جدل حقوقي يرافق مشروع القانون الخاص بحماية الحيوانات الضالة

أثارت بعض مقتضيات مشروع القانون رقم 19.25 الخاص بحماية الحيوانات الضالة، جدلاً واسعاً بين الأوساط البيئية وجمعيات الرفق بالحيوان، التي عبرت عن مخاوفها من مواد قد تحد من حقوق الحيوانات وتفتح الباب لممارسات الإبادة، كما نبهت إلى تحديات كبيرة تتعلق بمراقبة تطبيق القانون وضمان تمويل مستدام لمراكز إيواء الحيوانات الضالة.
وفي هذا السياق، قالت جمعية “ارحم” إنها استبشرت خيراً بطرح مشروع قانون رقم 5.9.25 بعد سنوات طويلة من النضال الميداني والحقوقي، إذ كانت تأمل أن يكون القانون أداة حقيقية لحماية حقوق الحيوانات وتنظيم وجودها في الشوارع ووضع حد لمعاناة الكائنات التي لا صوت لها ومعاناة محبيها.
لكنها، حسب ما ورد في بلاغ أصدرته الجمعية ذاتها، “فوجئت بوجود مواد لا ترقى إلى تطلعاتها، بل تثير مخاوف حقيقية، خاصة في ظل استمرار حملات الإبادة التي تمارس ضد حيوانات الشارع في مختلف ربوع المملكة”.
وفي هذا الصدد، أكدت الجمعية أن “المادة 5 من المشروع، التي تحظر تقديم المساعدة لأي حيوان، وتفرض عقوبات قاسية في المادة 44، تتعارض مع مبادئ الدستور التي تكفل احترام كرامة جميع الكائنات الحية”، مضيفة أنها “تتناقض أيضا مع المادة 267 من القانون الجنائي، مما قد يخلق ارتباكًا قانونيًا ويضعف من فعالية العقوبات”.
وتابعت الجمعية أن “المشروع يخالف كذلك الاتفاقيات الدولية، حيث أشار إلى أن المغرب صادق على عدة اتفاقيات دولية تحمي حقوق الحيوانات وتدعو إلى الرفق بها، في حين توجد نصوص تسمح بالإبادة أو تفتقر لضمان العلاج والرعاية الصحية بهذا المشروع، ما يسيء إلى سمعة البلد ويعرضه لانتقادات دولية”.
إلى جانب ذلك، أوضحت “ارحم”، أن المادة 18 تحصر رخص الملاجئ في يد المجالس البلدية فقط، “في الوقت الذي أثبت فيه الأخيرة فشلها الذريع في تدبير ملف قطط وكلاب الشارع”، وتقاعست عن تنفيذ الاتفاقية الإطار الموقعة منذ 2019 للقضاء على السعار والحد من التكاثر بطريقة علمية وإنسانية.
وحذرت الجمعية من أن تُستغل المادة 51 التي تسمح للسلطات المحلية بالتدخل استثنائياً للقضاء على خطر الحيوانات الضالة عند تهديدها للنظام والأمن، قد (تُستغل) كذريعة للاستمرار في قتل الكلاب والقطط، مؤكدة رفضها القاطع لذلك، كما شددت على ضرورة وضع عقوبات رادعة وحازمة لكل من يمس بصحة الحيوان أو يهدد سلامته، مع ضمان تطبيق هذه العقوبات بشكل فعال.
وفي غضون ذلك، أكدت الجمعية ضرورة وضع عقوبات رادعة وحازمة لكل شخص أو مؤسسة تمس بصحة الحيوان أو تهدد سلامته وتسبب له الأذى، مع ضمان تطبيق هذه العقوبات بشكل فعال، كما شددت على أهمية مرافقة هذه العقوبات بحملات توعية وتثقيف مستمرة لتعزيز الوعي المجتمعي بثقافة الرفق بالحيوان وأهمية حمايته.
كما طالبت بحذف أو تعديل المواد 5 و18 و51، إلى جانب فتح تراخيص الملاجئ أمام الجمعيات المؤهلة، على أن تُمنح هذه التراخيص بالتنسيق بين المجلس البلدي وجهة محايدة مختصة، مع إخضاع الملاجئ للمراقبة البيطرية الصارمة لضمان احترام معايير الرفق بالحيوان.
وفي نفس السياق، قال مصطفى بنرامل، الخبير البيئي والفاعل الجمعوي، إن مشروع القانون رقم 19.25 يشكل تحوّلاً قانونياً وإنسانياً مهماً في تعامل المغرب مع الكلاب والقطط الضالة، مضيفا أن العقوبات والغرامات التي يتضمنها القانون تعد خطوة ضرورية للحد من ظاهرة الحيوانات الضالة وإطعامها في الشوارع.
لكن في المقابل، لفت بنرامل إلى أن المشكل الحقيقي المرتبط بهذا المشروع يكمن في كيفية مراقبة تنفيذ هذه العقوبات، متسائلاً عن الجهات التي ستُخول بمهمة المراقبة، حيث ذكر تجارب سابقة أظهرت ضعف المراقبة وعدم الحزم مثل الشرطة البيئية والشرطة الإدارية في الجماعات الترابية وأعوان مراقبة الطيور وغيرها.
ولذلك، أكد بنرامل أن مراقبة وجود الحيوانات الضالة في الفضاءات العامة تمثل تحدياً كبيراً، كما أن ضعف آليات المراقبة قد يضعف من فعالية القانون ويؤثر على تحقيق أهدافه في الحد من الظاهرة.
وإلى جانب ذلك، أشار المتحدث إلى تحد آخر مرتبط بتمويل مراكز الإيواء، إذ أن تكلفة إنشائها وتشغيلها عالية ولا تستطيع الجماعات الترابية تمويلها بشكل كافٍ، مبرزا أن الحل الأمثل هو الاعتماد على دعم جهات ومنظمات خارجية وتسيير المراكز من طرف جمعيات قوية.
ويأتي مشروع القانون رقم 19.25 المتعلق بحماية الحيوانات الضالة والوقاية من أخطارها، في إطار استعدادات المغرب لاحتضان أحداث رياضية كبرى في السنوات المقبلة أبرزها كأس إفريقيا للأمم لكرة القدم 2025، وكأس العالم لكرة القدم 2030.
وقد أثار هذا الموضوع، في الفترة الأخيرة، جدلا إعلاميا بمناسبة فوز المغرب بحق المشاركة في تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2030 (إلى جانب إسبانيا والبرتغال)، إذ تتهم جمعيات متخصصة السلطات المغربية ب “رفع وتيرة قتل الكلاب الضالة”، مستندة على تقديرات بأنها تقارب مئات الآلاف سنويا.
وتقول الجمعيات إنها تخشى أن يتم استهداف مجمل هذه الكلاب، مشيرة إلى أن عددها قد يناهز ثلاثة ملايين في أفق العام 2030.
يتردد هذا الرقم في وسائل إعلام أجنبية، رغم أن السلطات المغربية لاتقدم أي أرقام دقيقة بشأن عدد الكلاب الضالة في البلاد.
وتنفي الحكومة المغربية أية نية للتخلص من الكلاب الضالة، مؤكدة أنها تفضل منذ العام 2019 تقنية الالتقاط والتعقيم والتلقيح.
لكن الجدل لم يتوقف، إذ دعت أخيرا مؤسسة بريجيت باردو الفرنسية للرفق بالحيوان الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) إلى سحب الحق بتنظيم المونديال من المغرب.
في المقابل، ندد وزير الداخلية المغربي عبد الوافي لفتيت أخيرا بما اعتبرها “هجمات إعلامية ممنهجة تسعى إلى تشويه صورة المملكة”، استنادا إلى “معطيات مغلوطة وخارجة عن سياقها”.
ومن شأن هذا المشروع أن يسهم في تحقيق “التوازن بين الحفاظ على أمن وسلامة المواطنين وتوفير الرعاية والحماية اللازمتين” لتلك الحيوانات.