تقرير برلماني يرصد هيمنة الفرنسية وبوعلي: العربية والأمازيغية تتعرضان لـ”افتراس لغوي”
أعادت مخرجات تقرير برلماني أعدته لجنة موضوعاتية بمجلس المستشارين الحديث حول واقع اللغات الدستورية في المغرب، العربية والأمازيغية، بعد وقوفه على هيمنة الفرنسية في الفضاء التعليمي والإدارة، وسط اتهامات للحكومة الحالية، بالوقوف وراء تأزيم الوضع اللغوي في المغرب،
وفي السياق ذاته، قال فؤاد بوعلي، رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، في حديثه إلى “صوت المغرب”، في تحليله للوضع اللغوي بالمغرب على ضوء التقرير البرلماني، إن الغتين الرسميتين في المغرب، تعيشان على وقع “افتراس لغوي” و”هجوم هولوكوست” يستهدف اللغة العربية على وجه الخصوص.
وأضاف بوعلي أن التقرير البرلماني يشير إلى استمرار الهجوم الفرنسي على المقدرات الثقافية والفكرية والسياسية للمغرب، معتبرا أن ما تتعرض له اللغة العربية من استهداف ليس فقط “استمرار” لما كان ولكنه هجوم يتنامى في عهد الحكومة الحالية، ليس في التداول العادي والإداري ولكن على المستوى الرسمي.
ومن بين أوجه الاستهداف التي تطال اللغة العربية في عهد الحكومة الحالية، يقول بوعلي إنه رصد ولأول مرة مع الحكومة الحالية، تناول الكلمة باللغة الأجنبية بمؤسسة رسمية وهي البرلمان، ولأول مرة في التاريخ يتم تناول الكلمة في لجنة وزارية حكومية في جلسة رسمية حول مستقبل الاقتصاد المغربي باللغة الأجنبية.
ويقرأ بوعلي الأحداث المتتالية التي يتم تسجيلها في هذا الموضوع، أنها “هجمة حقيقية بتدبير للتحجيم والتنقيص من اللغة العربية والرسمية بشكل عام”، وسط وضع يستدعي إنجاز سياسة لغوية حقيقية تحافظ على الوضع الاعتباري للغتين الرسميتين، وذلك باستعادة اللحظة الدستورية التي يقول عالم اللسانيات إنها أنجزت مصالحة مع الذاكرة والذات وخلقت جوا من الاعتراف والوعي المجتمعي بأهمية التعدد اللغوي وفق ضوابط معينة أوضحها الدستور.
ويشير بوعلي، إلى أنه بالرجوع إلى الدستور، فإن المرجع ينص على أن تكون اللغة العربية هي الرسمية، ويعطي مكانة هامة بالأمازيغية لتصل إلى أدوار لغة رسمية، كما ينص على الانفتاح على اللغات الأكثر تداولا وليس لغة بعينها، مضيفا أن “هناك لغات أحنبية ما زالت مهمشة وتصارع لتفرض وجودها في جو فرنكوفوني بامتياز”.
الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية، كان قد التقى اللجنة البرلمانية، واقترح التفكير الجماعي في تأمين عدالة لغوية، بإعطاء كل لغة حقها في الوجود، على أن يفكر مدبر الشأن العام في جدولة وظيفية للغات الوطنية والأجنبية بمختلف أشكالها، لإعطاء كل واحدة وظيفة معينة داخل النسيج أو الخريطة المغربية.
وأوصى تقرير برلماني، أعدته لجنة موضوعاتية بمجلس المستشارين بإعادة النظر في مكانة اللغة الفرنسية في النظام التعليمي والإدارة والعمل على إعادة التوازن بينها وبين اللغتين الرسميتين في اتجاه إعطاء الأسبقية للغتين العربية والأمازيغية، مع منح مكانة أكبر للغات الأجنبية الأكثر تداولا، طبقا لأحكام الدستور، خاصة اللغة الإنجليزية.
ونبه التقرير إلى أن السياسة اللغوية في المغرب تفتقر إلى الوضوح الكافي في تحديد الأدوار والمجالات لكل اللغات مما يؤدي إلى تطبيق غير متسق ولا متوازن في مجالات التعليم والإدارة والإعلام.
وأشار التقرير إلى أنه “على الرغم من الاعتراف بالعربية وبالأمازيغية كلغتين رسميتين، إلا أن حضورهما الفعلي لا يزال محدودا مع وضع أسوأ للغة الأمازيغية، خاصة في مجال التعليم بعد إقرار مبدأ التناوب اللغوي بشكل غير مقبول ولا ينسجم مع ما جاء في الرؤية الاستراتيجية للتعليم 2015- 2030 كما أنه لا ينضبط لنص تنظيمي كما أوصى بذلك القانون الإطار 51.17″.
ورصد التقرير أن اللغة الفرنسية تحتل مكانة مهمة في التعليم المدرسي والتعليم العالي والإدارة والاقتصاد، مما يحد من فرص استخدام العربية والأمازيغية في هذه المجالات، ويتجلى ذلك أساسا في استحواذ اللغة الفرنسية على ثلثي زمن التعلم في التعليم الالزامي والباقي تتقاسمه اللغتان الرسميتان مع حضور باهت للأمازيغية.
كما لاحظ التقرير وجود خلط بين التعدد اللغوي والتلوث اللغوي، مبرزا أن التداخل المعجمي بين اللهجات العامية واللغات الأجنبية، والضبابية في توزيع الوظائف بين اللغات المعيارية واللهجات المتفرعة عنها يؤدي إلى تفشي ظاهرة إفقار اللهجات المغربية بإدخال معجم أجنبي بدأ في طمس هوياتها، وبروز بعض الأصوات الداعية إلى منح العامية المغربية وظائف غير مؤهلة لها، ولن تؤدي سوى إلى إزاحة اللغة العربية ومحو تاريخ تليد كتب بها.