب”، يأتي ذلك في وقت تتواصل فيه حملات التلقيح التي تنظمها وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بعدد من الأقاليم للحد من انتشار هذا الداء.
وبالتزامن مع ذلك تطفو على السطح “اختلالات على مستوى قطاع الصحة والبنية التحتية بهذه المناطق”، يرى حقوقيون أنها أسهمت في انتشار المرض، كما تسهم اليوم في تبطيء سرعة استئصاله ما يسمح باستمرار إمكانية انتشاره بين دواوير الأطلس أو ما يُصطلحُ عليه بـ”المغرب العميق”، في إشارة إلى صعوبة ولوج المواطنين بهذه المناطق إلى الخدمات الصحية الأساسية.
10 وفيات بشيشاوة
وفي غياب معطيات رسمية من طرف السلطات المحلية، يقول محمد أنفلوس رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بشيشاوة، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن عدد الوفيات بداء الحصبة بلغ 10 حالات، معدداً منها حالتين لسيدة وابنها في قرية أيت حدو يوسف، وحالة واحدة لسيدة في الوسط الحضري بمدينة شيشاوة، وأخرى لتلميذة في جماعة أروهالن نواحي إمنتانوت لافتاً إلى أن هذه الأخيرة تُعد أول حالة وفاة بداء الحصبة في الإقليم.
من جهته، تحدث رئيس فيدرالية جمعيات سكساوة أمين آيت منصور عن وقوع 8 حالات وفاة بداء الحصبة على مستوى قيادة سكساوة وحدها، وقال لـ”صوت المغرب”: إنه تم رصد 3 حالات من بينها في جماعة لاله عزيزة، و4 حالات في جماعة أيت حدو يوسف، وحالة واحدة في جماعة سيدي غانم.
ويرى الفاعلان المدنيان أن “تدخل مندوبية الصحة جاء متأخراً”، حيث أن الوباء بدأ ينتشر بالإقليم منذ دجنبر 2023 “إلا أن المديرية الإقليمية للصحة والحماية الاجتماعية لم تتدخل حتى غشت 2024”.
غياب سيارات الإسعاف
وينتقد آيت منصور غياب سيارات الإسعاف حيث أن جماعة لالة عزيزة -على سبيل المثال- تتوفر على 3 سيارات إسعاف فقط، “واحدة منها كانت هبة خلال ظرفية الزلزال ولا ندري اليوم أين اختفت!”، حسب تعبيره “بينما لا تعمل الثانية بسبب عطل تقني لتتبقى سيارة إسعاف واحدة بهذه القرية الجبلية من أصل 3 سيارات”، مشيراً إلى أن حتى هذه الأخيرة خُصصت في هذه الفترة لنقل أطر الصحة بين الدواوير من أجل تقديم اللقاح للناس.
وانعكس هذا الأمر على وتيرة سرعة إنقاذ المرضى من المواطنين سواء الذين يعانون من داء الحصبة أو أمراض أخرى، حسب المصدر ذاته، والذي أوضح أنه يوم الأحد الماضي لم تستطع مريضة قلب أن تحظى بسيارة إسعاف لتقلها من القرية إلى المركز الصحي بعد تدهور حالتها.
ويشير أمين آيت منصور إلى أن هذا الوضع يشكل خطراً على المصابين بداء الحصبة، خاصة عندما يتمكن المرض من الجهاز التنفسي للأطفال الذين لا يستطيعون التحمل، متسائلاً “أين نجد سيارات الإسعاف من أجل إنقاذهم؟”.
وهو الأمر الذي يؤكده رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بإقليم شيشاوة قائلاً: “في الغالب لا تتوفر سيارة الإسعاف، وحتى إذا توفرت لا تكون مجهزة بشكل جيد، ما قد يتسبب في وفيات بالطريق في غياب جهاز التنفس أو الإسعافات الأولية”، هذا إن لم تخضع لمنطق الحسابات الانتخابية، حسب المتحدث.
موارد بشرية لا تكفي
وبينما سجل آيت منصور بلوغ عدد الحالات التي تلقت اللقاح بين 50 و100 حالة في كل قرية من دواوير جبال سكساوة بدائرة إمنتانوت، يلفت الحقوقي محمد أنفلوس إلى أنه توجد مناطق لم تصلها بعد حملات التلقيح، ذكر منها جماعة إميندونت بدائرة مجاط التي قبل 4 أيام فقط من اليوم الثلاثاء 13 غشت الجاري “كان مواطنون فيها يشتكون لدى الجمعية عدم استفادتهم من الحملة”.
ويقول محمد أنفلوس المسؤول الحقوقي: “توجد حملات طبية ولو أنها أتت متأخرة، لكن الطاقم البشري لا يكفي سواء لهذا العدد من الدواوير أو اعتباراً للمسالك الطرقية الوعرة التي تحول بينهم وبين المصابين”.
ويضيف المتحدث ذاته “نسجل أن المراكز الصحية بعدد من الجماعات شبه مهجورة”، مشيراً إلى أن “جماعة ايت حدو يوسف مثلاً تتوفر على مركز صحي واحد به ممرضتين ليس بحوزتهما اللقاحات ولا آليات الاشتغال”، منتقداً إرسال الحالات التي تتوافد عليه سواء المصابة بداء الحصبة أو غيره إلى إمنتانوت ومن هناك إلى المستشفى الإقليمي بمدينة شيشاوة ثم إلى مستشفى محمد السادس بمراكش، وما يصاحب ذلك من ظروف تنقل المريض بدءاً من الدابة إلى البحث عن “خطاف”، وما يترتب عنها من مصاريف تثقل كاهله.
ويشدد الحقوقي على أن المراكز الصحية في الإقليم تعاني نقصاً حاداً على مستوى الموارد البشرية، وأبسط التجهيزات واللقاحات، لافتاً إلى أنه يوجد من بينها مراكز مغلقة “مثل الذي يقع في جماعة لالة عزيزة”.
تقصير وطني
ويرى أنفلوس أن تفشي وباء الحصبة أو ما يسميه المغاربة “بوحمرون” هو نتيجة لـ “تقصير على الصعيد الوطني” محملاً المسؤولية للحكومة ووزارة الصحة والحماية الاجتماعية خاصة بعد غياب حملات الصحة المدرسية والتلقيح منذ سنوات، إضافة إلى وزارة التجهيز باعتبار العزلة التي يعيشها سكان هذه المناطق بسبب بنية تحتية غير مساعدة للوصول إلى المراكز الصحية جراء طبيعة الطرق والمسالك الوعرة بالإقليم التابع لجهة مراكش آسفي.
كما يعتبر أن ربط انتشار هذا المرض بفترة تفشي فيروس كورونا (كوفيد-19) ليس مبرراً، “لأن عملية التلقيح توقفت منذ سنوات مع اختفاء برامج الصحة المدرسية والحملات التي كانت تستهدف المدارس وأحياناً الدواوير، كما كانت اللقاحات متوفرة حتى بالمراكز الصحية، التي لم يعد الناس يجدون فيها اليوم لقاحاً أو طاقماً كافياً يهتم بعملية التلقيح”.
حالة طوارئ
وكان مندوب وزارة الصحة والحماية الاجتماعية في شيشاوة محمد الموس قد كشف لصحيفة “صوت المغرب”، أن الإقليم دخل الإثنين 5 غشت 2024 ”حالة الطوارئ الصحية” مشيراً إلى أن جميع المراكز الصحية التابعة لمندوبية وزارة الصحة والحماية الاجتماعية تأهبت لرصد الإصابات والتكفل بالحالات المريضة.
وقال إن المندوبية باشرت حملة تشخيص بمختلف مناطق الإقليم التابع لجهة مراكش آسفي بدءاً من دائرة إمنتانوت “التي أرسلت إليها 6 أو 7 فرق صحية لمتابعة الوضع في الميدان”، مروراً بدائرة مجاط ثم امتوكة وانتهاء بدائرة شيشاوة.
وقال الموس إن الرفع من وتيرة المتابعة الصحية لمرض الحصبة خلال هذه الفترة يأتي بعد رصد السلطات المختصة تفشي المرض بشكل كبير في المنطقة، ما تطلب تنظيم حملة تشخيص واسعة لمتابَعة الحالات المشتبه في إصابتها، بموازاة حملة تلقيح تستهدف الأطفال، والبالغين الذين لم يستفيدوا من اللقاح ضد “بوحمرون”، مشدداً على أنه سيجري في الأيام المقبلة زيادة عدد الأطقم الصحية لتغطي جميع الدواوير التابعة للإقليم.
تنغير: 15 وفاة
وفي إقليم تنغير بجهة درعة تافيلالت، بلغ عدد الإصابات بداء الحصبة حتى الأربعاء 7 غشت الجاري 634 إصابة بينما فاق عدد الوفيات أزيد من 15 حالة وفاة، حسب مصدر من المديرية الإقليمية للصحة والحماية الاجتماعية، الذي أوضح أن أكثر المناطق المتضررة من هذا المرض هي “أيت هاني” في دائرة أسول والذي شهد تسجيل أول وفاة، و”امسمرير” و”إغيل ن أمكون” بدائرة بومالن دادس.
وأشارت مصادر محلية من منطقة “إغيل ن أمكون” الجبلية إلى أن هذه الأخيرة وحدها سجلت 11 وفاة بسبب داء الحصبة، بينها 5 في دوار “أوزيغمت” و3 في “أمسكار ن وقا” ووفاتين في “ترݣا تزݣغت” ثم وفاة واحدة في “أيت موسى وداوت”، مبينة أن 419 مواطناً استفادوا من اللقاح بتاريخ 24 يوليوز المنصرم بهذه المنطقة، التي عرفت انتشاراً واسعاً لداء الحصبة بين الأطفال خصوصاً، في نواحي قلعة مكونة.
هذا وسجل كل من دوار “أمان نقيدر” قرب مدينة تنغير 3 وفيات لسيدة وطفلتيها، إضافة إلى وفاتين على الأقل في دائرة أنليف، و4 وفيات في دوار “تيلمي” بمنطقة امسمرير.
وأفادت مصادر من مديرية الصحة والحماية الاجتماعية بإقليم تنغير لصحيفة “صوت المغرب”، أنه تم تنظيم 159 وحدة متنقلة ضمن حملة واسعة للمديرية في مواجهة داء الحصبة بمشاركة 18 فريق صحي، استفاد خلالها 10 آلاف و783 مواطناً من التلقيح بنسبة فاقت 98 بالمائة منذ مارس 2024.
وقالت المصادر ذاتها إنه “لا يوجد خصاص على مستوى الأدوية اللازمة بالإقليم”، مشيرة إلى أن معظم الإصابات تتم معاينتها بمستشفى القرب بقلعة مكونة.
وأوضحت أنه تمت السيطرة على الوضع في “أيت هاني”، بينما عاد دوار “امسمرير” ليسجل حالات إصابة جديدة في الآونة الأخيرة بالتزامن مع استمرار تشخيص الإصابات وتقديم اللقاح للمواطنين.
وبينما أكدت مصادر “صوت المغرب” أن داء الحصبة لا يشكل خطورة في الوسط الحضري، يتضح أن الرحل هم الفريسة الأولى لـ”بوحمرون” حيث يُعدّون الأكثر عرضة للإصابة في الإقليم التابع لجهة درعة تافيلالت جنوبي شرق المملكة.
ويجد البدو الرحل وكذلك المقيمون في الأوساط القروية والجبلية صعوبة في الولوج إلى المؤسسات الصحية، فضلاً عن عدم استفادة معظمهم من اللقاحات ضد المرض خاصة بين البدو.