جبرون: نصوص المولى عبد الحفيظ تفتح آفاقًا جديدة لفهم مغرب ما قبل الحماية

قال أستاذ التعليم العالي المتخصص في التاريخ والفكر السياسي الإسلامي، امحمد جبرون، إن تأخر الباحثين والمؤسسات العلمية في إخراج النصوص التي تعكس وجهة نظر السلطان المولى عبد الحفيظ، أحد أبرز الفاعلين السياسيين في مطلع القرن العشرين، حرم النقاش التاريخي من زوايا تحليلية مهمة حول مرحلة دقيقة من تاريخ المغرب الحديث المتعلقة بتوقيع معاهدة الحماية ودخول الاستعمار.
وأوضح جبرون، في حوار مع صحيفة “صوت المغرب” أن كتابي “إعلام الأفاضل” و”داء العطب قديم” للسلطان المولى عبد الحفيظ يكتسيان أهمية استثنائية في مراجعة السردية التاريخية السائدة حول السياقات التي سبقت توقيع معاهدة الحماية عام 1912، مؤكدًا أن المولى عبد الحفيظ لم يكن مجرد فاعل سياسي تقليدي، بل عبّر في هذين النصين عن الوضع السياسي الداخلي والدولي الذي عاشه المغرب آنذاك.
وأضاف جبرون أن السلطان عبد الحفيظ حاول من خلال هذين العملين توثيق رؤيته للأحداث، خاصة استدعاء الجيوش الفرنسية من الشاوية إلى مدينة فاس، مبينًا أن هذه الخطوة كانت في سياق أزمة متعددة الأوجه، من حصار فاس من طرف الثوار، وانقسام داخل الأسرة الحاكمة، وصراع على السلطة مع شقيقه مولاي الزين، فضلاً عن تفكك داخلي على مستوى النخب السياسية والعسكرية.
وفي سياق قراءته لهذين النصين، شدد الباحث المغربي على أن الانقسامات الداخلية سواء في صفوف القواد الكبار أو داخل البيت العلوي نفسه كانت سببًا جوهريًا في إضعاف الجبهة الوطنية، وسهّلت المهمة أمام القوى الاستعمارية، لافتا إلى أن نصوص السلطان عبد الحفيظ تقدم تشخيصًا دقيقًا لهذه الانقسامات.
وأشار جبرون إلى أن نص “داء العطب قديم”، سعى من خلاله المولى عبد الحفيظ إلى تبرير الاستعانة بالجيوش الفرنسية من منطلق شرعي وسياسي، رافضًا اعتباره خيانة أو خروجًا عن الدين، مثلما ذهب إلى ذلك بعض معاصريه، كما يُبرز أن العلاقة مع القوى الأجنبية لم تكن استثناء في عهد عبد الحفيظ، بل لها جذور أقدم في التجربة السياسية المغربية، وقد تمت ممارستها من قِبل سلاطين سابقين.
وقال جبرون إن النصين يبرزان أيضًا هشاشة الدولة المخزنية قبيل الاستعمار، وخصوصًا ما يتعلق بنقل السلطة والانقسام السياسي، مبرزا أن البيعة لم تكن كافية لحسم الخلافات، بل كان كل مرشح يحصل على بيعات في مناطق معينة، ويقترح نفسه سلطانًا، وهو الأمر الذي كان يُضعف تماسك الدولة.