جبرون: الحركة الأمازيغية أسيرة لمقولات الجيل المؤسس ومعاداة العربية والإسلام

في هذا الحوار، يوضح المؤرخ المغربي، امحمد جبرون، الأسباب التي دفعته لوصف خطاب الحركة الأمازيغية بالخطاب الأصولي، كما يقدم قراءة تاريخية لوضعية الأمازيغية في المغرب، والمعيقات التي تحول دون تحولها إلى شأن مجتمعي يتجاوز خطاب النخبة.
كما يدلي جبرون بدلوه في عدد من القضايا التي تهم القضية الأمازيغية.
خلافا لاهتماماتكم المعروفة، أدليتم في الآونة الأخيرة ببعض الآراء والمواقف حول القضية الأمازيغية ما الذي يدفع مؤرخ مثلكم إلى تناول هذا الموضوع؟
– بداية، شكرا لكم على إتاحتكم لنا هذه الفرصة لتناول موضوع غاية في الأهمية بالنسبة للإنسان المغربي. أما بخصوص سؤالكم: إن موضوع الأمازيغية والقضايا المتفرعة عنها موضوعا يتأسس على عدد من الفرضيات والسرديات التاريخية، ولهذا وجدت نفسي بطريقة غير مباشرة متورط في نقاش عدد من هذه الفرضيات والأفكار التي يتأسس عليها الخطاب الأمازيغي، وتصحيحها، كما لا ننسى أن دورنا كمثقفين وباحثين هو استثمار المعرفة العلمية في النقاش العمومي والعمل على توجيهه وترشيده. وأظن أنني أقوم ببعض من هذا بين الفينة والأخرى.
اعتبرتم أن بعض المنتسبين للتيار الأمازيغي سلفيي المنزع في علاقتهم بالأمازيغية ألا ترى بأن هذا حكم قيمة يبخس نضالات هذا التيار؟ وإذا كان الأمر كذلك فما هي تجليات هذا المنزع السلفي في نظركم؟
ربما قد يبدو هذا التوصيف قيمي، ولكنه في الحقيقة يعكس حالة فكرية وثقافية يعيشها الكثير من النشطاء الأمازيغ، بحيث لا زالوا أسرى مقولات الجيل المؤسس والتي-على أية حال- أمست اليوم موضوع نقاش إذا لم تكن متجاوزة بسبب المستجدات البحثية والسياسية التي تهم المغرب، والتي هي بالأساس مستجدات علمية. ومن ثم، فالقول بأن سكان المغرب القدامى هم الأمازيغ، واللغة التي كانوا يتحدثون بها هي تيفيناغ، وأن الإسلام أدخله العرب بالسيف والسلطان، وأن العرب غزاة..كلها مقولات متطرفة وتعكس نوعا من الأصولية الثقافية التي تقف على النقيض من حقائق العلم والتاريخ.
أصل الأمازيغ لازال يثير الكثير من الجدل بين من يرد أصولهم إلى اليمن وبين من يعتبرهم هوية اثنية وعرقية محلية لها خصوصياتها، فضلا عمن يرد أصولهم لأوروبا ما هو الطرح الذي تميلون؟
إن الأمازيغ أو من عرفناهم بهذا الاسم في العصر الوسيط هم في الأصل خليط من العناصر المحلية المورية وغيرها، وعناصر من أصول أوروبية إبيريا وفرنسية وإيطالية الذين جاؤوا مع الرومان، وعناصر شرقية فنيقية وعبرية، وعناصر زنجية… فكل هؤلاء أطلق عليهم اسم الأمازيغ في العصر الوسيط. وستنضاف إلى هؤلاء جميعا مع تقدم التاريخ عناصر عربية واندلسية وزنجية أخرى…
تعتبرون أن اسم الأمازيغ هو لفظ حديث مرتبط بالعصور الوسطى ما الذي يعزز هذا الطرح؟ في مقابل لفظ الأمازيغ نجد لفظ البربر ما أصل هذه التسمية؟ ولماذا أصبحت هذه الكلمة ذات حمولة قدحية؟
الذي يعززه ويدل عليه هو أننا لا نعثر على هذا الاسم في النصوص المكتوبة التي وصلتنا عن المؤرخين الإغريق واللاتين، كما أن الفرضيات المطروحة في هذا السياق والتأصيلات التي يذكرها البعض غير مسلمة بها وضعيفة. وفي المقابل أطلق المؤرخون القدامى على المغاربة أسماء من قبيل الموريين، الليبيين، البربر، الأثيوبيين، الجيتوليين، البكاوات… وكل هذه الأسماء كان لها أصل في لغة الأهالي، وليست تسميات أجنبية غريبة كما يذهب إلى ذلك البعض.
أما عن لفظ البربر هو في أصله قدحي، فقد أطلقه الرومان وغيرهم على من اعتبروهم شعوب غير متحضرة والتي تقع خارج حدود روما، لكن هذه الحمولة القدحية سرعان ما تم تناسيها مع مرور الزمن، فالمؤرخون العربي على سبيل المثال لا يذكرون هذا الاسم مقرونا بشيء من هذا القبيل.
العديد من الشعوب التي اعتنقت الإسلام حافظت على لغاتها في حين أصبحت العربية في المغرب لغة المدرسة والإدارة بدل الأمازيغية إلى ماذا يعزى ذلك في نظركم؟
– الأمر بسيط جدا، اللغة الأمازيغية كانت دائما تقليدا شفاهيا، ولم تكن يوما لغة الإدارة والسياسة والاقتصاد، ولهذا كان يتعامل حكام الأمازيغ وتجارهم مه الأجانب باللغات الأجنبية المكتوبة البونية واللاتينية. كما أنهم اتخذوا من اللغة اللاتينية في مرحلة من المراحل لغة رسمية لهم، وأبدعوا وكتبوا بها. ومن ثم نفس الشيء تكرر مع العربية التي أمست في الدول الأمازيغية لغة الإدارة والدولة بينما حافظت الأمازيغية على أدوارها ووظائفها التقليدية الشفاهية. ولم يكن الأمازيغ يحسون بأي نقص اتجاه هذا الواقع.
بينما في التجارب السياسية الأخر، وخاصة في بلاد فارس وغيرها من البلاد، كان الوضع مختلفا، حيث كانت اللغات المحلية لغات متداولة وكتابية ولغة الدولة كما هو الحال في بلاد فارس.
ما الذي حال دون كتابة الأمازيغية وترسيمها على مدى قرون؟
الأمازيغ المسلمون هم من جعلوا اللغة العربية لغة السياسة والثقافة والعلم، بينما تركوا الأمازيغية لغة التواصل الشفاهي، ولم تتبين لهم الحاجة للارتقاء بلغتهم الشفاهية إلى لغة عالمة. ولعل السيرة التاريخية للمغرب مع اللغات الأجنبية في القديم، وقبل الإسلام تؤكد حقيقة الازدواجية اللغوية أو التعدد اللغوي باعتباره معطى هوياتي وليس أمرا طارئا.
يرى البعض أن كتابة الأمازيغية بحرف تيفيناغ أحد الأسباب التي تحول دون تعلمها من طرف جميع المغاربة هل تتفق مع هذا الطرح؟
هناك أسباب عديدة، فمن جهة إن الحرف الذي تمت به كتابة الأمازيغية هو حرف تقليدي من جيل حروف الكتابة المسمارية والهيروغليفية والكتابات القديمة عموما التي نجد لها نظيرا في إيبيريا وشبه الجزيرة العربية وفي المغرب قبل ظهور التيفيناغ… وهذا النوع من الحرف متجاوز تاريخيا، ويعكس قدرا غير قليل من التعصب التاريخي، ومن جهة ثانية إن طبيعة اللغة الأمازيغية شفاهية وأدوارها التقليدية لا تحتاج معها للكتابة، فلم تكن يوما لغة مكتوبة تعقد بها الاتفاقات والمعاهدات وتتم بها المراسلات، وتؤلف بها الكتب… فهي في مجملها تراث وتقليد شفاهي.
كيف ترى الإجراءات التي تقوم بها الدولة من أجل تعميم تدريس الأمازيغية؟
هي إجراءات مفهومة من الناحية السياسية في ضوء تصاعد حالة الاستقطاب الهوياتي في المغرب، ولكنها إجراءات تعاكس حقيقة عاش بها المغاربة آلاف السنين، ولا أظن أنها تضيف شيئا ذو قيمة للهوية المغربية باعتبارها هوية تعددية، فنحن ندرس العربية ليس لأنها لغة قومية ولكنها لغة حضارتنا المغربية الأمازيغية ولغة ديننا، ولهذا السبب تعلمها الأمازيغ قبل غيرهم، وعملوا على نشرها بينهم، ولم يكن هذا الأمر يشكل لهم أية عقدة.
لماذا لم تنجح الحركة الأمازيغية ومعها الدولة بمختلف مكوناتها إلى تحويل الأمازيغية إلى شأن مجتمعي يهم جميع المغاربة؟
ببساطة لأنها، أي الأمازيغية، طرح أيديولوجي في خطاب الكثيرين، كما أنها مسألة النخب في المراكز الحضرية، كما أنها –وهذا مهم- لا تتماشى مع الحقائق وما جرى به العمل على امتداد تاريخ المغرب الطويل، فالمغاربة قبل الاستعمار لم يكن لهم أي تشنج لغوي أو عرقي، وكانوا يدركون أنفسهم ككل واحد، يجمعهم الدين والتاريخ والمصير المشترك.
ما المطلوب في نظرك لجعل القضية الأمازيغية قضية مجتمعية تهم كل المغاربة؟
إذا أرادت الحركة الأمازيغية أن تصنع لنفسها تاريخا جديدا في المغرب عليها أن تبحث لنفسها عن شرعية بعيدا عن معادات الإسلام واللغة العربية والمكون العربي في المغرب، أما والحالة هاته اليوم، الموسومة بمعاداة ما هو عربي وإسلامي… فلا أظن أن الأمازيغية ستتحول إلى شأن مجتمعي.