حامي الدين: المغرب بحاجة إلى نموذج سياسي متجدد يستجيب للتحولات العالمية

قدم الدكتور عبد العالي حامي الدين، أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط، رؤية نقدية للعلاقة بين الدولة والدين من منظور الفكر الغربي والإسلامي، وذلك خلال ندوة وطنية نظمتها الجمعية المغربية للعلوم السياسية، بشراكة مع جامعة محمد الخامس الرباط بعنوان “إعادة التفكير في الدولة بالمغرب من منظور العلوم السياسية” يوم الأربعاء 19 فبراير 2025.
وأكد حامي الدين أن دراسة الدولة في السياق العربي الإسلامي تتطلب تجاوز الأطروحات الغربية الكلاسيكية حول العلمنة، حيث “أن المفاهيم السياسية الغربية نشأت في سياقات تاريخية مختلفة”، مشيرا إلى أن “فصل الدين عن الدولة في أوروبا كان نتيجة صراعات تاريخية بين الكنيسة والسلطة السياسية، وهو ما لا يمكن إسقاطه على السياقات الإسلامية بنفس المنطق”.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، أن الفيلسوف تشارلز تايلور، يدافع عن ضرورة إعادة إدماج الدين في المجال العام مع احترام الخصوصيات الدينية، حيث اعتبر أن “الدين ليس مجرد أيديولوجيا بل يمتلك خصوصية تميزه عن باقي الأفكار السياسية”.
كما نقل عن الفيلسوف كورنيل ويست قوله بأن “الأولوية يجب أن تُمنح لحاجات البشر الأساسية بدلاً من الانشغال بصراعات حول مدى شرعية الخطاب الديني في السياسة”.
إمارة المؤمنين ليست مجردة مؤسسة دينية
وفي معرض تحليله للعلاقة بين الدين والدولة في السياق المغربي، شدد حامي الدين على أن “التاريخ السياسي للمغرب يختلف عن النموذج الغربي، حيث لم تكن هناك مؤسسة دينية منفصلة عن الدولة كما هو الحال في التجربة الأوروبية”.
وأوضح في هذا الصدد، أن “إمارة المؤمنين ليست مجرد مؤسسة دينية، بل تؤدي دورًا مركزيًا في ضمان التوازن بين الشرعية السياسية والهوية الثقافية”.
كما تناول حامي الدين التحولات التي طرأت على مفهوم الدولة الحديثة، لافتا إلى أن “التصورات الغربية لمفهوم الدولة شهدت تطورات كبيرة، خاصة بعد ظهور نقاشات جديدة حول العلمانية في ظل التعدد الثقافي والديني المتزايد في أوروبا”.
وتابع أن “المغرب ليس استثناءً من هذه التحولات، حيث يشهد حاليًا نقاشًا متزايدًا حول موقع الدين في النظام السياسي، وهو ما يتطلب فهمًا أعمق للمسارات التاريخية والتطورات الفكرية ذات الصلة”.
الحاجة لتحقيق التوازن
شدد حامي الدين على أن “المغرب بحاجة إلى نموذج سياسي متجدد يحترم تراثه التاريخي والديني، لكنه في نفس الوقت قادر على استيعاب مستجدات الفكر السياسي العالمي”، مستشهدا بمقاربة إدغار موران، الذي يرى أن “التعددية الثقافية تتطلب إعادة النظر في المفاهيم التقليدية للدولة الحديثة، بحيث تصبح أكثر قدرة على استيعاب التنوع الديني والسياسي دون التفريط في المبادئ الديمقراطية”.
وأضاف المتحدث ذاته أن “التحدي الأساسي بالنسبة للمغرب، يكمن في كيفية تحقيق التوازن بين الهوية الدينية للدولة ومتطلبات الحكم الرشيد والحداثة السياسية”.
وبالموازاة مع ذلك، دعا حامي الدين إلى ضرورة تبني مقاربة نقدية لتاريخ الفكر السياسي الغربي، مشيرًا إلى أن “الحداثة الغربية نفسها تعيش اليوم مرحلة مراجعة، بحيث أن العديد من المفكرين الغربيين يعيدون تقييم أسسها على ضوء التحولات الراهنة”.
كما أكد أن العلاقة بين الدين والديمقراطية تظل إشكالية مركزية في الفكر السياسي، سواء في التجربة الغربية أو في السياق العربي، موضحا أن التجربة الغربية مرت بمخاض تاريخي صعب، حيث اضطرت المجتمعات إلى مواجهة السلطة الدينية التي كانت تتحكم في الفضاء السياسي والاجتماعي، مما أدى إلى قمع العلماء والمفكرين الذين اصطدموا مع المسلمات الكنسية.
الاستبداد باسم الدين
وفيما يخص السياق العربي، تساءل حامي الدين عما إذا كان التحول الديمقراطي في العالم العربي يسير بنفس المسار الذي عرفه الغرب، أم أن هناك مسارات مغايرة تفرضها الخصوصيات الثقافية والاجتماعية.
وأشار إلى أن الاستبداد قد يُمارس باسم الدين في بعض الحالات، لكنه قد يُمارس أيضًا تحت غطاءات أخرى، مثل العسكر أو أنظمة الحكم الفردية.
وأكد أنَّ نموذج مصر ليس كنموذج تونس، كما أن تجربة السودان تختلف عن غيرها، مما يعكس تباين المسارات التي سلكتها الدول العربية في علاقتها بالديمقراطية والدين.
وفي هذا السياق، دعا الأستاذ الجامعي إلى الرجوع لدراسات متخصصة، مثل كتاب “تضخم الدولة العربية” للأكاديمي والأستاذ بجامعة كولومبيا نزيه أيوبي من أجل فهم تحديات التحول الديمقراطي في المنطقة.