story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
اقتصاد |

“جيل الجوطية”..العودة إلى الجذور سر التحول نحو “اقتصاد الابتكار”

ص ص

لم يستطع المغرب منذ سنة 2010 تجاوز حاجز 3 بالمائة كمعدل نمو سنوي، في الوقت الذي يحتاج فيه النموذج الاقتصادي المغربي من 7 إلى 8 بالمائة سنويا حتى يتسنى للمملكة تمويله بطريقة ذاتية دون اللجوء إلى المؤسسات الدولية كصندوق النقد الدولي الذي بات المغرب أكثر الدول المستدينة منه.

هذا الوضع، دفع المغرب نحو الوقوع في ما يسمى ب”فخ الدول ذات الدخل المتوسط”، هذا “الفخ” الذي يعتبره الاقتصاديون نتيجة لعدم قدرة هذه الدول على الاقتراب من الحدود التكنولوجية للتحول من “اقتصاد اللِّحاق” الذي يقوم على التقليد والتبعية لنماذج اقتصادية لدول أخرى إلى “اقتصاد الابتكار” الذي يركز بشكل أساسي على دور الابتكار والتكنولوجيا في تعزيز النمو الاقتصادي وتحسين جودة الحياة.

“فخ الدول ذات الدخل المتوسط”: مصطلح اقتصادي يشير إلى الحالة التي يتوقف فيها النمو الاقتصادي للدولة عند مستوى متوسط لدخل الفرد، ثم تعجز فيها الدولة عن التحول إلى مستوى الدول ذات الدخل العالي

انطلاقا من هذه المعطيات، يوضح “طارق حدي” في كتابه “Gen J – Generation innovation Made in Morocco”، (جيل ج – جيل ابتكار صنع في المغرب)، أنه رغم صعوبة الانتقال نحو “اقتصاد الابتكار” وتجاوز “فخ الدول ذات الدخل المتوسط” بالنسبة للمغرب، إلا أن الأمر يبقى ممكنا، احتذاء بالتجارب الآسيوية لدول كالصين واليابان وكوريا الجنوبية التي تبوءت اليوم مراكز الريادة في “اقتصاد الابتكار”، مشددا على أن اقتصادات هذه الدول قبل التحول تبقى أضعف بكثير من الاقتصاد المغربي الحالي.

طارق حدي خلال لقاء فكري يوم أمس الخميس 09 ماي 2024، بالمعهد العالي لمهن السمعي البصري والسينما دافع عن الافضلية التي يتمتع بها المغرب مقارنة بالعديد من الدول الأخرى لمواجهة “عالم ما بعد الحداثة الذي بدأت ترتسم ملامحه”، مبرزا أن المغاربة يتمتعون بالعديد من المميزات التي يمكن استثمارها لمواجهة التحديات التي يفرضها هذا العالم الجديد.

وأردف أن المغاربة في طبعهم مقتصدون من خلال “ابتكار الكثير بأقل عدد من الموارد”، كما أنهم قادرون على إعادة استخدام الموارد بشكل دوري ومستدام بما في ذلك الأفكار والتصورات والسلع والخدمات…

وتابع مفسرا أن قدرة المغاربة على إعادة استخدام الموارد تظهر بشكل جلي في بعض تمظهرات المجتمع المغربي كأسواق الملابس المستعملة “الجوطية”، التي تعود في تاريخها إلى زمن الاستعمار عندما كان الفرنسيون يرمون بملابسهم المستعملة قبل أن يقوم بعض المقاولين المغاربة بجمعها وإعادة تدويرها ليتم بيعها من جديد للمغاربة، حيث اشتقت كلمة “الجوطية” بالعامية المغربية من الكلمة الفرنسية “Jeter” والتي تعني “رمى”.

ويوضح الكاتب أنه استمد عنوان كتابه من هذا المصطلح (الجوطية)، حيث يقصد الكاتب ب”جيل ج” في الحقيقة “جيل جوطية”، في إشارة إلى مجموع الخصائص الثقافية التي تميز العقلية المغربية، مبرزا أن هذه الثقافة تجد مقابلها في بعض الثقافات الأخرى كمصطلح “Jugaad” في الهندية والذي يشير إلى الحلول المبتكرة بأقل عدد من الموارد، بالإضافة إلى مصطلح “Jua kali” الذي يشير في الثقافة الإفريقية إلى المرونة، والقدرة على التكيّف والازدهار في الظروف الصعبة.

صفة أخرى عددها الكاتب ضمن الصفات التي تؤهل المغاربة لولوج “الاقتصاد المبتكر”، والتي تتعلق بمدى اجتماعيتهم، مبرزا أن العديد من أشكال التمويل الحالية تجد جذورها في بعض الأشكال الثقافية المغربية، وهنا يوضح الكاتب أن عملية “التمويل الاجتماعي” “Crowdfunding” التي باتت تستعمل بشكل كبير في العديد من المجالات كشكل من أشكال التمويل هي في الحقيقة النسخة الرقمية لما يعرف في الثقافة الشعبية المغربية ب”دارت”.

وخلص الكاتب إلى ضرورة ربط عمليات الابتكار بالخصائص الثقافية التي تميز المغاربة بهدف رفع قدرة المغرب على مواجهة التحديات التي يفرضها “عالم ما بعد الحداثة”، مشددا على “أن أي حلول مبتكرة لا تأخذ بالعين الاعتبار هذه الخصائص لن تحقق أي نتيجة مرجوة منها”.

وبهدف التحول نحو اقتصاد الابتكار يقدم الكاتب عددا من المبادئ، يتعلق أولها بتعزيز حضور الثقافة الشعبية في الابتكارات والمشاريع المغربية، مبرزا أن “الابتكار لا يمكن أبدا أن يتم عبر ثقافة الآخر”.

كما يدعوا الكاتب إلى التركيز أكثر على ثلاثية “التجريب – الخطأ- التعديل” التي تعتمدها كبريات الشركات في العالم كما هو الحال بالنسبة لشركة “SpaceX” لصاحبها “إيلون ماسك” التي رغم الأخطاء التي شابت العديد من عمليات إطلاق صواريخها في البداية إلا أنها استمرت في تعديل نتائجها إلى أن بدأت في تحقيق الإنجازات الواحدة تلو و الأخرى.

وفي هذا السياق شدد الكاتب على ضرورة “المصالحة مع الخطأ” وجعله في قلب عملية الابتكار مبرزا أن الانتقال نحو اقتصاد الابتكار لا يخلو من مخاطر لا بد من المصالحة معها وتقبلها.

ونظرا لقلة الموارد ومحدوديتها يرى الكاتب أهمية الاعتماد على ثقافة الترشيد في تدبير هذه الموارد وإعادة استعمالها، مضيفا “نحن محكومون بضرورة العمل بموارد قليلة”.

ويوصي حدي أيضا دائما باعتماد الحلول السهلة في عملية الابتكار بدل “التعقيد من أجل التعقيد”، موضحا أن عملية التبسيط يجب أن تشمل جميع مراحل الإنتاج من مرحلة التصور إلى مرحلة خدمات ما بعد البيع.