تقرير: السياسة غير المتوازنة والتفاوتات الاجتماعية تتفاقم بأزمة الماء
في ظل أزمة الماء التي تعرفها المغرب، تتوالى الأصوات التي تنتقد السياسات المائية للمملكة خاصة فيما يتعلق بالتدابير التي وصفت “بالتقييد” على الاستهلاك اليومي للماء، بينما يرى الخبراء أن أصل الداء يكمن في الزراعات المستنزفة للماء.
وفي هذا الصدد أصدر المعهد المغربي لتحليل السياسات في الأيام القليلة الماضية ورقة في هذا الاتجاه، والتي ترى أن هذه الأزمة “ليست بفعل الاستهلاك الأسري أو الصناعي”، مشيرة إلى أن ذلك لا يستهلك سوى 20 في المائة من الموارد المائية المعبئة.
وبالمقابل من ذلك فإن الأزمة حسب الورقة البحثية “تتعلق بشكل وثيق بطبيعة الاستخدامات المائية في ميدان الري، حيث يستهلك 80 في المائة من الموارد المائية بالمغرب سنويا”.
سياسات غير متوازنة
وأشار المصدر ذاته إلى أن “السياسات المائية والفلاحية المعتمدة خلال العقدين الماضيين ساهمت في ضمان الأمن الغذائي للمغاربة، في حين أنها في مستوى آخر أنتجت رابحين وخاسرين؛ الرابحون هم المقاولون التجاريون والفلاحون الكبار، أما الخاسرون فهم الفلاحون التقليديون الذين يعتمدون على مياه الأمطار والمياه الجوفية لسقي أراضيهم وتروية مواشيهم”.
وتابع أن “سياسات الري سواء السابقة أو الحالية تعد سياسات غير متوازنة لكون التنمية القروية والاقتصادية تستوجب السير في نهج شامل، في حين أنه تم حاليا في سياق الجفاف الهيكلي وتغير المناخ تفضيل تصدير المياه على حساب الفلاحين المعيشيين، في وقت تُفاقم فيه السياسات المطبقة ندرة المياه التي تصيب الضعفاء أولا”.
واعتبر التقرير أن “المخطط الفلاحي المعمول به منذ سنة 2008 قسم القطاع الفلاحي إلى قسمين: الأول يتعلق بالفلاحين الكبار الذين تم رصد 75 مليار درهم للمشاريع الموجهة إليهم. أما الثاني فيتمثل في الفلاحين الصغار بالمناطق شبه القاحلة، والذين تم رصد 20 مليار درهم للمشاريع الموجهة لفائدتهم”.
وانتقد “توجه السياسة الفلاحية الوطنية نحو التركيز بشكل كبير على تطوير الفلاحة الموجهة نحو التصدير من خلال إنشاء سلاسل أو مجموعات نباتية ذات عائد مرتفع وتستهلك الماء بشكل مرتفع، في وقت لا يزال فيه قطاع الحبوب غير مستقر بالنظر إلى اعتماده بشكل كبير على الأمطار”.
ولفتت الورقة إلى أن “نموذج المياه الزراعية الذي بناه المغرب يعد غير متكافئ، حيث يتم تصدير المياه المخزنة ضمن أنظمة هيدروليكية متعددة ومكلفة على شكل حوامض وخضروات، بينما يتعين على الفلاحين الصغار التعامل مع عواقب نقص الأمطار وخزانات المياه الجوفية المستنفدة، وبالتالي تبقى سياسات الري المتبعة لا تخدم الأمن الغذائي على اعتبار أن 90 في المائة من مناطق الحبوب المزروعة على سبيل المثال تعد مناطق بعلية”.
تفاقم التفاوتات الاجتماعية
وربطت الوثيقة ذاتها بين السياسات الفلاحية القائمة وبين التفاوتات الاجتماعية، لإذ أشارت إلى أن “مشاريع زراعة البطيخ التي تمت الموافقة عليها وقلة معدات الري أدتا إلى عدم المساواة في الاستفادة من المياه.
وساق التقرير على سبيل المثال وضعية زاكورة التي وقال بإن “مشاريع زراعة البطيخ بزاكورة تسببت في جفاف الفرشة المائية بالمنطقة، الأمر الذي أفضى إلى اندلاع احتجاجات عطش بالمنطقة”.
وأضاف أن “موافقة السلطة على هذه المشاريع التي تعود بالنفع المالي على فئة اجتماعية معينة مع تعريض سلامة فئة أخرى للخطر بقطع المياه تخلق غضبا اجتماعيا مشروعا وتفضي إلى انعدام الثقة بشكل فعلي في السلطات العامة التي تلجأ وقتها إلى إقرار خطط للطوارئ”.
وأوصى التقرير بالمقابل من ذلك بضرورة”تبني سياسات شاملة ومستدامة تلبي احتياجات الفلاحين المعيشيين أيضا عبر حماية سبل عيشهم، خصوصا في المناطق البعلية من تهديدات الجفاف، فضلا عن التوجه نحو الرفع من الدعم المالي والتقني لمشاريع جمع مياه الأمطار التي يطلقها الفلاحون”.
داعيا إلى “الاستثمار في المحاصيل التي تتكيف مع المناخ شبه الجاف والقاحل بدلا من المناخ الذي يتطلب المياه بكثرة، إلى جانب التوجه نحو الاستثمار في الموارد المائية البديلة كاستخدام المياه العادمة المعالجة وتحلية المياه للتقليل من الاعتماد على الأمطار”.