جائحة الماء
خرج وزير التجهيز والماء نزار بركة مؤخرا في إحدى جلسات البرلمان ليحذر من مخاطر السنوات المتتالية للجفاف على المغرب. ورغم التساقطات الأخيرة التي عرفتها مناطق مختلفة من المملكة، فإن المشكل بنيوي ويفرض أجوبة نسقية ومستدامة للتعامل معه.
تتعدد الأمثلة على ندرة المياه في المغرب: الجفاف التاريخي لسدود متعددة عبر البلاد، من ضمنها سد المسيرة ثاني أكبر السدود وطنيا. والانقطاع المتكرر للمياه في عدة مدن مغربية. وجفاف آبار وأنهار في مناطق مختلفة، من ضمنها واد تانسيفت.
هذه الظروف لها تبعات على المديين القصير والبعيد. فهي ستجعل من المستحيل على الفلاحين الصغار زراعة أراضيهم وإيجاد الماء الكافي للشرب لهم ولمواشيهم. مما سيدفع غالبيتهم للهجرة نحو المدن، وبدوره سيشكل ضغطا كبيرا على المدن.
هذا الضغط سيكون اقتصاديا أولا عبر الضغط على فرص الشغل وعلى السكن. كما سيوثر على الجانب الأمني بسبب ارتفاع وتيرة الاقتصاد والسكن غير المهيكلين. ووضع حد لهذه الظواهر سيكلف أضعاف ملايين الدولارات القليلة امن عائدات بعض الزراعات التي تكلف حجما خياليا من المياه لإنتاجها.
مثلا، في ظل ظروف الجفاف، لازال هناك من يحتفي للموسم الفلاحي الحالي لفاكهة “الأفوكادو” الذي تضاعفت فيه صادرات هذه الفاكهة أربع مرات. ويشار هنا إلى أنه نحتاج إلى 70 لتر من الماء لإنتاج حبة أفوكادو واحدة أو 15 مليون لتر من الماء في السنة لإنتاج هكتار واحد من نفس الفاكهة.
الأمر نفسه ينطبق على فاكهة البطيخ الأحمر (الدلاح) والفواكه الحمراء. لا يمكن أن يكون في نفس البلد وزير يدق ناقوس الخطر حول ندرة المياه وزراعات تستنزف الموارد المائية بدون حسيب ولا رقيب. هذا الحال يتعارض مع النبرة الصارمة للملك محمد السادس في خطابه الذي شدد على أنه لا تساهل مع مبذري المياه.
الوضع الحالي ليس بالهين، فعلى المغاربة أن يعوا التحولات البيئية التاريخية التي تعرفها بلادنا. لكن على الدولة كذلك أن تتعامل مع الوضع بالجدية اللازمة. هذه الجدية يجب أن تكون بنفس مستوى تعامل المغرب مع جائحة كورونا. فعلى الدولة أن تتواصل بشكل منتظم وفعال مع المواطنين حول هذا الموضوع. كما يجب على المشرع أن يسرع بإصدار قوانين زجرية ضد مبذري المياه. مثلا، يمكن التركيز على الحدائق الضخمة التي يتم سقيها بالماء الصالح للشرب. نفس الشيء ينطبق على الأشخاص الذين يغسلون سياراتهم بالماء الصالح للشرب، ومحلات غسيل السيارات.
بالإضافة إلى الشق القانوني، لابد من تشجيع المبادرات التي تتجه صوب الفلاحين وسكان المناطق القروية وتأهيلهم من أجل الانخراط في هذا المشروع الوطني. هناك تجارب من مناطق مختلفة من العالم التي تركز على إعادة إحياء الأراضي الفلاحية وإعادة ملء المياه الجوفية واستغلال مياه الأمطار. هناك ممارسات ثقافية فلاحية مختلفة تستحق التعلم منها ومحاكاتها في المناطق المناسبة.
أذكر هنا على سبيل المثال تقنية “الزاي” المنتشرة في منطقة غرب إفريقيا، والتي تم التركيز عليها من طرف الإعلام العالمي من خلال تجربة المزارع البوركينابي يعقوبا صاوادوغو، الملقب بالرجل الذي أوقف الصحراء. استطاع يعقوبا إعادة الحياة إلى أرضه بعد أن اكتسح الجفاف منطقته بالكامل، وتمكن من إنتاج أكثر من ستين نوعا مختلفا من الأشجار، مما خفض درجة الحرارة في أرضه وجعلها محجا لأنواع مختلفة من الطيور المهاجرة.
بالتأكيد هناك مجهود من طرف الدولة على المستوى الاستراتيجي في ما يتعلق بالتدبير العقلاني للموارد المائية، ولا شك في أن هناك مبادرات مدنية تشتغل على هذا الملف، لكن لابد من جعل هذه القضية قضية وطنية ينخرط فيها كل المواطنين.