حامي الدين: إصلاح الحقل الحزبي مشروط بإصلاح النسق السياسي برمته
اعتبر عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عبد العالي حامي الدين، أن إصلاح العطب الذي يتخلل الحقل الحزبي بالمغرب، يتطلب مجهودات مضاعفة، “لارتباطه الوثيق بأعطاب واختلالات تطال النسق السياسي برمته”، مشددا على أن أي محاكمة لفعالية الأحزاب وآليات عملها يجب ألا تتم بمعزل عن المجال السياسي العام الذي تشتغل فيه وضمنه هذه المؤسسات السياسية.
وأوضح القيادي في حزب “المصباح”، خلال الندوة الوطنية حول “تحولات الحقل الحزبي المغربي” التي نظمتها جامعة محمد الخامس بالرباط يوم الأربعاء 03 دجنبر 2025، أن “الأزمة الحزبية لا ترتبط بضعف التأطير أو هشاشة الوساطة و التمثيل السياسي، بل تمتد إلى طبيعة المشروع السياسي بأكمله”.
ولفت المتحدث إلى أن فهم مكامن الخلل الذي يعتري عمل الأحزاب و نجاعته، لابد من فهم عميق لطبيعة الدولة وآليات اشتغالها، معتبرا أن فهم الحقل الحزبي يقتضي فهم النسق والمناخ السياسي، الذي تتوفر للاحزاب ضمنه ظروف الاشتغال والفعل.
وأردف قائلا: “باعتباره مجالا محدودا لا يتيح للأحزاب، مساحات كافية من الديمقراطية، وحرية الفعل السياسي، والتحديث والإبداع، فإن المناخ السياسي الحالي يتنافى مع شروط إمكان بروز هذه الأحزاب كفاعل سياسي أساسي كما هو الحال في الأنظمة الديمقراطية”.
وعزى أستاذ العلوم السياسية و القانون الدستوري، بجامعة محمد الخامس بالرباط، فشل الأحزاب السياسية في السياق المغربي، أمام وظائفها في ممارسة أدوار الوساطة بين الدولة والمجتمع عبر التمثيل السياسي، إلى مجموعة من العوامل التاريخية والسياسية والاجتماعية أهمها ماتعلق بنشأتها -كظاهرة مستوردة- ونموذج للممارسة السياسية، في سياق مغربي خاص.
“وذلك على خلاف السياق الأوروبي الذي اتسم بتطورات ثقافية واقتصادية وارتبط بثورات فكرية وسياسية، وطبع بتزايد الطلب الشعبي على المشاركة في تدبير الشأن العام، وبناء مجال سياسي مستقل عن هيمنة قوى سياسية أو دينية ظلت مستأترة بالتحكم في دواليب السلطة و صنع القرار السياسي”، يضيف المتحدث.
وتابع حامي الدين أنه في مقابل ذلك، “ارتبطت نشأة الظاهرة الحزبية في المغرب، -في فترة الحماية- بالحركة الوطنية التي كانت تناضل من أجل المطالبة بالاستقلال، و شكلت خلايا المقاومة الأنوية الأساسية للتنظيمات الحزبية و السياسية”.
واستطرد في هذا الصدد، أن وظائف هذه التنظيمات وغايات انبثاقها ارتبطت بأهداف محددة، “من قبيل الحصول على الاستقلال و عودة محمد الخامس إلى عرشه، باعتبارها ملتقى طرق جل تلك المؤسسات الوليدة، على اختلاف مشاربها وتوجهاتها الإيديولوجية”.
ومن جانب آخر، أشار المسؤول الحزبي إلى أنه، “بعد الاستقلال لم يكن هناك نموذج متفق عليه لبناء الدولة، و تمخضت عن التجربة الحزبية الموسومة بطابع مغربي خالص، صراعات حول تصورات مختلفة و متباينة لنموذج الدولة المرجوة”، مبرزا أن هذه الصراعات بصمت التجربة المغربية و ميزتها عن غيرها.
وتأسيسا على ذلك، أدرج حامي الدين عاملا مهما من بين عوامل ضعف شروط إمكان أحزاب فاعلة و مستقلة و قوية؛ “يتجلى في كون الدولة وقتها، كانت حديثة العهد بالاستقلال، تواجه رزنامة من التحديات و تراهن على مجموعة من الاستحقاقات، لذلك ستلجأ إلى توظيف آليات ضبط سياسي صارم للحفاظ على مكانتها داخل المنظومة السياسية، ووجهت سهامها نحو التمثيلية الحزبية، في خضم الصراع السياسي بين المؤسسة الملكية والأحزاب الوطنية حول شرعية الحكم وتقاسم السلطة”.
وزاد قائلا: إنه، “في خضم البحث عن توازن القوى السياسية بين أحزاب الحركة الوطنية و المؤسسة الملكية، يمكننا الحديث عن نشأة غير طبيعية لأحزاب أحرى و التي اختزلت أدوارها و غايات وجودها في الدفاع و الذوذ عن السلطة الحاكمة، و ليس إبداع برامج وابتكار حلول ومشاريع وبلورة اقتراحات جادة وفعالة في إطار الأدوار المنوطة بالأحزاب في الأنظمة الديمقراطية”.
ويرى المتحدث أن هذا المسار السياسي الذي اتسم بتباين في الرؤى والتصورات حول طبيعة العمل الحزبي و أدواره ووظائفه وأهدافه، “ساهم بشكل مباشر في انبثاق حقل حزبي هجين يتطلب إصلاحه إصلاح النسق السياسي ككل”.
فالأمر -بحسبه- لا يتعلق بتخليق للحياة الانتخابية، في الشق المتعلق بالمنتخبين، فقط، بل بتخليق أطراف أخرى فاعلة في العملية الانتخابية، “فهناك فاعلون سياسيون من قبيل الولاة والعمال والقياد والشيوخ، يحتاجون بدورهم إلى جرعات تخليقية وآليات قانونية تضمن تخليق هذه المؤسسات السياسية بطبيعتها”.
و شدد الأستاذ الجامعي، على أن وجود فاعلين سياسيين يتحركون بثقلهم خارج المؤسسات المعروفة بتمثيل المواطنين، ويتوفرون على سلطات واسعة، “أسهم في ضعف الاستقلالية الفكرية والتنظيمية للأحزاب، كما يولد ضعفا في قدرتها على الدفاع عن استقلالية قرارها، وهذا ما يعرف داخل حقل العلوم السياسية بالتسليم بنظرية الضبط من أعلى”.
وخلص حامي الدين إلى أنه في ظل توافر هذه الظروف، يبقى فشل الأحزاب السياسية في أداء وظائفها مبررا، بحيث أن شعورها بعدم قدرتها على تمثيل المواطنين فعليا، حسب تعبيره، “نابع من إدراكها الفعلي للعوائق التي تعترضها”.
*عبد الله النجدي.. صحافي متدرب