تصعيد “الحوثيين” ومصالحة بكين.. كيف نفهم المستجدات؟
خمسة أشهر تفصل العالم عن تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، والذي تميل كفته إلى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب أكثر من أي وقت مضى؛ وذلك قبل أن ينسحب الرئيس الحالي جو بايدن تاركا مكانه لنائبته كاميلا هاريس. أما وقد انسحب الأخير فقد أصبح طريق ترامب معبّدا نحو البيت الأبيض، بما تحمله هذه العودة من اختيارات “جمهورية” ربما ستكون أكثر حدة وتأثيرا من سابقاتها (في الولاية الأولى لترامب)، اعتبارا لاكتساب ترامب موقعا وشرعية أكثر من السابق، واعتبارا للتحولات التي يعرفها العالم والتي تفرض على أمريكا سياسات جديدة.
إيران وحلفاؤها أكثر معرفة بهذا الشرط الجديد، وربما حركة “حماس” أيضا. كيف نفهم ذلك؟ تصعيد إيران وحلفائها مؤخرا يدل على ذلك، وإجراء المصالحة الفلسطينية بوساطة صينية يستحضر نفس الواقع الجديد. تبحث إيران وحلفاؤها عن موقع يضمن مصالحها (ومصالح الحفاء) على طاولة المفاوضات المقبلة، أما “حماس” فتعلم جيدا أن الحرب في غزة ستنتهي بمجيء ترامب. الحل بصفة عامة: أن يستعد الجميع، وكل من موقعه، لسياسة ترامب. تأزيم الأزمة من جهة، وإعداد البدائل من جهة أخرى؛ سياستان تخدمان الرئاسة الأمريكية وإن تناقضتا ميدانيا. الأولى تؤكد فشل “الديمقراطيين” في بؤر التوتر المختلفة (من هنا نفهم: تقدم روسيا في الجبهة الأوكرانية/ أنباء عن دعم روسيا الحوثيين بالسلاح)، أما الثانية فتعدّ الأرضية الشرق-أوسطية لسياسة أمريكا “الجمهورية”.
يضغط اليمين المتطرف على حكومة بنيامين نتنياهو لتصعيد العدوان في غزة، بل واقتحام جبهات أخرى في لبنان واليمن. فيستجيب هو بدوره لذلك، خاصة في غزة، بحثا عن مكتسبات سياسية واستغلالا لما بقي من زمن الحرب لصالح موقعه في قيادة “إسرائيل”. ورغم ما يصدر عن اليمين المتطرف “الإسرائيلي” من مواقف عدائية وعنصرية وإبادية، فقد أنهكته الحرب الأخيرة وردعت اختياراته، وكأنها اندلعت لردع اليمين في الجانبين “الإسرائيلي” والفلسطيني معا. صحيح أن المقارنة لا تستقيم بين محتل ومقاوِم، وصحيح أن “حماس” تدافع عن وطنها وشعبها؛ إلا أن ميزان القوى الدولي يحكمهما معا، وبمجيء ترامب سيفرض عليهما الواقع الجديد تغيير سلوكهما في المنطقة، وربما قد أدت الحرب هذه المهمة بنجاح حتى قبل تنصيب القيادة الأمريكية الجديدة.
“حزب الله” يهدد ويؤكد أنه مستعد للحرب إذا ما هاجمته “إسرائيل”، إيران تحذر في الأمم المتحدة من الهجوم على لبنان، “الحوثيون” يستهدفون “إسرائيل” في عاصمتها “تل أبيب” (بمسيرة “يافا”)؛ هذا تأكيد لموقع إيران وحلفائها في الواقع الجيوسياسي المقبل، وهو أيضا بمثابة استعداد عسكري لحفظ لمناطق النفوذ ومواقع التفاوض قبل تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، والذي تقول المؤشرات الداخلية والخارجية إنه لن يكون غير ترامب. أما تدخلت إرادات أخرى في صناديق الاقتراع الأمريكية، فإننا سنكون أمام تهديدين؛ التهديد الأول توتر واضطراب في أمريكا نفسها (اقتحام الكابيتول في 2021، ومحاولة اغتيال ترامب في 2024، من مؤشرات ذلك)؛ التهديد الثاني: استمرار الحرب واشتدادها في مناطق التوتر العالمية وربما تدشين “حرب عالمية ثالثة”.
السؤال الوجيه الذي يجب طرحه هو: ما هي مكتسبات فلسطين من هذه المرحلة الجديدة؟ نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: إنهاء الحرب والعدوان، تراجع اليمين المتطرف، إعادة إعمار قطاع غزة، اعتراف دولي بدولة فلسطين، اعتراف “إسرائيلي” بدولة فلسطين، وحدة القيادة الفلسطينية على الضفة وقطاع غزة.. وكله سيتم بضمانات قوى دولية جديدة أصبح لها حظ من الشرق الأوسط (الصين التي رعت مصالحتين: بين السعودية وإيران، ثم بين الفصائل الفلسطينية)، وكذا بضمانات قوى إقليمية التي لن تبرم علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل” إلا بهذه الضمانات (الحديث عن السعودية، وربما قطر). هذه مجرّد توقعات، ومن شأن صعود ترامب للمرة الثانية أن يُظهر إلى أي حدّ هي سديدة.