جيل “Z” في مواجهة القمع.. مشاهد ميدانية من احتجاجات الأحد بالدار البيضاء

في موجة غضب غير مسبوقة منذ سنوات، شهدت الرباط والدار البيضاء وطنجة وتطوان وعدد من المدن المغربية أمس الأحد، تواصل الاحتجاجات التي اندلعت يوم السبت 27 شتنبر 2025، للمطالبة بإصلاحات سياسية واجتماعية واقتصادية، في ما سُمِّي بـ”جيل Z”.
بدأت التجمعات تدريجياً حول الساحات العمومية التي توافد عليها مئات المتظاهرين. وفي المقابل، حضرت قوات الأمن بكثافة منذ اللحظات الأولى، حيث انتشر عناصرها بزيَّيهم الرسمي والمدني، وتمركزت سيارات الشرطة على الطرقات في محاولة لمنع تجمهر المواطنين.
عند تمام الساعة الرابعة مساء، ارتفعت أصوات المحتجين، وسيطر على المكان صدى الشعار الأبرز: “الشعب يريد إسقاط الفساد”. سرعان ما تلت ذلك هتافات أخرى مثل: “حرية، كرامة، عدالة اجتماعية”، ما دفع سلطات الدار البيضاء المنتشرة في “ساحة السراغنة” إلى محاولة تفريق التجمعات ومنع توافد المزيد من المواطنين.
لكن التدخل الأمني لم ينجح في وقف الاحتجاجات، إذ تحولت المظاهرات إلى مجموعات صغيرة متفرقة انتشرت في أزقة وشوارع درب السلطان. وقد رافقت صحيفة “صوت المغرب” إحدى هذه المجموعات التي أصرت على مواصلة التظاهر رغم التدخل العنيف الذي تعرضت له.

وعلى الرغم من وسم الاحتجاجات بـ”جيل Z”، لم يغب عنها مواطنون من خارج هذا الجيل الذي ولد بين عامي 1997 و2012 بحسب باحثين، فيما يحدد ديمغرافيون فترة ميلاده بين منتصف التسعينيات وحتى منتصف العقد الأول من القرن الـ21.
وطالب المتظاهرون خلال احتجاجاهم السلمي بإصلاحات ملموسة تمس واقعهم اليومي، مؤكدين أن حركتهم جزء من موجة شبابية أوسع تعكس الغضب المتنامي من الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية في البلاد.
وأبرزوا من خلال هتافاتهم أن تنظيم المغرب لمحافل رياضية دولية مثل كأس إفريقيا 2026، وكأس العالم 2030 لا ينبغي أن يكون أولوية الحكومة في ظل المعاناة التي يعشيها المواطنون المغاربة على مختلف المستويات.
وظهر ذلك في هتافات سلطت الضوء على الوضع الصحي في البلاد من قبيل “الصحة أولاً. لا نريد كأس العالم”، و”الملاعب هاهما والمستشفيات فيناهما”، كما دعوا إلى الرفع من عدد المدارس، منتقدين المقاربة الأمنية في التعامل مع مطالبهم بهتاف: “زيدونا في المدارس. باركا من البوليس”.
واستغرب أحد المتظاهرين، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، الحديث عن معايير الملاعب الكبرى لتضاهي الملاعب الأوروبية، “بينما في الدار البيضاء على سبيل المثال نفتقد لأبسط المعايير الجيدة في المستشفيات”.
وتابع المتظاهر، وهو شاب إطار في قطاع الصحة، قائلاً: “أرى يومياً كيف أن المستشفيات تعاني نقصاً حاداً في المعدات، وأحياناً نُجبر على أن نطلب من المرضى شراء أدوات أساسية بأنفسهم. تخيل أن مريضاً يضطر إلى دفع مبلغ مالي من أجل الحصول على أبسط خدمة من حقه أن يتلقاها مجاناً”.
وأكد أن خروجهم إلى الشارع والتظاهر لساعات هو من أجل “المطالبة بتحسين الأوضاع”، مضيفاً: “نتمنى أن تؤدي هذه البداية إلى نتائج إيجابية تعود بالنفع على الشعب المغربي”.
وقال ناشطون آخرون إنهم يريدون “القطع مع الحياة التي عاشها آباءهم، وإنهاء الصمت حيال الأوضاع المتدهورة”، مشيرين إلى أن مطالبهم بسيطة وتتعلق بقطاعات هامة من بينها التعليم والصحة والتشغيل.
وخلال متابعة إحدى المجموعات، شهدنا من قرب صمود المتظاهرين في مواجهة التدخل الأمني. إذ حاولت عناصر أمنية تفريق الحشود بالقوة، مستخدمة الدفع والاعتداء على بعض المحتجين، إلى جانب توقيف العديد منهم، ما أدى إلى تشتيت المجموعة مؤقتًا في الأزقة الضيقة.
رغم هذه المحاولات، ظل أفراد المجموعة متماسكين، مستمرين في التقدم والتظاهر سلمياً، مرددين شعاراتهم المطالبة بالإصلاحات وتحسين الخدمات الأساسية. كما أن عزيمة الشباب كانت بارزة، في مواجهة الضغوط، ما سمح بتوثيق لحظات الشجاعة والتصميم التي طبعت احتجاجات “جيل Z”.
وفي المقابل، تم تسجيل اعتداءات عنيفة، شملت الضرب والصفع على الوجه، ومع ذلك ظل المتظاهرون متشبثين بساحات الاحتجاج لساعات متأخرة من الليل، قبل أن تبدأ الحشود في التوافد على الطريق السيار لاحتلاله وتنظيم اعتصام في المكان لم يدم طويلاً بعد وصول أجهزة الشرطة.
ويشدد متظاهرون على أن المقاربة الأمنية “لم تعد مجدية في التعامل مع هذا الجيل”، مؤكدين على أنهم لن يتراجعوا إلا “بعد الاستجابة إلى مطالبهم”. وردد عدد منهم: “القمع لن يثنينا”.
ومع استمرار الطابع السلمي للاحتجاجات، لم تخل هذه الأخيرة من ممارسات عنيفة من قبل بعض الحاضرين، معظمهم من القاصرين القريبين من المكان، إذ تم رمي عناصر الشرطة بالحجارة وممارسة اعتداءات جسدية.
وعند سؤالهم عن هذه السلوكات، عبّر المتظاهرون عن تمسكهم بالسلمية، مشيرين إلى أن الذين يمارسون العنف عناصر مشبوهة لا تمثل حركتهم الاحتجاجية.
وفي الرباط وطنجة وباقي المدن، لم يختلف مطلب المتظاهرين أو رد السلطات عن حالة الدار البيضاء، إذ سادت لغة القمع والعنف والتوقيفات المشهد، مقابل إصرار المحتجين على التظاهر والتعبير عن الرأي وإسماع أصواتهم للجهات المعنية.
وبلغت التوقيفات العشرات، من المرتقب أن يتم تقديم عدد منهم يوم الثلاثاء أمام وكيل الملك للنظر في قضيتهم، في حين لا تزال السلطات تحافظ على نهج احترازي لتجنب توسع التجمعات. وقد أثار هذا العدد الكبير من التوقيفات استياء العديد من النشطاء والجمعيات الحقوقية التي اعتبرت أن التفاعل الأمني مع الاحتجاجات كان مبالغًا فيه.
ويرتقب أن تتواصل المظاهرات لليوم الثاني على التوالي في عدد من المدن المغربية، على الرغم من أنه لم يتم الإعلان عن مواقع التجمع بعد. وتبقى الأجواء مشحونة بالحذر، وسط توقعات بأن يسعى المحتجون للتركيز على الساحات العامة والشوارع الرئيسة، مع استمرار رفع شعاراتهم المطالبة بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.