جبرون في ذكرى ثورة الملك والشعب: إنجاز تحريري كبير بتضحيات من الملك إلى أدنى الطبقات الشعبية
قال المؤرخ المغربي امحمد جبرون “إن ذكرى ثورة الملك والشعب من الملاحم الوطنية العظمى في تاريخ المغرب المعاصر، التي جسدت عمليا التحام الملك والشعب في صف واحد وفي مواجهة الاستعمار الفرنسي المتعنت، المتغطرس”.
وأكد جبرون في تصريح لصحيفة “صوت المغرب” أن ذكرى هذه الثورة تعتبر مناسبة لإحياء قيم ومعاني النضال المشترك والوفاء المتبادل بين الملكية والشعب المغربي. مضيفا أن أبناءنا اليوم في حاجة لاستيعاب دروس وعبر هذه المناسبة العظيمة. كما أنها أيضا تذكير للجميع بأن انتصاراتنا الكبرى مشروطة بالوحدة والوفاء والتعاضد المتين بين العرش والشعب.
ملك ثائر
يربط امحمد جبرون بين ثورة الملك والشعب، ورفض الملك محمد الخامس لمخططات السلطات الفرنسية.
وقال جبرون “إن الملك محمد الخامس الذي كانت تريده السلطات الفرنسية كركوزا معزولا عن الشعب تنفذ من خلاله سياساتها الاستعمارية فاجأها بوعيه الوطني والسياسي وشرع منذ الثلاثينيات من القرن الماضي في التواصل مع الحركة الوطنية المدينية والتنسيق معها من أجل تحقيق مطالب وسيادة المغرب، الشيء الذي لم يرق سلطات الحماية.
وأضاف ” وقد بلغ التناقض بين الملك والاستعمار الفرنسي ذروته خلال زيارة طنجة في شهر أبريل 1947، التي عبر فيها الملك محمد الخامس بصريح الهبارة عن تطلعات الشعب المغربي من أجل الاستقلال والحرية، وأن المغرب مكانه بين أشقائه العرب والمسلمين، الشي الذي لم يرق سلطات الحماية التي أضمرت منذ ذلك الحين مؤامرة عزل الملك، وقد ازداد هذا التوتر حدة بعد رفض الملك وأمعن في الرفض لمشاريع الظهائر التي اقترحتها عليه الإقامة العامة والتي كانت تخرج عن مقتضى اتفاقية الحماية وتلحق المغرب بإفريقيا الفرنسية”.
وتابع “إن هذا الصراع بين المغفور له محمد الخامس والإقامة العامة الذي أمسى ظاهرا للعيان كان وراء إقدام سلطات الحماية على جريمتها الشنعاء يوم 20 غشت 1953.
حزب فرنسا الوفي
في هذا الصدد، أوضح المؤرخ المغربي أن سلطات الحماية لجأت لتنفيذ جريمتها إلى حزبها الوفي الذي كان يتكون من مجموعة من الخونة وفي طليعتهم الباشا الكلاوي ومجموعة من القواد الآخرين، بالإضافة إلى بعض ضعاف رجال المخزن كالصدر الأعظم وغيره.
ونبه جبرون إلى أن سلطات الحماية حاولت أن تصور الأمر على أنه ثورة شعبية ضد الملك محمد الخامس الذي ارتمى في حضن الوطنيين في حين كان الأمر مؤامرة محبوكة ومتقنة الإخراج.
وأضاف “ومما تجدر الإشارة إليه في هذا السياق أن عدد من القواد جاؤوا إلى الرباط باعتبار أن الملك مهدد ومعرض للخطر، ولم يكونوا مدركين لخيوط المؤامر باستثناء الكلاوي ومن معه”.
النتائج المترتبة
ترتبت عن هذا القرار، بحسب امحمد جبرون، مجموعة من النتائج، فعلى المستوى السياسي تم تنصيب ملك غير شرعي جديد وهو ابن عرفة، الذي حاولت من خلاله سلطات الحماية تمرير كل المشاريع والقوانين التي كانت محبوسة بسبب إضراب السلطان الشرعي، كما أن عدد من النخب العاقلة في فرنسا اعتبرت الخطوة التي أقدمت عليها سلطات الحماية بالمغرب خطوة متهورة وستسهم في مزيد من التدهور وهو ما حصل فعلا، أما على المستوى الداخلي فقد اندلعت ثورة شعبية في مختلف مناطق وأنحاء المغرب رافضة للجريمة الاستعمارية ومستنكرة لها في وجدة والرباط وفاس والدار البيضا والشمال
وأشار جبرون إلى أن سلطات الاحتلال ارتكبت مجازر في حق المتظاهرين. ومن ناحية أخرى كان هذا الحدث مناسبة لانطلاقة جديدة في العمل الوطني حيث تم الانتقال تدريجيا نحو العمل المسلح، وبدات عمليات الحركة الفيدائية مستهدفة المعمرين والخونة وأعوان الاستعمار، وتطور الأمر فيما بعد ذلك إلى تكوين جيش التحرير المغربي.
الدروس المستفادة
وفي قراءته للدروس المستفادة من هذه الذكرى، أكد امحمد جبرون، أن أول هذه الدروس هو أن ما حققه المغاربة من إنجاز تحريري كبير كان بتضحيات جسيمة من الجميع وفي مختلف المستويات من الملك إلى أدنى الطبقات الشعبية في المدن والقرى؛ ثانيا إن الوحدة والتعاضد هي الحبل المتين الذي حققنا من خلاله كل الإنجازات؛ ثالثا أن الخونة عاقبتهم وخيمة، وأن العمالة للأجنبي خزي في الدنيا وفي الآخرة، وهو الأمر الذي لا زال يلاحق البعض بالرغم من مرور كل هذه السنين.