جدل حول وصلة إعلانية حكومية.. خبير: دعاية سياسية مخالفة لقانون الاتصال

أثارت وصلة ترويجية لصالح الحكومة على القناة الثانية (2M)، جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والحقوقية بالمغرب، حيث وجهت اتهامات للقناة ورئاسة الحكومة بـ”خرق قواعد الحياد السياسي”، وتوظيف عناصر من المشترك الوطني في “دعاية انتخابية”، معتبرة أنها “محاولة واضحة للترويج للحكومة وأغلبيتها السياسية”.
الوصلة التي امتدت لدقيقتين و21 ثانية، ركزت على إنجاز المنتخب المغربي في مونديال قطر 2022، كما استعرضت مجموعة من البرامج الحكومية، مثل دعم السكن، وبرنامج فرصة، وبرنامج الدعم الاجتماعي المباشر، والتأمين الإجباري عن المرض، إذ ربطت الوصلة المعنية، “بشكل غير مبرر بين هذه البرامج ذات الطابع الاجتماعي وحدث تنظيم المغرب لكأس العالم لكرة القدم 2030″.
وبرز في هذا السياق التساؤل حول مدى قانونية هذا المحتوى المثير للجدل، وما إذا كان يخالف مقتضيات الحياد والتعددية الإعلامية، وما إذا تضمت الوصلة تلميحات ذات بعد سياسي، ما قد يجعلها في موقع خرق للقانون المنظم للإشهار في الإعلام السمعي البصري.
إشهار أم دعاية سياسية؟
وفي هذا الصدد، يرى عبد الغني السرار، أستاذ العلوم السياسية في كلية الحقوق بجامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة، أن الوصلة الإشهارية التي بثتها القناة الثانية تفتقر إلى وحدة الموضوع، إذ “تحتوي على خليط من المحاور غير المتجانسة، مما يجعلها تقترب من الدعاية السياسية والانتخابية لمنجزات الحكومة في بعض المجالات، سواء كان ذلك عن قصد أو غير قصد”.
وقال السرار، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن هذا الأمر يتعارض مع مقتضيات القانون رقم 77.03 المتعلق بالاتصال السمعي البصري، لا سيما المواد التي تمنع الإشهار ذو الطابع السياسي، وتلزم متعهدي الاتصال السمعي البصري بالحياد والموضوعية.
وأوضح أن الوصلة الإشهارية “تُرَوِّجُ لمضامين وصور وعناوين تجمع في آن واحد بين ما هو رياضي وتعليمي واجتماعي”، مشيراً إلى أن هذا المزيج “يجعلها عرضة لتأويلات وقراءات متباينة، بما في ذلك القراءة السياسية التي قد يسقط فيها المشاهد”.
وأشار إلى أنه على الرغم من أن شركات الاتصال السمعي البصري تتمتع بحرية إعداد برامجها بموجب المادة 4 من القانون رقم 77.03، فإن المادة 2 من القانون ذاته تحصر قائمة الإشهارات الممنوعة، ومن بينها الإشهار ذو الطابع السياسي.
كما تؤكد المادة 8 على ضرورة تحلي متعهدي الاتصال السمعي البصري بالحياد والموضوعية عند تقديم الأحداث، دون تفضيل حزب سياسي أو أي إيديولوجية معينة.
وأضاف السرار أن القانون يشدد على ضرورة احترام التعددية السياسية في وسائل الإعلام السمعية البصرية، وهو ما تؤكده المادة 9 التي تمنع بث برامج تمجد مجموعات ذات مصالح سياسية أو أيديولوجية.
وقال إن القانون المذكور ينص على ضرورة حرص الهيأة العليا للاتصال السمعي البصري على احترام التعددية السياسية “باعتبارها حارساً وضامناً لها”.
وأشار إلى أنه من بين مهام الهيأة بموجب الفقرة 5 من المادة 3، “الحرص على ضمان حيادية الشركات الوطنية للاتصال السمعي البصري بمناسبة ممارستها لمهامها”. بينما تحث الفقرة 6 من المادة 4 على مراقبة احترام قواعد التعبير التعددي، بما في ذلك التعددية السياسية، ومنع احتكار الفضاء الإعلامي من قبل جهة حزبية أو نقابية معينة.
وشدد السرار على أن المشرع منح الهيأة العليا سلطة مراقبة الفقرات الإشهارية التي تبثها القنوات السمعية البصرية، واتخاذ العقوبات المناسبة في حال مخالفة القوانين، وفقًا للفقرتين 8 و9 من المادة 4.
للحصيلة فضاءاتها الرسمية
هذا وذكّر عبد الغني السرار، أستاذ العلوم السياسية، بالآليات الدستورية والمؤسساتية التي تتيح للحكومة أو أغبيتها تقديم حصيلتها بشكل رسمي عبر البرلمان أو عبر المساحات الإعلامية الحزبية المتاحة. وقال “إذا كان الهدف من الوصلة الإشهارية هو تقديم حصيلة عمل الحكومة، فإن هناك آليات رسمية مخصصة لذلك”.
وأوضح السرار أنه يتوجب على رئيس الحكومة، وفقاً للفصل 101 من الدستور، عرض الحصيلة المرحلية لعمل حكومته أمام البرلمان بمبادرة منه أو بطلب من أعضاء مجلس النواب أو مجلس المستشارين. كما يتيح الفصل 100 لرئيس الحكومة الحق في الجواب على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة مرة واحدة على الأقل في الشهر.
وأضاف أنه علاوة على ذلك، تمتلك الأحزاب السياسية قنواتها الإعلامية الخاصة، بما في ذلك الصحف والمواقع الإلكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي، “التي يمكن استغلالها في الترويج لمنجزاتها”، وذلك دون الحاجة لاستخدام وسائل الإعلام العمومية بطريقة قد تثير الجدل.
كما شدد على أن الأحزاب السياسية تمتلك الحق في الولوج إلى قنوات الاتصال السمعي البصري العمومية خلال الحملات الانتخابية، لكن ذلك يتم وفق ضوابط تضمن الإنصاف والتعددية.
شكايات حزبية
وغلاقة بالموضوع، وجهت أحزاب سياسية، شكايات إلى رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، لطيفة أخرباش، حول ما وصفته بـ”خرق” الحكومة للقواعد المؤطرة للاتصال السمعي البصري، على خلفية بث القناة الثانية للوصلة الإشهارية.
وقال حزب التقدم والاشتراكية، في هذا الصدد، إن الفيديو يخلط بين المحتوى المؤسساتي الموجه للصالح العام والإشهار الترويجي الذي يخدم طرفاً سياسياً بعينه، معتبراً أن ذلك يشكل “استغلالاً سياسوياً لعناصر ورموز وطنية بهدف التأثير على الرأي العام”.
وأوضح أن المنجزات الحكومية التي يروج لها الفيديو “تحتمل في الواقع تبايُنَ واختلاف التقدير السياسي، بشأن مدى تحقُّقها وتقييم نجاعة تفعيلها، بين المعارضة والأغلبية”، مشيراً إلى أن الحزب يراها من موقعه “منجزات حكومية وهمية” بالنظر إلى ما ينطوي عليه تفعيلُها من اختلالاتٍ كبيرة، بشهادة مؤسسات دستورية رسمية مستقلة
وطالب بنعبد الله بالتحقيق في مدى احترام الوصلة للقوانين المنظمة للقطاع السمعي البصري العمومي، ولا سيما دفتر تحملات القناة الثانية، والذي ينص على ضرورة ضمان الحياد والموضوعية والتعددية، ومنع بث أي محتوى ترويجي لصالح الأحزاب السياسية.
ودعا بنعبد الله إلى الكشف عن تفاصيل تمويل إنتاج الوصلة، وطبيعة الأطراف المتعاقدة في عملية إنتاجه وتسويقه، ومدى استخدام المال العام في تمويله، مطالبًا بالتحقق من مدى شفافية العملية واحترامها لمعايير المسؤولية والمحاسبة.
ومن جانبه طالب الأمين العام لحزب الحركة الشعبية، محمد أوزين، في مراسلة إلى رئيسة الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري (الهاكا)، بالتدخل العاجل لوقف الوصلة الإعلانية، معتبراً أنها “تحمل مضامين انتخابية سابقة لأوانها”.
وأشار أوزين في مراسلته إلى أن الوصلة المعنية، “تربط بشكل غير مبرر بين حدث تنظيم المغرب لكأس العالم 2030 وبرامج حكومية ذات طابع اجتماعي”، مثل دعم السكن، وبرنامج فرصة، والدعم الاجتماعي المباشر، والتأمين الإجباري عن المرض، وذلك في “محاولة واضحة للترويج للحكومة وأغلبيتها السياسية”.
واعتبر الحزب أن “إقحام مضامين انتخابية في مادة إعلامية مرتبطة بتظاهرة رياضية عالمية يشكل استغلالاً غير مقبول لحدث وطني جامع يسمو فوق الحسابات السياسوية”، مبرزاً أن “احتضان المغرب لمونديال 2030 هو إنجاز ملكي وطني بامتياز، ولا يمكن تحويله إلى مادة للاستقطاب السياسي أو توظيفه في الدعاية الحكومية”.
وقالت المراسلة إن “الحكومة تسعى إلى الركوب على هذا الحدث واستغلاله في تمرير رسائل انتخابية مبكرة، في خرق سافر لمبادئ الحياد الإعلامي”، خاصة من خلال “استخدام فئة من اليافعين في الوصلة الإعلانية لتمرير خطاب يحمل بعداً سياسياً واضحاً”.
وطالب أوزين الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بالتدخل العاجل والوقف الفوري لبث هذه الوصلة الإعلانية، “نظراً لمخالفتها لمقتضيات الحياد والتعددية الإعلامية”، واتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضد القناة الثانية باعتبارها متعهداً إعلامياً عمومياً، لضمان احترامها للضوابط القانونية المؤطرة للاتصال السمعي البصري.