جدل كبير يرافق مشاركة رئيس جماعة في مسيرة احتجاج “آيت بوكماز”

في خطوة أثارت جدلًا واسعًا، شارك رئيس جماعة تبانت بإقليم أزيلال، خالد تيكوكين، المنتمي لحزب العدالة والتنمية، في مسيرة احتجاجية نظّمتها ساكنة منطقة آيت بوكماز يوم الأربعاء 09 يوليوز 2025، للمطالبة بتحسين البنيات التحتية وظروف العيش الكريم.
وظهر تيكوكين في مقدّمة المسيرة التي انطلقت من قلب المنطقة في اتجاه ولاية بني ملال، مرورًا بمدينة أزيلال، في رحلة طويلة يقطعها المشاركون مشيًا على الأقدام.
وانقسمت الآراء على مواقع التواصل الاجتماعي بين من اعتبر الخطوة “ركوبًا سياسيًا” على مطالب الساكنة ومحاولة لتعزيز الشعبية الشخصية، وبين من رأى فيها تعبيرًا رمزيًا قويًا عن تهميش جماعة تبانت ومؤشرًا على فشل التنسيق المؤسساتي في الاستجابة لمطالب التنمية المحلية.
امتداد طبيعي لوظيفته
في هذا السياق، اعتبر الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي خالد البكاري أن مشاركة رئيس جماعة تبانت، التابعة لإقليم أزيلال، في المسيرة الاحتجاجية الأخيرة التي نظمتها ساكنة منطقة آيت بوكماز، “لا تُعدّ سلوكًا مسيئًا، بل على العكس، تعكس وعيًا حقيقيًا بوضعية المنطقة، وتجسيدًا لتحمُّل المسؤولية في غياب بدائل مؤسساتية فعالة”.
وأوضح البكاري، في تصريح لصحيفة “صوت المغرب”، أن رئيس الجماعة، بعد استنفاد جميع الوسائل القانونية والإدارية المتاحة داخل المؤسسات، “وجد نفسه مضطرًا إلى الانضمام إلى صوت الساكنة”، مؤكدًا أن جماعة مثل تبانت تفتقر إلى الموارد والإمكانيات الكافية لمعالجة الإشكالات البنيوية التي تواجهها الساكنة، ما يستدعي تدخل مؤسسات مركزية ذات نفوذ وصلاحيات أوسع، كوزارة الداخلية والحكومة.
وقال البكاري إن “الصورة التي ظهر بها رئيس الجماعة في مقدمة المسيرة يجب ألا تُقرأ كنوع من التمرّد المؤسساتي، بل كرسالة احتجاج رمزية تعبّر عن عجز منتخبين محليين عن أداء أدوارهم نتيجة ضعف التجاوب المؤسساتي”.
وأبرز في هذا السياق أن “المسار الذي اتخذته المسيرة، من مركز الجماعة إلى مقر العمالة، يحمل بدوره دلالة رمزية، تُظهر وعيًا متقدمًا لدى الساكنة بمراكز القرار الحقيقية، وعلى رأسها وزارة الداخلية، باعتبارها الفاعل الأساسي في السياسات الترابية”.
وانتقد البكاري الأصوات التي سارعت إلى مهاجمة رئيس الجماعة، معتبرًا أن تحميله مسؤولية الاحتجاج هو “تجاهل لطبيعة الأدوار المحدودة التي يضطلع بها المنتخبون المحليون”، مضيفا “حين لا تجد هذه المؤسسات الاستجابة الكافية من الجهات العليا، فإن انخراطها في الحراك يُعدّ امتدادًا طبيعيًا لوظيفتها التمثيلية، لا خروجًا عنها”.
واعتبر المتحدث أن مشاركة رئيس الجماعة، إلى جانب فاعلين سياسيين محليين، تمثل “ضمانة أساسية لسلمية وشرعية الاحتجاج، كما تسهّل عملية الحوار والتفاوض، لما يمتلكه هؤلاء الفاعلون من دراية بالسياق القانوني والسياسي”.
غير أن البكاري شدّد على أن الحفاظ على السلم الاجتماعي “لا يمكن أن يتم فقط عبر الوساطة أو احتواء الغضب، بل يجب أن يقوم على أساس الاستجابة الفعلية للمطالب المشروعة، وتجنب منطق التأجيل والتسويف”.
تحول في خريطة الاحتجاجات
وقال الحقوقي إن حراك ساكنة آيت بوكماز، الذي يشق طريقه حاليًا من قلب جبال الأطلس نحو ولاية بني ملال، يحمل ثلاث دلالات أساسية ينبغي التوقف عندها لفهم أعمق لما يجري في المشهد الاجتماعي المغربي.
أول هذه الدلالات، حسب البكاري، أن موجة الاحتجاجات التي يشهدها المغرب في المرحلة الحالية “باتت ذات طابع اجتماعي صرف، تتحرك بدوافع تتعلق بتدهور شروط العيش، وغياب البنيات التحتية والخدمات الأساسية”.
وأضاف أن هذه الموجة تختلف عن احتجاجات سابقة، سواء في سنة 2011 أو في انتفاضات الثمانينات، والتي كانت، رغم خلفياتها الاجتماعية، مرتبطة كذلك برهانات سياسية كبرى، كالانتقال الديمقراطي أو معارضة النظام السياسي في مراحل معينة من التاريخ المغربي الحديث.
أما الدلالة الثانية، فيرى البكاري أنها تتعلق بما وصفه بـ”القطيعة بين واقع الناس وخطاب مواقع التواصل الاجتماعي”، ففي الوقت الذي تعج فيه المنصات الرقمية بخطابات حادة تُركّز على الصراعات الهوياتية، سواء المرتبطة باللغة أو الدين أو ما يسمى بـ”تمغرابيت”، نجد أن المواطنين في المناطق المهمشة، كمثل آيت بوكماز، ينشغلون أساسًا بمطالب ملموسة وواقعية تتعلق بالعيش الكريم، وليس بصراعات نظرية حول الانتماء والهوية.
وفي هذا السياق، شدّد البكاري على أن ما يُثبت أصالة هذه المطالب هو أنها تصدر عن منطقة أمازيغية نائية، ظلّت مهمّشة لعقود، لكنها اليوم “تُعبّر عن وعي متقدم بالحقوق الاجتماعية، بعيدًا عن الانزلاقات الهوياتية التي تسود بعض النقاشات العامة”.
أما الدلالة الثالثة، فهي ما اعتبره البكاري “تحولًا واضحًا” في جغرافيا الحراك الاجتماعي بالمغرب، مشيرًا إلى أن بؤر الاحتجاج لم تعد تتركز فقط في المدن الكبرى، كما كان الحال في احتجاجات 1965 بالدار البيضاء، أو 1981 و1984، بل أصبحت تنبثق بشكل متكرر من الهوامش القروية وشبه القروية، كما حدث سابقًا في الريف وجرادة وزاكورة، وها هي تتجدد اليوم في آيت بوكماز.
وختم البكاري تحليله بالتأكيد على أن المغرب “يشهد حاليًا نوعًا جديدًا من الوعي الشعبي، تقوده الفئات المهمشة التي لم تعد تقبل بالتهميش، بل تسعى إلى فرض وجودها على الأجندة السياسية والاجتماعية الوطنية، عبر أشكال احتجاجية مدنية وسلمية”.
حسابات سياسية
من جانب آخر، قال هشام ازرو، نائب كاتب فيدرالية اليسار الديمقراطي فرع أزيلال، إن “المنطقة تعاني من وجود صراعات سياسية قائمة بين رئيس الجماعة، ورؤساء العمالة والجهة المنتمين إلى أحزاب أخرى.”
وأوضح ازرو أن “رئيس جماعة تبانت، خالد تيكوكين، مرفوض من قبل هذه الأطراف السياسية، إذ يتم التضييق عليه، كما يتم تعطيل العديد من المشاريع المعلنة، فضلا عن التراجع عن عدد من الصفقات التي يتم الإعلان عنها كفرص تنموية للمنطقة”.
وأشار المتحدث إلى أن “الساكنة مقصية من أبسط الحقوق والخدمات الأساسية، إذ لا توجد شبابيك للبنوك ولا خدمات تضمن لهم حياة كريمة”، موضحا أن “مطالب الساكنة لا تتعدى شرايين الحياة الأساسية في المنطقة، مثل إصلاح الطرق وتوفير شبكة الإنترنت، كونها منطقة سياحية جبلية تفتقر إلى البنية التحتية اللازمة لاستقطاب السياح”.
وأضاف أن “صعوبة الوصول إلى آيت بوكماز تُشكل عائقًا كبيرًا أمام الزوار، ما يحد من إمكانيات التنمية الاقتصادية التي كان من الممكن أن توفر فرص عمل للسكان.”
وتابع المسؤول الحزبي أن “من ضمن المطالب الحيوية التي رفعها السكان هو إنجاز سدود للتنمية لحماية المنطقة من خطر الفيضانات التي تهدد حياة الناس وممتلكاتهم”، مشيرًا إلى أن “الساكنة فقدت مؤخرًا محصولها من التفاح، الذي يعد مصدر رزقها الوحيد، وهو ما زاد من معاناتهم وأدى إلى تهديد قوتهم اليومي”.
ويشار إلى أن المسيرة انطلقت من آيت بوكماز، ووصلت مساء أمس الأربعاء إلى منطقة آيت محمد التي تبعد عن أزيلال بنحو 19 كيلومترًا، لتستأنف يوم الخميس 10 يوليوز 2025 على الساعة الثامنة صباحًا، سيرها باتجاه أزيلال، حيث وصلت إلى مقر عمالة أزيلال، وكانت تعتزم الاستمرار نحو ولاية بني ملال.
أزمة ثقة حقيقية
من جانبه، اعتبر إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، أن المسيرة السلمية التي خاضتها ساكنة آيت بوكماز نحو مقر ولاية الجهة “تُعبّر عن عمق الأزمة الاجتماعية والحقوقية التي تعاني منها المناطق المهمشة”.
وأوضح السدراوي أن هذا الحراك الجماعي لا يمكن فصله عن الظروف القاسية التي تعيشها الساكنة، والتي تتجلى في “مؤشرات مقلقة” أبرزها استمرار الفقر الجماعي وغياب العدالة المجالية، بالإضافة إلى الإقصاء الاجتماعي والتنموي، وانعدام الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والطرق والماء، إلى جانب تفشي الشعور بالحُكرة وغياب الإنصاف في السياسات العمومية.
وذكر أن هذا الحراك الشعبي يعكس “أزمة ثقة حقيقية” في قدرة المؤسسات على ضمان الحقوق، ويبرز فشل السياسات العمومية في تطبيق مقتضيات العدالة الاجتماعية والمجالية المنصوص عليها في دستور 2011، خاصة الفصل 31، وفي العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي صادق عليه المغرب سنة 1979.
وأشار السدراوي إلى أن الرسالة العميقة لهذا الحراك تكمن في أن الصمت الرسمي، والتدبير الموسمي، والتسويق السياحي للمجال الطبيعي لم يعد يخفي معاناة السكان، وأن الاستقرار الحقيقي لا يُبنى إلا على أسس العدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
وأبرز أن غياب قنوات مؤسساتية دائمة للحوار يدفع الساكنة إلى اللجوء إلى الشارع لإسماع صوتها، “وهو ما يحمّل الدولة مسؤولية مباشرة في تأسيس آليات للحوار المجالي التشاركي والمستدام، تماشيًا مع الفصل 154 من الدستور، والمادة 13 من إعلان الحق في التنمية التي تنص على المشاركة الفعالة في اتخاذ القرارات التنموية”.