story-0
story-1
story-2
story-3
story-4
story-5
story-6
story-7
story-8
افتتاحية رياضية |

توقيف الحكام ونزاهة البطولة

ص ص

مديرية التحكيم في البطولة الوطنية هذا الموسم أظهرت “حداگة” غير مسبوقة بإصدار بلاغ توقيف حكام بعد ساعات قليلة من نهاية مباريات أداروها بشكل سيء، ولم ينتظر السيد رضوان جيد رئيس المديرية حتى أن يطلع النهار حتى كانت قراراته “الزجرية” تعم الصحف ومواقع التواصل الإجتماعي، في طريقة بدا وكأنه تعرض ل”تجباد الوذن” و يحاول تهدئة جهة متضررة باتخاذ اسرع القرارات الممكنة.

إعلان أسماء الحكام الذين يتم توقيفهم في بلاغ، بعد ارتكابهم لأخطاء مؤثرة أو سوء إدارتهم للمباريات. وهو إجراء كانت جامعة كرة القدم تعتمده قديما خلال عهد الجنرال حسني بنسليمان، قبل أن يختفي لسنوات كانت تبقى فيه هذه القرارات شأنا داخليا لجهاز التحكيم، ليعود الإعلان عن أسماء الموقوفين في بلاغ رسمي بعد الجدل التحكيمي الذي خلفته مباراة الرجاء والجيش.

الأمر يضم في تفاصيله أشياء كثيرة “ما راكباش”، ويجب الوقوف عندها لكشف عبثية مثل هذه القرارات…

أول ما يجب الحديث عنه هو طبيعة الحكم نفسه داخل أي منظومة كروية.. هو جزء من اللعبة، مثله مثل اللاعب والمدرب، المعرضان للخطأ باعتبارهم جميعا بشرا وليسوا آلات مبرمجة، فكما ان المدافع قد يخطئ في الرقابة ويتسبب لفريقه في الهزيمة، وأن المهاجم قد يفلت فرصة تسجيل قد يفوز بها فريقه، وأن المدرب قد يختار نهجا تكتيكيا سيئا يساعد الخصم على الإنتصار، فكذلك الحكم قد يخطئ في اتخاذ قراراته، وأن يكون متأثرا بالضغوطات وألا يكون “فنهارو”… السؤال هنا هو هل يعقل أن نسمع عن نادٍ يوقف لاعبه لأنه ارتكب هفوة دفاعية أو أضاع فرصة محققة؟ وهل رأينا إدارة فريق تعلن أن مدربها سيُعاقب لأنه اختار تكتيكا غير موفق أو قام بتغيير غير صائب؟ طبعًا لا. كذلك الأمر بالنسبة للحكم لا يمكن أن نصدر بلاغا لتوقيفه كذا وكذا من المباريات، فقط لأنه أخطأ في حالات ملتبسة أو أنه لم يحسن التصرف في مواقف ضاغطة.

الأمر الثاني، أن إعلان توقيف الحكم بالاسم والمدة يوحي ضمنيا بأن خطأه كان متعمدا أو مشوبا بسوء نية. وفي هذه الحالة، فإن التوقيف المؤقت لا معنى له. بل إن المنطقي أن تتم إحالته على لجنة تحقيق لمعرفة مدى وجود إغراءات أو تهديدات أو ضغوط، أو طرده نهائيا من سلك التحكيم، وربما متابعته قضائيا إذا ثبتت شبهة التلاعب. أما أن يوقف لأسابيع ثم يعود إلى الميادين، فهذا يفتح الباب واسعا أمام التشكيك في نزاهة الحكام ويؤدي إلى القيل والقال وفقدان الثقة في المنظومة الكروية ككل.

أما النقطة الثالثة، فهي تتعلق بهيبة الحكم نفسه. فما القيمة التي ستبقى له حين يعود إلى إدارة المباريات بعد إعلان توقيفه بهذا الشكل؟ وكيف سينال الاحترام المطلوب وهو يدخل إلى ملعب يعرف جمهوره أنه سبق أن عوقب بسبب أخطاء “مؤثرة”؟ بل كيف سيُعيَّن لمباراة تخص فريقا كان ضحية لقراراته السابقة؟ إن هذه الوضعية تضع الحكم في موقع ضعف دائم وتحرمه من أبسط شروط ممارسة مهمته بحياد وصرامة.

في البطولات الاحترافية الحقيقية، ورغم الجدل التحكيمي الدائم الذي تعرفه مبارياتها، نجد أن توقيف الحكام وتجميد أنشطتهم أمر طبيعي يتم بناء على تقارير المراقبين، لكنه يجري في سرية تامة ويبقى ذلك في إطار الإجراءات الداخلية لجهاز التحكيم. إذ لا أحد خارجه يعرف إن كان الحكم موقوفا أو في عطلة أو مصابا. نعم قد تتسرب أخبار للصحافة، لكن لا يصدر أي بلاغ رسمي بالأسماء والمدة. والغاية واضحة: حماية صورة الحكم والحفاظ على هيبته فوق الملعب باعتباره ” قاضيا” بين فريقين، لأن العلنية في مثل هذه الحالات لا تصنع شيئا جديدا ولا تحل مشكلا سوى أنها تصنع مزيدا من التشكيك في سلامة البطولة ومبارياتها وألقابها.

ما أقدمت عليه مديرية التحكيم بعد جدل مباراة الرجاء والجيش لا يمكن إلا اعتباره نوعا من العبث، سيزيد من الضغوط والإحتجاج على الحكام وسيجعلهم عرضة للتشكيك في حيادهم، في بطولة وطنية، لا تنقصها المشاكل والأعطاب التنظيمية والتقنية المزمنة.