تقرير أممي يكشف ارتفاع عدد ضحايا الاتجار بالبشر في المغرب وحقوقيون: هذا جرس إنذار
كشف تقرير جديد صادر عن الأمم المتحدة لسنة 2024، عن ارتفاع عدد ضحايا الاتجار بالبشر المكتشفين في المغرب، حيث انتقل العدد من 187 ضحية عام 2021 إلى 217 ضحية خلال 2022.
وأشار التقرير الذي أعده مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، إلى أن تجارة البشر تستهدف النساء والفتيات، الذين شكلن الحصة الأكبر من الضحايا الذين تم اكتشافهم في جميع أنحاء العالم، موضحا أنهن يمثلن 61 في المائة من إجمالي الضحايا في عام 2022، ولا يزال معظمهم يتعرضون للاتجار لأغراض الاستغلال الجنسي.
ناقوس خطر
وتعليقا على الموضوع، قال عادل تشيكيطو رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، إن هذا الارتفاع الملحوظ في عدد ضحايا الاتجار بالبشر المكتشفين في المغرب، هو بمثابة جرس إنذار يستدعي تدخلاً عاجلاً لمعالجة هذه الظاهرة المقلقة، مبرزا أن “انتقال العدد من 187 ضحية العام الماضي إلى 217 ضحية سنة 2024، يعني وجود تحديات عميقة تتطلب تحليلاً دقيقاً لأسبابها”.
وأشار تشيكيطو إلى أن الشبكات الاتجار بالبشر تستغل أوضاع الفئات الهشة، وخاصة النساء والفتيات الذين يعانون من ظروف اقتصادية واجتماعية صعبة، مشيرا أن “ذلك يجعلهم أكثر عرضة للاتجار بالبشر، حيث يعد الفقر والبطالة والهجرة غير النظامية من العوامل الرئيسية التي تزيد من تعرض هذه الفئات للاستغلال”.
وأوضح المتحدث ذاته، أن ضعف التوعية المجتمعية بمخاطر الاتجار بالبشر وغياب سبل الوقاية منه يسهم في تفاقم المشكلة، منبها إلى أن عددا من الضحايا يتم استدراجهم عبر وعود زائفة بفرص عمل أو حياة أفضل، دون إدراكهم للمخاطر الكامنة.
وشدد الفاعل الحقوقي على أن دافع الاستغلال الجنسي يبقى الدافع الرئيسي للاتجار، مبرزا أنه “نمط متكرر يعكس غياب تشريعات فعّالة تجرّم هذا النوع من الجرائم وتضمن معاقبة الجناة بشكل صارم”.
واعتبر تشيكيطو إلى أن المغرب في حاجة إلى تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وتكثيف الجهود التوعوية والقانونية لمواجهة هذه الجرائم وحماية الضحايا.
“قانون مفتوح على كل التأويلات والاحتمالات”
من جانبه، قال محمد النويني المحامي والباحث في القانون الإنساني الدولي، في حديث مع صحيفة “صوت المغرب”، إن قانون مكافحة الاتجار بالبشر “يتم توظيفه في استهداف المعارضة والمدافعين عن حقوق الإنسان”، مبرزا أن “الصيغة التي وُضع بها القانون مفتوحة على كل التأويلات والاحتمالات”.
وأوضح النويني أنه إذا كان من شروط الأمن القانوني الدقة والوضوح والمفهومية في صياغة النصوص القانونية تحقيقا للمصالح، فإن العبارات التي جاء بها القانون لتعريف جريمة الاتجار بالبشر عبارات “فضفاضة قابلة للتكييف والتأويل”، خاصة عندما يتعلق الأمر “باستهداف المزعجين والمعارضين والأصوات الحرة”.
وأشار المحامي إلى أنه “لذلك نجد العديد من المدافعين عن حقوق الإنسان بالمغرب متابعين بهذا القانون، ومنهم صحفيين، ومنهم الصحفي توفيق بوعشرين ومنهم أيضا معارضين لسياسات الدولة”، مضيفا أنه ” كذلك يمس حقوق النساء حيث يستغللن أثناء تسطير هاته المتابعات من خلال التشهير بهن والمس بسمعتهن”.
واعتبر أن “هذا القانون يهدد حقوق وحريات أغلبية أفراد المجتمع المتشبع بثقافة التكافل والتعاون والتآزر ويجعل جميع المغارية مشاريع متهمين إلى حين”، مشيرا إلى أنه “يعصف بأمهات المبادئ الأساسية للعدالة والقواعد الفقهية المشهورة من قبيل “قرينة البراءة”؛ “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص”؛ “عدم التوسع في تفسير النص الجنائي”؛ “الشك يفسر لفائدة المتهم””.
ووقف المتحدث ذاته، على أن الأصل في سن قانون الاتجار بالبشر وفق فلسفة الاتفاقيات الدولية هو حماية الفئات الهشة من الأطفال والنساء والمهاجرين وغيرهم ممن يتعرضون للاستغلال المنظم، معتبرا أن “هذا يقتضي مساءلة السياسات العمومية المتبعة التي تنتج الفقر والهشاشة وتفرض على الناس وضعيات صعبة تدفعهم ليكونوا ضحايا لهذه الجريمة المنظمة، لذلك على السلطات أن تراجع حساباتها واستراتيجياتها بدل الانتقام من معارضيها باستغلال وتوظيف هذا القانون”.
مواصفات جريمة الاتجار بالبشر
وأفاد النويبي الباحث في القانون الإنساني الدولي أن جريمة الاتجار بالبشر هي جريمة عابرة للحدود وقد تكون وطنية تمارس من قبل عصابات إجرامية متخصصة في الجريمة عبر استعمالها لوسائل غير مشروعة بغاية تحقيق الربح، معتبرا “أنها جريمة تفترض تعدد الفاعلين ووجود سلسلة منهم”.
وأوضح أن الأفعال المادية المجسدة للركن المادي للجريمة محصورة في الفقرة الأولى من المادة 448-1 وهي تجنيد شخص، أو استدراجه، أو نقله، أو تنقيله، أو إيوائه، أو استقباله، أو المشاركة في ذلك، مبرزا أنها تتصف بكونها جريمة مركبة يستعمل فيها التهديد أو الاختطاف أو الاحتيال مع استعمال السلطة لارتكاب أفعال أخرى، وبعد اقتران كل هاته الأفعال نكون أمام جريمة الاتجار بالبشر.
وأردف النويبي “إنها من الجرائم المستمرة في الزمن بمعنى أنها تحتاج إلى فترة من الزمن لتكتمل الأركان المشكلة لها، وأنها من الجرائم العمدية ينبغي أن يتوفر فيها القصد الجرمي، مشددا على أن العنصر المهم والحاسم في هذه الجريمة هو الاستغلال بمفهوم الفقرة الثالثة من المادة 448-1.
التشريع القانوني
وقال النويني أن المغرب اعتمد مكافحة الاتجار بالبشر، الذي دخل حيز التنفيذ منذ شتنبر 2016، في سياق دولي ووطني اتسم بارتفاع الأصوات المطالبة بحماية الأطفال والنساء من الاستغلال البشع جنسيا وجسديا وغيرها من ضروب المعاملات الحاطة من الكرامة الآدمية.
وأوضح المحامين أن الهدف كان هو التصدي لتنامي ظاهرة الشبكات الإجرامية المنظمة والعابرة للحدود التي تستهدف فئات هشة على رأسها النساء والأطفال والمهاجرين غير النظاميين، وتنشط بالمغرب مستغلة كونه منطقة عبور واستقرار للعديد من الحالمين بالهجرة نحو أوروبا، فضلا عن اتساع الفوارق بين العالم الحضري والقروي وما يترتب عنها من حالات هجرة داخلية.
وأردف “كما أن عددا من المواطنين المغاربة يقعون بدورهم ضحايا هذه الشبكات بالخارج، وقد تم رصد صور كثيرة للاتجار بالبشر منها مثلا استغلال الأطفال في العمل المنزلي؛ والتسول والدعارة خاصة ما يتم في بعض المدن السياحية؛ كما سجلت حالات استغلال الفتيان في أعمال السخرة من خلال تجنيدهم كممتهنين في محلات الأعمال الحرفية والصناعة التقليدية والميكانيك.”
وأضاف أن ” وأيضا إجبار النساء المغربيات أو الأجنبيات خاصة المهاجرات غير النظاميات من بلدان جنوب الصحراء على الدعارة والتسول؛ وتشغيل النساء في العمل المنزلي وإجبارهن على تحمل الاستغلال من خلال مصادرة جوازات سفرهن وعدم دفع الأجر والإيذاء الجسدي؛ وبيع الأعضاء والأنسجة البشرية”.
وخلص المتحدث ذاته إلى أنه وفي هذا السياق ونتيجة للضغوط والإملاءات الدولية، “وبسرعة متناهية” صيغ ونوقش وصودق في البرلمان على القانون المتعلق بمحاربة الاتجار بالبشر الصادر مشيرا إلى أن “الأمر لا يتعلق بقانون مستقل، وإنما بتعديلات جزئية أدخلت على منظومة القانون الجنائي بشقيه الموضوعي والإجرائي، ولا سيما الفصل 1-448 الذي توسع المشرع جدا في تعريف الاتجار بالبشر ووسائله، بل إنه ذهب بعيدا عندما لم يشترط حتى تلك الوسائل في الفصل الموالي لقيام هذه الجريمة”.
*عبيد الهراس