حرب الرمال.. الاصطدام الأول
بعد المواجهة العسكرية المعروفة باسم “حرب الرمال”، تشكلت في البداية لجنة مكونة من المغرب والجزائر ومصر وليبيا وتونس ولبنان، وأصدرت اللجنة قرارها بوقف إطلاق النار، وسحب القوات إلى ما وراء الحدود، وإثبات تعهد الجزائر بعدم وضع قوات في حاسي بيضا وتنجدوب بعد انسحاب المغرب.
قدّم كل من الرئيس المصري جمال عبد الناصر والإمبراطور الإثيوبي هيلا سلاسي مقترح عقد اجتماع عربي-إفريقي لبحث الأزمة، لكن الجزائر أصرت على حل المشكلة إفريقيا، فعقد مؤتمر في العاصمة المالية باماكو في 9 أكتوبر 1963، واتخذ عدة قرارات منها وقف القتال في الثاني من نونبر 1963، وتحديد منطقة منزوعة السلاح، وتعيين مراقبين من الدولتين لضمان حياد وسلام المنطقة، ثم تشكيل لجنة تحكيم لدراسة مشكلة الحدود بينهما وتقديم مقترحات إيجابية.
بعد سلسلة اجتماعات عقدت في الرباط، وباماكو، والقاهرة، والجزائر، وبيروت؛ تحسنت العلاقات، وتم تبادل الأسرى، وتبادلت الدولتان السفراء وتقرر وقف الحملات الدعائية من كلا الطرفين، كما تم الاتفاق على دعم التبادل التجاري وإلغاء الرسوم الجمركية بينهما، ليتوّج هذا المسار بتوقيع معاهدة الأخوة وحسن الجوار بين المغرب والجزائر منتصف يناير 1969.
تنص المادة الأولى من هذه الاتفاقية على إقامة “سلم دائم وصداقة متينة وجوار مثمر ينبع من روح وضمير الأخوة العريقة بين الشعبين الشقيقين ويهدف إلى تشييد مستقبل مشترك”.
وتشير المادة الرابعة إلى طريقة فض النزاعات بين البلدين، إذ “يحرم الطرفان المتعاقدان استعمال وسائل العنف بينهما ويعملان على حل هذا النزاع بالوسائل السلمية طبقا لروح الصداقة والأخوة وحسن الجوار، وعملا بمبادئ وقرارات منظمة الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية”.
ويلتزم الطرفان، وفقا لبنود المعاهدة، بعدم الانخراط في أي حلف وتحالف موجه ضد أحدهما، على أن تبقى هذه المعاهدة نافذة المفعول لمدة عشرين سنة ابتداء من تاريخ دخولها حيز التنفيذ، وتُجدد تلقائيا لمدة عشرين سنة أخرى، ما لم يصدر عن أحد الطرفيْن المتعاقديْن إشعار كتابي إلى الطرف الآخر بالرغبة في إلغائها، وذلك قبل انتهائها بسنة.
الحسن الثاني خائف على بومدين
لم تكد تمر سنة على هذه الاتفاقية حتى ظهر مستجد جديد، وهو الانقلاب الذي قاده العقيد معمر القذافي، المدعوم من طرف مصر الناصرية، في دجنبر 1969. بسرعة شعر الملك الحسن الثاني بخطر ذلك، كما أكدت ذلك وثائق أمريكية، إذ اعتبر أن الخطوة المقبلة للرئيس المصري جمال عبد الناصر ستكون هي القضاء على الرئيس الجزائري هواري بومدين، من خلال تشجيع قوى تنظم الانقلاب عليه.
يعود سبب تفكير عبد الناصر في هذا الأمر، حسب الحسن الثاني، إلى كون بومدين كان رافضا لزعامة مصر للعالم العربي، لذلك توقع الحسن الثاني أن عبد الناصر سيشجع أو سيختار شخصا من الجزائر يكون أكثر استعدادا لقبول قيادة عبد الناصر للعالم العربي، وهكذا طلب الملك من أمريكا أن تتدخل من أجل حماية الرئيس الجزائري من أي انقلاب عليه.
في هذا السياق، مضى المغرب والجزائر في تطوير علاقاتهما الثنائية، وأبديا رغبة متبادلة في طي صفحة الخلاف الحدودي. ومن أجل ضرب المثل للدول الإفريقية، استغل قائدا الدولتين مناسبة المؤتمر التاسع للقمة الإفريقية الذي عقد في المغرب يومي 15 و16 يونيو 1972 ليقوما بالتوقيع على الاتفاقية المتعلقة بالحدود.