حامي الدين: إسرائيل تستغل ضعف الجبهات المحيطة لاستهداف “الكعكة الكبرى”

اعتبر أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد العالي حامي الدين، أن الحرب العسكرية بين إيران وإسرائيل هي من التداعيات الكبرى لعملية 7 أكتوبر 2023، وما تبعها من تغيّرات في ميزان القوى الإقليمي، لافتا إلى أن إسرائيل، في هذه المحطة، تستغل ضعف الجبهات المحيطة بها لاستهداف “الكعكة الكبرى”.
لقد أصبحت الحسابات الإسرائيلية، حسب حامي الدين، مبنية على اعتبار أن هناك تحولًا جيواستراتيجيًا في المنطقة، يتمثل في ما تعتبره تل أبيب “إضعافًا للجبهات المحيطة بها”، وعلى رأسها جبهة غزة وجبهة جنوب لبنان، بعد الضربات المتتالية التي تلقاها حزب الله، وسقوط نظام بشار الأسد، واستباحة الأراضي السورية، ومن هنا، يرى أن إسرائيل تستغل هذه اللحظة من أجل استهداف “الكعكة الكبرى”، المتمثلة في إيران.
وأضاف حامي الدين، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن اختيار توقيت الهجوم الإسرائيلي لم يكن اعتباطيًا، بل جاء في سياق يعاني فيه الكيان الإسرائيلي من تصاعد الزخم التضامني العالمي مع غزة، في ظل محاولات متواصلة لكسر الحصار، كما حدث مع سفينة “مادلين”، بالإضافة إلى مسيرة الصمود العالمية، التي يشارك فيها نشطاء من أكثر من 80 دولة.
وفي السياق ذاته، أشار الأستاذ الجامعي إلى العامل الداخلي المتمثل في تصاعد التوتر السياسي داخل إسرائيل، خاصة مع تزايد الاحتقان بين اليمين المتطرف وباقي التيارات، على خلفية مشروع قانون التجنيد الإجباري للحريديم، وهو ما كاد يؤدي إلى حل الكنيست.
ولذلك، يرى حامي الدين أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اختار هذا التوقيت للهجوم على إيران بهدف توحيد الجبهة الداخلية، وذلك بالتنسيق مع الإدارة الأمريكية.
مخادعة استراتيجية
واعتبر أن الولايات المتحدة لعبت دورًا محوريًا في هذه المرحلة، عبر ما وصفه بـ”المخادعة الاستراتيجية”، إذ أعطت انطباعًا بأن هناك مفاوضات قائمة مع إيران حول الملف النووي، وكان من المرتقب عقد جولة جديدة من المفاوضات في مسقط، عاصمة سلطنة عمان.
لكن، في الواقع يستدرك المتحدث، كانت هناك ترتيبات خفية إسرائيلية-أمريكية تهدف إلى توجيه ضربة عسكرية خاطفة لإيران، ترمي إلى إرباك النظام، وشل قدرته على الردع الاستراتيجي، إلى جانب إضعاف موقفه التفاوضي وربما الدفع نحو إسقاط النظام، وتقليص قدراته العسكرية، لاسيما منصات إطلاق الصواريخ.
ووفق حامي الدين، فقد نجحت الضربة في تحقيق ثلاثة أهداف رئيسية، مثمثلة في اغتيال مجموعة من العلماء النوويين، يُقدّر عددهم بتسعة، وتصفية الصف الأول من القادة العسكريين، والحرس الثوري وقيادة الأركان، واستهداف منشآت نووية إيرانية وإلحاق أضرار ملموسة بها.
وأضاف أن إيران، وبعد مرور 24 ساعة على الضربة، أظهرت نوعًا من القدرة على احتواء الصدمة، إذ سارع المرشد الأعلى إلى تعيين قيادات جديدة لملء الفراغ في مناصب حساسة، من بينها رئاسة الأركان العامة، قيادة الحرس الثوري، والقوات البحرية والجوية.
كما ردّت إيران بهجوم عسكري مباشر باستخدام صواريخ باليستية وفرط صوتية وطائرات مسيرة، في محاولة لاستعادة هيبة الردع، إلا أن التقديرات تشير إلى أن نسبة تحقيق الأهداف لم تتجاوز 25%، ما يطرح تساؤلات حول فعالية الرد الإيراني، لكنه في الوقت ذاته يعكس نية في فرض توازن الردع مجددًا.
أسئلة مفتوحة
وتساءل حامي الدين عن المدى الزمني لهذه الحرب، وهل تستطيع إيران مواكبة الإيقاع الزمني الذي حددته إسرائيل، والذي قد يمتد لأسبوعين؟ مشيرًا إلى أن نجاح إيران في إطلاق آلاف الصواريخ كما هددت، قد يغيّر المعادلة لصالحها.
كما طرح تساؤلًا ثانيًا حول الدور الأمريكي، وهل ستكتفي واشنطن بالدفاع عن إسرائيل، أم ستشارك هجوميًا عبر أساطيلها الموجودة في البحر الأحمر والخليج؟، أما السؤال الثالث، فيتعلق بالجبهات الأخرى، وعلى رأسها اليمن، العراق، وجنوب لبنان، ومدى إمكانية انخراطها في المواجهة، وهو ما سيكون له أثر حاسم في توسيع أو احتواء رقعة الحرب حسب المتحدث.
وبالمقابل، أكد أستاذ العلوم السياسية أن ما تتعرض له تل أبيب حاليًا غير مسبوق، وأنها قد لا تكون قادرة على مجاراة هذا الإيقاع العسكري، خاصة بعد عامين من الاستنزاف في غزة وجنوب لبنان.
أما بخصوص العالم العربي، والمغرب تحديدًا، فقد أشار إلى أن استمرار بعض الدول في علاقات التطبيع مع إسرائيل، في ظل هذه المعطيات، “يضعها في موقف محرج”.
ولفت في هذا الجانب إلى أن صورة إسرائيل تزداد سوءًا يومًا بعد يوم، بسبب ما ترتكبه من جرائم حرب وإبادة في غزة، وتزايد حملات المقاطعة لها في مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك دول أوروبية، وهو ما يجعل كلفة الاستمرار في العلاقة مع الكيان المحتل مرتفعة سياسيًا واستراتيجيًا على المدى القريب والمتوسط.