جيرارد بيكي.. مدافع يجيد ضربات الربح لشركاته

ص
ص
عرفه المغاربة ضمن التشكيل الأساسي لفريق الجيل الذهبي لنادي برشلونة لكرة القدم مع المدرب بيب غوارديولا، الذي أتى على الأخضر واليابس من الألقاب والكؤوس خلال بداية العقد الثاني من الألفية الحالية، وأيضا مع المنتخب الإسباني المتوج بطلا للعالم خلال مونديال جنوب إفريقيا 2010، وكان واحدا من أفضل المدافعين الذين أنجبتهم الملاعب الأوربية في تلك الفترة.
لكن جيرارد بيكي لم يكن مجرد لاعب كرة قدم عرف النجاح في مسيرته الرياضية، بل امتد هذا النجاح إلى تدبير ثروته المالية التي جناها من مداخيله من البارصا، وأيضا من وسطه الأسري الأرستقراطي الذي نشأ فيه، حتى صار اسمه اليوم مقترنا بالعديد من الأفكار الإستثمارية المربحة في الرياضة وغيرها من الأنشطة التجارية والمالية.
فمن هو هذا “الشاطر” الكطلاني؟ وكيف كانت ظروف نشأته؟ وكيف انتقل من لاعب كرة قدم ناجح إلى مستثمر ورجل أعمال يعرف جيدا مكامن الربح والخسارة في المشاريع والصفقات؟ وما هي تفاصيل ابتكاره ل “دوري الملوك” الذي تتزايد شعبيته بشكل مذهل في أوساط الشباب واليافعين؟
إبن أسرة ثرية
في أحد أحياء برشلونة الراقية، كان هناك طفل صغير يركض خلف الكرة في شوارع المدينة. يحلم بأن يكون أحد نجوم الفريق الذي أحبه منذ أن بدأ يفهم معنى كرة القدم كان هذا الطفل هو جيرارد بيكي بيرنابيو، ولد في 2 فبراير 1987، وكان الإبن البكر للمحامي ورجل الأعمال جوان بيكي ومديرة مستشفى بادالونا ومعهد طب الدماغ مونسيرات بيرنابيو.
كان الطفل جيرارد يتردد كثيرا على منزل جده لأمه أمادور بيرنابيو الذي سبق له أن اشتغل مندوبا لنادي البارصا ونائبا لرئيسه خلال سنوات السبعينات، وهناك في إحدى شرفات المنزل تعرض لحادث سقوط أدخله في غيبوبة داخل قسم الإنعاش دامت يومين ونجا من الموت بأعجوبة ليكتب له عمر جديد.
بداية كروية مختلفة
لم يكن جيرارد بيكي مدافعا عندما انضم إلى أكاديمية لاماسيا الشهيرة، بل كان مهاجمًا موهوبا. يُرعب المدافعين بلمساته الذكية وإنهائه الرائع أمام المرمى. لكن المدربين لاحظوا شيئًا مختلفًا فيه رغم براعته الهجومية، كان يمتلك رؤية غير عادية، كان له ذكاء تكتيكي ناذر، وطول فارع يسمح له بالتفوق في الكرات الهوائية.
بدأ يتحول تدريجيًّا إلى خط الوسط، حيث أظهر موهبة في التمرير وبناء الهجمات، ولكن لم يكن ذلك كافيًا. لاحظ أحد مدربيه أن بيكي ليس مجرد لاعب وسط بل قد يكون أحد أفضل المدافعين إذا ما تم استغلال قدراته بالشكل الصحيح وهكذا بدأ التغيير الكبير من مهاجم صاعد إلى صخرة دفاعية، ولكن بأسلوب مختلف عن أي مدافع آخر.
الرحلة الإنجليزية
رغم موهبته، لم يجد بيكي طريقًا يقوده للفريق الأول في برشلونة. لذلك قرر في عام 2004 الرحيل إلى مانشستر يونايتد، حيث كان مدربه الأسطوري السير أليكس فيرغسون الرجل الذي جرب أفضل المدافعين في تاريخ الكرة العالمية.. لكن بيكي لم يكن النجم هناك.. لعب مباريات قليلة وشاهد من مقاعد البدلاء كيف يهيمن ريو فيرديناند وفيديتش على الدفاع.
أدرك أن النجاح في كرة القدم لا يعتمد فقط على الموهبة، بل على قوة الصبر، والتعلم من التجارب. فانتقل معارًا إلى ريال سرقسطة في إسبانيا، حيث حصل على فرصة أكبر ، ثم عاد إلى مانشستر يونايتد، لكنه شعر أن وقته في إنجلترا قد انتهى.
المجد مع البارصا
في 2008، عاد بيكي إلى بيته. كان برشلونة تحت قيادة مدرب شاب يُدعى بيب غوارديولا، رجل يؤمن بالكرة الشاملة وبأن المدافع يجب أن يكون أكثر من مجرد لاعب يقطع الكرات، بل يجب أن يكون صانع ألعاب خفي. كان هذا مناسبا تماما لبيكي.
لم تمر سوى أشهر قليلة حتى أصبح عنصرًا أساسيًا في الفريق، وشكل ثنائيا أسطوريا مع القائد كارليس بويول. في ذلك الموسم، فاز برشلونة بكل شيء دوري الأبطال الدوري الإسباني كأس الملك السوبر الإسباني السوير الأوروبي، وكأس العالم للأندية، وهي السداسية التاريخية التي لم تتكرر كثيرا في تاريخ كرة القدم العالمية.
بعد سنوات من المجد بدأت مسيرته تتراجع تدريجيًا. الإصابات، تغيّر الأجيال، ورحيل بويول جعلت الأمور أصعب. لكنه ظل قائدًا حقيقيًّا، يقاتل من أجل الفريق حتى آخر لحظة.
وفي عام 2022، قرر بيكي الاعتزال، مودِّعًا جماهير الكامب نو وسط دموع امتزجت بالفخر والحزن. لكن الفتى الكطلاني لم يكن رجلاً يرضى بالبقاء في الظل. كان لديه دائما خطط أكبر.
رجل أعمال ناجح
جيرارد بيكي عندما كان لا يزال ممارسا لكرة القدم، زاوج بين نشاطه الرياضي والدراسة، حيث حصل على شهادة الماستر في إدارة الأعمال من جامعة برشلونة، مما أهله بعد اعتزاله لإنشاء امبراطورية اقتصادية ضخمة متعددة الأطراف والاختصاصات: شركة لألعاب الفيديو، وماركة مستقلة للنظارات الشمسية، مكتب للمزايدات الرياضية، إضافة لشركة عقارات ضخمة، إلى جانب شركة تملك حقوق بث منافسات بطولة “ديفيس كاب” لرياضة التنس، البطولة العريقة.
ولأن هذا لا يكفي، أنشأ بيكه شركة “كوسموس القابضة” التي استحوذ عبرها على غالبية أسهم نادي أندورا. تلك الإمارة التي لا تبعد سوى ساعتين سفر بالسيارة عن برشلونة على الحدود الفرنسية.
ومنتصف عام 2019 أصبح بيكي مالكا للنادي الذي كان ينافس آنذاك في دوري الدرجة الخامسة. لكن وبفضل إصرار وذكاء بيكي قفز النادي اليوم إلى دوري الدرجة الثالثة. وحسب مالكه، “سوف يتم عزف نشيد دوري الأبطال قريبا في ملعب النادي”.
والملعب الذي يتحدث عنه بيكي يقع في منطقة ايندكامب ويتسع لـ500 شخص، لكن اللاعب السابق وعد ببناء ملعب جديد لضم 1500 شخص. هذا الوعد أطلقه بعد شراء نادٍ آخر يدعى “غيمانتش” واقع في منطقة مانريسا الكتلانية. وأنشأ في هذا النادي أكاديمية كرة قدم لإعداد وصقل الناشئين.
تهمة فساد مالي
في 14 مارس المقبل، سيعرض جيرارد بيكي أمام المحكمة متهما في ملف فساد مرتبط بعقد نقل كأس السوبر الإسباني إلى السعودية،
وسيمثل أمام القاضي في محكمة ماجاداهوندا بضواحي العاصمة الإسبانية مدريد، لكشف ملابسات توقيع عقد كان سيسمح له بالحصول بفضل شركته «كوسموس»، على مبلغ أربعة ملايين يورو سنويا، بطرق غير قانونية.
ويعتقد القاضي المسؤول عن هذه القضية أن هذه العمولة قد تكون احتيالية، ويجري حاليا تحقيقا معمقا في العديد من العقود المشبوهة التي أبرمها الاتحاد الإسباني لكرة القدم خلال رئاسة لويس روبياليس، والتي امتدت من 2018 إلى 2023.
وأظهرت تسجيلات المحادثات بين لويس روبياليس وجيرارد بيكي، والتي نشرتها وسائل الإعلام عام 2022، أن الرجلين ناقشا بالفعل عمولات تصل إلى عدة ملايين من اليورو.
دوري الملوك
ابتكر جيرارد بيكي، دوري الملوك Kings League كوسيلة لتحديث كرة القدم وجعلها في متناول الجماهير الشابة. حيث أعاد تعريف كيفية استهلاك كرة القدم والاستمتاع بها من خلال المزج بين الرياضة والترفيه، واجتذب الدوري جمهوراً أصغر سناً ومتمرساً في مجال التكنولوجيا والذي غالباً ما تكافح الدوريات التقليدية للوصول إليه.
وقد ألهم نجاح الدوري أيضاً رياضات أخرى لاستكشاف صيغ مماثلة، مما يثبت أن الابتكار يمكن أن يبعث حياة جديدة حتى في أكثر الألعاب رسوخاً.
بالإضافة إلى ذلك، أتاح دوري الملوك Kings League فرصاً للاعبين الهواة والمحترفين المتقاعدين لعرض مهاراتهم. وقد شهد العديد من المشاركين نمواً في عدد متابعيهم على وسائل التواصل الاجتماعي، بل إن بعضهم حصلوا على صفقات رعاية، مما يسلط الضوء على دور الدوري في تعزيز المواهب وخلق مسارات مهنية جديدة.
واستشرافًا للمستقبل، يخطط بيكي لتوسيع نطاق الدوري ليشمل مناطق جديدة في كل بلدان العالم، وإدماج كل الفئات في المجتمعات ليصبحوا ممارسين ومتفرجين داخل هذه الرياضة الجديدة، وجعل دوري الملوك ظاهرة عالمية تتجاوز الحدود والتركيبة السكانية.