جوزيف بايدن.. أرنب سباقات الديمقراطيين الذي فرّ من الحلبة
بعد ترقب وانتظار طويلين، استسلم الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن للضغوط التي مورست عليه من داخل الحزب الديمقراطي.
بايدن أعلن يوم الأحد 21 يوليوز 2024، انسحابه من خوض انتخابات الرئاسة كمرشح للحزب الديمقراطي متم العام 2024.
قرار متأخر ومرتبك يكاد يلخّص حصيلة بايدن في البيت الأبيض، ويفتح الطريق أكثر أمام مرشح الحزب الجمهوري، الرئيس السابق دونالد ترامب.
عرّاب تقسيم العراق
يجرّ جوزيف بايدن وراءه تاريخا سياسيا طويلا وحافلا، لكن بروزه القوي يعود إلى 17 سنة قبل انسحابه المرتبك من سباق الرئاسيات، وتحديدا عندما التأم مجلس الشيوخ الأمريكي، وخاض نقاشا ساخنا حول العراق، انتهى في 26 شتنبر 2007 بالتصويت بأغلبية 75 صوتا مقابل 23، متبنيا بذلك مشروع خطة تقضي يتقسيم العراق إلى ثلاث مناطق: جنوب شيعي ووسط سني وشمال كردي. ولم يكن صاحب تلك المبادرة والاقتراح سوى السيناتور الديمقراطي جوزيف بايدن.
اعتبرها البعض حينها مناورة من الحزب الديمقراطي الذي كان يسيطر على أغلبية الكونغرس، لإحراج بوش. لكن سيرة بايدن سوف ترتبط بهذا المشروع ليصبح في مخيلة الكثيرين، جزارا يمسك بسكينه الحادة الموجهة إلى بلاد الرافدين، مستلهما الفكرة من التجربة البوسنية.
لم يعر المحافظون الجدد وقتها لم يعيروا الخطة كثير اهتمام، رغم أن بايدن كان من أشد المساندين لقرارهم بغزو العراق، قبل أن يراجع موقفه بالقول إن القضاء على صدام حسين كان ضروريا، لكن مهاجمة العراق كانت أسوأ الاختيارات.
خلف أوباما وأمام هاريس
ترشّح في 2008 خلف رجل أسود، وفي 2020 أمام سيدة سوداء، علما أنه رجل أمريكي أبيض البشرة، صارم الملامح، يحسن الخطابة و فن الجدال. ملامحه الناضجة منحت باراك أوباما، مرشّح الديمقراطيين وقتها للرئاسة، ما ظل خصمه الجمهوري العجوز جون ماكاين يقول إنه ينقصه: الحكمة و التجربة.
فقد كان بايدن وقتها صاحب شرف الترشح لمنصب نائب الرئيس إلى جانب أوباما.
يتهمه البعض بالثرثرة والإصرار على طريقته المباشرة في الحديث وإعلان المواقف. أكثر من مرشح لخلافة ديك تشيني، الذي كان نائبا للرئيس جورج بوش الإبن، كان عرّاب باراك أوباما و سفيره لدى الأمريكيين المصرّين على رؤية رئيسهم في صورة الأب الوقور.
عوّل عليه الديمقراطيون حينها في رأب صدع حزبهم لقربه من معسكر هيلاري كلينتون. بينما كان أوباما ينتظر منه أن يشحذ بايدن لسانه لمنازلة الجمهوريين في الحملة الانتخابية.
تعود الولادة السياسية لجوزيف بايدن، إلى عام 1972، حين فاز بمقعد سيناتور في مجلس الشيوخ، عن سن ثلاثين عاما. وكان بذلك خامس أصغر سيناتور في تاريخ الولايات المتحدة. أي في وقت لم يكن باراك أوباما يتجاوز إحدى عشرة سنة.
ظل بايدن منذ هذا التاريخ، يفوز بمقعده في الكونغرس بكل سهولة، متفوقا على خصومه الجمهوريين، ليبلغ عشية انتخابات 2008 الرئاسية ولايته السادسة على التوالي.
في الانتخابات التي أجريت عام 2002، فاز بايدن بستين بالمائة من أصوات الناخبين، بعد أن خاض حملته الانتخابية بميزانية تضاعف ما تمكن من جمعه منافسه الجمهوري.
لا يعتبر جوزيف بايدن من المحافظين الجدد، المؤسسين للخلفية الفكرية للإدارة الأمريكية منذ بداية الألفية. لكنه يعتبر محافظا “قديما”، من خلال نشاطه في كواليس الكونغرس ولمساته في مشاريع القوانين التي قام بصياغتها واقتراحها. أشهر تلك التشريعات قانون “الجرائم العنيفة”، وقانون آخر حول العنف المنزلي الممارس ضد النساء. فيما ظلت مساندته للمشاريع والخطط التي يعرضها الجمهوريون لافتة للانتباه.
سوابق في السرقة الفكرية
لم يكن حظ بايدن في الانتخابات دائم الابتسام، حيث كان خوضه لسباق الرئاسيات باسم الحزب الديمقراطي، محاولة فاشلة خرج منها بفضيحة مدوية، حين قام بسرقة أحد خطابات الزعيم العمالي البريطاني، نيل كينوك، موظفا إياه في حملته التمهيدية داخل الحزب الديمقراطي.
سرقة فكرية اضطرت بايدن إلى الانسحاب من السباق، بعد أن كشفت هذه الفضيحة عن سابقة مبكرة في ممارسة السرقة الأدبية من طرف بايدن، و التي قام بها في سن العشرين حين كان طالبا.
سوابق سوف لن يتأخر فريق جون ماكاين، مرشح الحزب الجمهوري في العام 2008، في إخراجها من أرشيفه خلال الحملة الانتخابية.
أما بيولوجيا، فقد خرج جوزيف روبينيت بايدن إلى الوجود في 20 نونبر 1942، في سرانتون بولاية بنسلفانيا.
ولد جوزيف بايدن لأسرة كاثوليكية تنحدر من أصل إيرلندي. حدص كل من والده جوزيف بايدن الذي كان يعمل وكيلا لبيع السيارات، ووالدته كاثرين أوجينيا؛ على تلقين ابنهما البكر وبعده إخوته الثلاثة، تعاليم التراث الكاثوليكي.
انتقل رفقة أسرته للإقامة في كلايمونت بولاية ديلاور عن سن العاشرة. فترعرع بضواحي نيو كاستل، ليتخرج من أكاديمية إيرشمير عام 1961، ويلتحق بجامعة ديلاور في نيويورك، ويتخرج منها عام 1965، معمقا معارفه في السياسة والتاريخ.
التحق بعد ذلك بكلية الحقوق بجامعة سيراكوس، حيث درس القانون، وتخرج عام 1968 ثم التحق مباشرة بسلك المحاماة، مع تردده على عدد من الجامعات لتدريس القانون، آخرها جامعة وايدنر التي يدرس فيها القانون الدستوري كأستاذ مساعد، منذ العام 1991.
عندما كان جوزيف روبينيت بايد بعدُ طالبا في كلية الحقوق، تزوج من نيليا هاتر، وأثمر زواجهما ثلاثة أبناء.
خسر زوجة أولى ووصف الثانية بالقنبلة
فرحته بانتخابه سيناتورا عام 1972، سرعان ما تحطمت بعد شهر واحد، على وقع صدمة رحيل زوجته وطفلته الصغرى في حادثة سير. فكان أن دخل الرجل وابنيه المتبقيين، في حالة من الكآبة، كاد خلالها يتخلى عن مقعده في مجلس الشيوخ. لكنه اكتفى بالاحتفاظ بمكتب قريب منهما، متعهدا إياهما بالعناية و التعليم.
عاد بايدن ليزور القفص الذهبي عام 1977، بزواجه من جيل تراسي جاكوب، والتي رزق منها بطفلة وحيدة هي إيشلي.
كان الابن الأكبر لجوزيف، “بو”، أحد الشركاء في مؤسسة ويلمنجتون للقانون، وانتخب في منصب المدعي العام لديلوار عام 2006. فيما شغل لاحقا مهمة قائد حرس جيش ديلوار الوطني.
أما الابن الأصغر، هانتر، فزاول المهنة القديمة لوالده في سلك المحاماة، في أحد المكاتب بولاية واشنطن.
أمام حشد من خمسة وثلاثين ألفا من أنصاره، أعلن المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية الأمريكية للعام 2008، باراك أوباما، عن اختياره السيناتور ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ جوزيف بايدن، مرشحا لمنصب نائب الرئيس. وأكد أوباما وقتها ما كشفت عنه في وقت سابق، رسالة “إس إم إس” موجهة إلى مؤيدي المرشح الديمقراطي، تخبرهم باسم المرشح الذي سيشاركه رحلة السباق نحو البيت الأبيض، معتبرا إياه شريكا مثاليا للعمل على إعادة البلاد إلى الطريق السليم.
قال أوباما في كلمة ألقاها أمام مبنى تاريخي في سيرينغيفلد، والذي كان قد أعلن فيه شهر فبراير من العام 2008، ترشحه لخوض السباق نحو البيت الأبيض؛ إن بايدن لن يكون مجرد نائب رئيس جيد، بل نائب رئيس عظيم، ظل طوال عقود يحمل التغيير إلى واشنطن دون أن تتمكن واشنطن من تغييره.
وما إن انتقلت الكلمة إلى جوزيف بايدن، حتى فجر إحدى تصريحاته المثيرة، بقوله: “إن زوجتي جيل التي ستلتقونها، قنبلة حقيقية، إلا أنها حائزة أيضا على دكتوراه”.
عاشق إسرائيل
ما ظل يشفع لهذا الرجل كي يصبح رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية عام 2020، هو تجربته الطويلة وحنكته المشهود بها في إدارة ملفات السياسة الخارجية الأمريكية.
ظل المراقبون يعتبرونه تجسيدا للمدرسة “الواقعية” ولنهج االعودة إلى الدبلوماسية في الملفات الساخنة لمنطقة الشرق الأوسط وإيران.
فجوزيف بايدن من دعاة استخدام سلاح العقوبات والضغوط ضد طهران. لكنه أيضا، من أكثر مخضرمي الساحة السياسية الأمريكية إعلانا لتأييدهم لإسرائيل، وهو ما عبّر عنه بكل الوضوح الممكن خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، والذي انطلق بعد عملية “طوفان الأقصى” ليوم 07 أكتوب 2023.