حرب الذكاء الاصطناعي.. هل باتت الصين في مواجهة نفسها؟
في وقتٍ كان يعتقد فيه الكثيرون أن الصين بدأت تتأخر في سباق الذكاء الاصطناعي، تاركة المجال مفتوحًا أمام الشركات الأمريكية، فاجأ التنين الصيني العالم بإعلانه عن نموذج جديد، كان بمثابة عاصفة هزت قطاع التكنولوجيا، ووصل مداها إلى الأسواق المالية في “وول ستريت” التي تأثرت بشكل كبير.
في غضون أيام، كشفت الصين عن ثلاثة نماذج متطورة، قادرة على مجاراة أو حتى التفوق على نموذج “O1” الأحدث من “تشات جي بي تي”. أولها “DeepSeek-R1” الذي كان محور اهتمام العالم مؤخرًا، تبعه “Qwen 2.5-Max” من شركة “علي بابا”، ثم “Kimi k1.5” من شركة صينية أخرى، حتى بدأ الجميع يعتقد أن الشركات الصينية باتت في مواجهة نفسها.
- لماذا يُعتبر الإعلان عن نموذج “DeepSeek-R1” تطورًا مهمًا في عالم الذكاء الاصطناعي؟
لطالما أقنعت الشركات الأمريكية المستثمرين حول العالم بأن تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي المتقدمة يتطلب استثمارات ضخمة تُقدَّر بمئات المليارات من الدولارات. يذهب الجزء الأكبر منها إلى وحدات معالجة الرسوميات (GPUs)، وهي الرقائق الأساسية المستخدمة في تدريب وتشغيل هذه النماذج.
هذا التوجه أدى إلى ارتفاع كبير في سوق رقائق الذكاء الاصطناعي عالميًا، خاصة مع سيطرة شركة “Nvidia” الأمريكية على هذا القطاع، مما جعلها تحتل المرتبة الثالثة عالميًا من حيث القيمة السوقية، متفوقة على “Amazon” و”Meta”.
لكن مع إعلان “DeepSeek” عن نموذجها الجديد، بدأ المستثمرون في إعادة النظر في هذه الرواية التي دفعت الأسواق إلى مستويات قياسية خلال العامين الماضيين، فقد صرحت الشركة الصينية بأنها استغرقت شهرين فقط وأقل من 6 ملايين دولار لتطوير النموذج، وهو جزء بسيط جدًا مقارنة بالتكاليف التي تحملتها شركات مثل “OpenAI” و”Meta” لتطوير نماذجها المتقدمة.
ونتيجة لذلك، شهدت أسهم شركات التكنولوجيا تراجعًا حادًا وسريعًا منذ صباح الاثنين الماضي، حيث تراجعت أسهم “Nvidia” بنسبة 17%، ما أدى إلى محو نحو 600 مليار دولار من قيمتها السوقية، في أكبر انخفاض يومي في تاريخ سوق الأسهم الأمريكي، وفقًا لوكالة بلومبرغ.
كما تكبدت شركات “السبعة الكبار” (Alphabet، Amazon، Apple، Meta، Microsoft، Nvidia، وTesla) خسائر بلغت نحو 1 تريليون دولار، مقارنة بإجمالي قيمتها البالغ 17 تريليون دولار، وفقًا لبيانات بلومبرغ.
- ما صحة ادعاءات شركة “DeepSeek” بخصوص كلفة نموذجها ؟
رقم 6 ملايين دولار أثار شكوك العديد من المحللين الأمريكيين حول مدى صحة ادعاءات “DeepSeek” بأنها طورت نموذج R1 بميزانية محدودة ودون الاعتماد على رقائق الذكاء الاصطناعي الأمريكية، خاصة أن الولايات المتحدة تحظر تصدير هذه الرقائق إلى الصين في محاولة لكبح تقدمها في هذا المجال.
في هذا السياق، صرح ألكسندر وانغ، الرئيس التنفيذي لشركة “Scale AI”، في مقابلة مع قناة “CNBC” يوم الخميس (دون تقديم أدلة) بأن “ديب سيك” (DeepSeek) طورت نموذجها باستخدام حوالي 50 ألف شريحة من “Nvidia”، لكنها لا تستطيع الإعلان عن ذلك، لأن ذلك سينتهك قيود التصدير الأمريكية التي تحظر بيع هذه الرقائق للشركات الصينية.
وقد دعم هذه النظرية إيلون ماسك، الذي علّق على تصريحات ألكسندر وانغ عبر منصته “إكس” (تويتر سابقًا)، قائلًا إنها “صحيحة بشكل واضح”.
من جانبه، أكد ستيسي راسغون، أحد أبرز المحللين الماليين لأسواق أشباه الموصلات والتكنولوجيا، في حوار على قناة “CNBC”، أن التكلفة المعلنة البالغة 6 ملايين دولار قد تعكس فقط ما دفعته “ديب سيك” لاستئجار بعض البنية التحتية لتدريب نماذجها، لكنها لا تشمل التكاليف الأخرى الأساسية مثل البحث السابق، التجارب، الخوارزميات، البيانات، وغيرها.
وأضاف: “النماذج تبدو رائعة… لكننا لا نعتقد أنها معجزة.”
- كيف كان رد فعل الحكومة الأمريكية على إطلاق نموذج “DeepSeek-R1″؟
لم يعد السباق على تطوير نماذج الذكاء الاصطناعي مقتصرًا على شركات التكنولوجيا فقط، بل تحول إلى ساحة رئيسية في الصراع التكنولوجي بين الولايات المتحدة والصين.
دفع هذا الصراع واشنطن، منذ عام 2022، إلى فرض قيود صارمة على تصدير الرقائق المتطورة إلى الصين، مهددة بفرض عقوبات مالية كبيرة على أي جهة تحاول تجاوز هذه الإجراءات.
وفي مواجهة هذه القيود، كثفت الصين جهودها لبناء منظومة بيئية محلية (Ecosystem)، تهدف من خلالها إلى تقليل اعتمادها على التقنيات الأمريكية، والابتعاد عن الهيمنة التي فرضتها شركات تصنيع الرقائق المتقدمة، وعلى رأسها “Nvidea”.
لكن الإعلان عن نموذج “ديب سيك” لم يخلُ من اتهامات أمريكية بسرقة الملكية الفكرية. حيث أشار ديفيد ساكس، المسؤول عن سياسات الذكاء الاصطناعي والعملات الرقمية في إدارة الرئيس دونالد ترامب، إلى احتمال وجود سرقة تقنية في تطوير النموذج.
وربط ساكس قِصر فترة تطوير النموذج الصيني باستخدام تقنية التقطير من نموذج أمريكي، وهي طريقة مثيرة للجدل في عالم الذكاء الاصطناعي، حيث تعتمد على استخدام مخرجات نماذج ضخمة ومعقدة لتدريب نماذج أصغر حجمًا وأكثر كفاءة.
وأضاف ساكس خلال مقابلة على قناة “فوكس نيوز” “أعتقد أن الأشهر المقبلة ستشهد خطوات جديدة من شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية لمحاولة منع تقنية التقطير، مما سيؤدي بلا شك إلى إبطاء بعض هذه النماذج المقلدة.”
من جانبها، صرّحت شركة “أوبن إيه آي” يوم الثلاثاء بأن الشركات الصينية تحاول باستمرار الاستفادة من التقنيات الأمريكية لتحسين نماذجها، مؤكدة أنها ستتخذ إجراءات جديدة لحماية ملكيتها الفكرية.
- ماذا بعد إطلاق نموذج “DeepSeek-R1” الصيني؟
استنادًا إلى تاريخ المواجهات التجارية المتكررة بين الولايات المتحدة والصين، يبدو أن الطريق لن يكون سهلا أمام الصين، خاصة بعد تصريحات ترامب التي أكد فيها أن إطلاق الذكاء الاصطناعي من شركة صينية يجب أن يكون بمثابة دعوة يقظة للصناعة الأمريكية.
في السياق ذاته، قال ديفيد ساكس إن شركات الذكاء الاصطناعي الأمريكية أصبحت مشتتة بعض الشيء وربما أصيبت ببعض التراخي.
ومن جانبه، وصف سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة أوبن إي آي، النموذج الذي طورته “ديب سيك” بأنه مثير للإعجاب، مضيفًا أنه من الجيد أن يكون هناك منافس جديد في السوق.
كما عبّر عدد من المحللين عن تفاؤلهم بمستقبل الصناعة الأمريكية بعد الإعلان الصيني، متسائلين: إذا تمكنت “ديب سيك” من تحقيق هذا الإنجاز باستخدام معالجات أقل قوة، فماذا يمكن أن تفعل هذه النماذج إذا حصلت على أحدث المعالجات المتوفرة للولايات المتحدة؟